نعلمهم الأدب ولا نتعلم منهم قلة الأدب

نعلمهم الأدب ولا نتعلم منهم قلة الأدب

محمد قاروط أبو رحمه

تجربتنا الطويلة الممتدة حملت معها خبرات متنوعة منها، مواجهة المُحبَطينَ والمُحبِطين.

الإحباط تثبيط، والمُحبِط مُثبِط، والتثبيط رد الإنسان عن الشيء الذي يفعله، قال ابن عباس: يريد خذلهم وكسلهم عن الخروج أي حبسهم.

والإحباطُ مرضٌ، والمُحبِطُ مولد للمرض وناشره.

والمرض عند أهل اللغة : " كلّ ما خرج بالكائن الحيّ عن حدِّ الصِّحَّة والاعتدال من عِلّة أو نفاق أو تقصير في أمرٍ" جامع المعاني عربي عربي.

والمرض مرض القلب (العقل) يقول الله عز وجل "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا" البقرة 10، والمرض على أربعة أوجه، فساد وضعف ونقصان وظلم ومنها يشتق الشك والجهل والحيرة والضلال وإرادة الغي وشهوة الفجور في القلب.

أصل المرض من الفساد والضعف والنقصان والظلم، وما اشتق من ذلك في ذات الشخص وليس في الواقع، ولكن كلما كان الواقع أكثر مرضا، كان لهؤلاء المرضى حجج أكثر واكبر لتبرير مرضهم. فعلاج المرض يبدأ أولا بعلاج المرضى وزيادة مناعتهم.

ومرضى العقول ينشرون مرضهم في محاولة جعل غيرهم مثلهم بهدف تعميم المرض فينقلب المرضى قاعدة والأصحاء استثناء.

أمراض الأفراد في المجتمع موجودة، وموجودة في النظام والسياسة والاقتصاد والثقافة وفي كل شيء، وهي جزء من طبيعة الأفراد ومؤسساتهم ونظمهم، ويستطيع أي فرد وبإمكانه أن يصاب بالعدوى بإرادته ويستطيع نشره أيضا.

في مواجهة المرض ينقسم الناس ثلاثة أصناف، المرضى، والذين يحتاطون منه، والذين يواجهونه. هكذا كان حال أهل السبت المذكورين في سورة الأعراف الآيات 163-170.

مرض أهل السبت ليس وقوعهم في الحرام فقط، وإنما بالتحايل على الحلال بالحرام، أي تحليل ما حرم الله بالحيلة.

في الواقع الحالي المعاش، كثر مرض الفساد والضعف والنقصان والظلم، وهو مرض ثقافي فكري أولا، وفردي ثانيا، وجماعي.

نشره وترديده من قبل أفراد أصحاء حتى ولو بحسن نية، مرض يجب أن يعالج، ويعالج الفرد نفسه بنفسه من هذا المرض، او يعالجه زملائه.

نقل السلوكيات المريضة وترديدها لا يخدم الوطن والشعب، ولنتذكر قول الرسول صل الله عليه وسلم، " إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ." حديث صحيح رواه مسلم.

ونُذكرُ ناقل ومردد وناشر هذا الوباء بقول الله عز وجل في سورة النور " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 19"

كنت في جلسة والنقاش في معظمه عن الفساد والظلم والنقص وكنت أحاورهم بمنطق لنرى الوجه الآخر المقاومة والشهداء والأسرى والانجازات...الخ، ولم أجمل الواقع، أريد منهم أن يروه بجوانبه المتعددة، كنت أقف وحيدا في مواجهة المرض، فقلت لهم هذه القصة: أن موظفا نقل للعمل في مدينة بعيدة وسكن فيها، بالقرب من موقف الحافلات بائع قهوة، يرد الموظف التحية على بائع القهوة ويقول له إذا تكرمت فنجان قهوة والبائع لا يرد على التحية ويقبض ثمن القهوة ثم يقول الموظف للبائع شكرا، ويمضي الموظف إلى موقف الحافلات.

بعد شهر قال احد الذين يتواجدون عند باع القهوة وموقف الحافلات للموظف، بائع القهوة ليس أصماً، ولكنه سيئ، لا يرد عليك التحية ولا على غيرك، ولا يلتفت إلى أدبك في طلب القهوة وشكرك له! فلماذا تكرر ذلك؟

قال له الموظف: أنا أريد أن اعلمه الأدب لا أن أتعلم منه قلة الأدب.

لنتوقف عن نشر كل ما نسمعه، لان عقولنا ليست مكب نفايات، ولسنا ماكينات تدوير للنفايات.

" كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ" صل الله عليه وسلم، رواه مسلم.

"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" صل الله عليه وسلم رواه البخاري.

لنواجه بشجاعة المرض والمرضى حمايةً لشعبنا وحفاظاً على استمرار المشروع الوطني.

هذا المرض والمصابون به يفتتون جبهتنا الداخلية ويخدمون الاحتلال بقصد أو بدونه، لنكن من العاقلين ولا نكن من الغافلين.

سنواجههم كما واجهناهم سابقا، وسنخفض من عزمهم على نشر هذا الوباء، لن نقضي عليه ولكننا نقول كما قال الذين صبروا على الحق في قصة أهل السبت " وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" الأعراف 164.

إن لم تكن واعظاً، كن متعظاُ ولا تكن مريضاً. والنقد معلوم بالضرورة انه علاج وهو واجب وحق.

عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح

عضو مجلس إدارة أكاديمية فتح الفكرية

 عضو لجنة التعبئة الفكرية