بايدن يستعد لحرب استنزاف طويلة في أوكرانيا وما بعدها

بايدن يستعد لحرب استنزاف طويلة في أوكرانيا وما بعدها

بايدن يستعد لحرب استنزاف طويلة في أوكرانيا وما بعدها

بقلم: نتنئيل شلوموفيتس

قبل صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في روسيا قام جو بايدن بلعب دور في تشكيل النظام الأوروبي.
من خلال منصبه رئيساً للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ قاد بايدن جهود التشريع في الكابيتول في العام 1998 من أجل ضم بولندا وهنغاريا والتشيك لحلف الناتو.

 "هذا إصلاح تاريخي لظلم فرض على الشعب في بولندا وهنغاريا والتشيك من قبل ستالين"، قال السناتور في حينه، وقدر بأن "الناتو" سيجلب "50 سنة من السلام". كانت هذه العملية حكيمة، لكن التنبؤات كانت أقل.

أخافت جهود توسيع "الناتو" إلى شرق أوروبا في حينه رئيس جهاز الأمن الروسي، الـ "اف.اس.بي"، وهو الجهاز الذي ورث الـ "كي.جي.بي".

بعد مرور سنتين سيطر العميل السابق ذاته على روسيا. ومنذ ذلك الحين يتحدى النظام العالمي في جورجيا وأوكرانيا، وأيضا في الانتخابات في الولايات المتحدة.

عندما تبين للمخابرات الأميركية أن بوتين ينوي غزو أوكرانيا عرف البيت الأبيض جيداً أنه لا يمكنه "وقف طبول الحرب"، مثلما وصف ذلك بايدن.

بوتين هو المسؤول عن الحرب الأكثر خطورة، التي عرفتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

رد الرئيس الأميركي على هذه المواجهة الكبرى منذ عقود أثار حتى الآن ردود فعل مختلفة. لا شك بأن هذه لحظة تأسيسية بالنسبة للنظام العالمي، لكن من السابق لأوانه استخلاص النتائج.
حتى لو استكمل الجيش الروسي احتلال أوكرانيا فإن هذه لا تزال هي البداية. يراهن بايدن من رئاسته على أن أوروبا يمكنها التوحد في جبهة متماسكة.

حتى قبل أن تطأ قدم أي جندي روسي أوكرانيا كان من الواضح أن أي دولة لا يمكنها إجبار بوتين على الانسحاب، بل فقط معاقبته إذا قام بالهجوم.

في واشنطن يحذرون منذ أسابيع بأنه إذا حدثت حرب فإنهم سيساعدون أوكرانيا بكل طريقة ممكنة، باستثناء إرسال الجنود الأميركيين إلى داخل أراضي أوكرانيا.

واختيار مسار المساعدة العسكرية لأوكرانيا وفرض عقوبات مؤلمة على روسيا يعكس الرأي العام الأميركي. بعد العراق وأفغانستان فإن الأغلبية الساحقة في أوساط الأميركيين، يمينا ويسارا، تعارض بشدة حربا برية في دولة أجنبية.

من ينتقدون بايدن، في الداخل والخارج، يعتبرون رد الإدارة الأميركية "ضعيفا" و"مستخذيا". هذا موقف مريح لـ"فوكس نيوز" والشبكات الاجتماعية؛ لأن المنتقدين أيضاً يجدون صعوبة في طرح بديل لا يقود بالضرورة إلى مواجهة مباشرة مع ديكتاتور منعزل وخطير وغير متوقع، يهدد بتحويل الأعداء إلى "غبار مشع".

بايدن، مثل جميع الرؤساء الأميركيين، لا ينوي أن يلعب الروليت الروسية مع قنابل نووية توجد في مخزن السلاح بدلاً من الرصاص.

السياسة الخارجية، التي تروج لها الإدارة الأميركية والتي تمجد معجزة التعاون الدولي من خلال التحالفات، بدأت حتى قبل الغزو. بدلاً من وضع حقائق على الأرض للدول الأوروبية، مثلما يميل رؤساء الولايات المتحدة إلى فعله مع حلفائهم في أوروبا، فإن بايدن اختار المسار الطويل والمعقد للحوار بوساطة "الناتو". في الساحة الدولية، مثلما في مكان العمل، فإن التكتل هو طريقة العمل المفضلة لديه.

في اجتماع "الناتو"، نهاية الأسبوع الماضي، أعلن السكرتير يانس ستولتنبرغ عن القرار المشترك بإرسال "آلاف الجنود" إلى الدول الأعضاء في الحلف العسكري، التي وجدت نفسها في خط مواجهة أمام روسيا الآخذة في الاتساع.

أعلنت الولايات المتحدة من ناحيتها أنها سترسل 12 ألف جندي إلى قواعدها في أوروبا. و350 مليون دولار من أموال المساعدات العسكرية لحكومة أوكرانيا برئاسة فلودمير زيلانسكي.
استعراض الوحدة هذا لم تتم مشاهدته في "الناتو" منذ الحرب الباردة، لكنه لم يجتز بعد امتحانا حقيقيا.
في حكومات أوروبا والولايات المتحدة يستعدون الآن لحرب استنزاف طويلة. هم ينطلقون من فرضية أن أوكرانيا هي فقط البداية لحرب طويلة، غربية، وربما عالمية، أمام بوتين. اعترف الرئيس الفرنسي، أول من أمس، بأن هذه المواجهة يمكن أن "تستمر فترة طويلة"، وهو لم يقصد احتلال أوكرانيا. الجهود الغربية من أجل خنق الكرملين بأدوات اقتصادية يمكن أن تستمر أسابيع أو شهوراً وربما سنوات. هذا لا يعزي الأوكرانيين الذين يتعرضون للنار الروسية، وأيضا نحن لا نعرف إلى أي درجة سيغير هذا مقاربة الكرملين.

امتحان وفرصة

مع ذلك، تحولت الأزمة إلى امتحان وإلى فرصة أيضا بالنسبة لسياسة بايدن الخارجية.
يريد الرئيس إقامة تحالف لدول ديمقراطية منذ اليوم الذي دخل فيه البيت الأبيض في محاولة لمحاربة صعود الصين، لكن بالتحديد بوتين أعطى الدفعة الكبرى لذلك. في الأشهر التي سبقت غزو أوكرانيا عمقت الإدارة الأميركية برئاسة بايدن علاقاتها الاستخبارية وتعاونها مع اعضاء "الناتو".
في الخطاب الذي ألقاه يوم الغزو الروسي الذي فيه أعلن عن العقوبات الأولى، فإن بايدن خرج عن أطواره لينقل رسالة لجميع الأعضاء في الناتو بأن حكم أوكرانيا ليس كحكم بولندا. الناتو تحول في لحظة إلى النادي الفاخر والمطلوب في أوروبا. "الولايات المتحدة ستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو بكل قوتها"، أعلن بايدن. "لا تشكوا في ذلك. فالولايات المتحدة وجميع حلفاء الناتو سينفذون التزاماتنا استنادا إلى المادة 5 في ميثاق الناتو، التي تنص على أن أي هجوم على أي دولة منا هو اعتداء علينا جميعاً".

منذ الغزو ذكر بايدن المادة 5 في ميثاق "الناتو" أمام كل ميكروفون. وفي كل مرة بالغ في وصفه لـ"المادة المقدسة"، المصنوعة من الفولاذ. وأعلن رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسون، أن المادة 5 هي "حاسمة".

وأشار سكرتير "الناتو" إلى أنه حصل على رسائل مشابهة من جميع الأعضاء في الحلف. هذا الشعار، الذي سمع كثيراً في دول "الناتو"، هو دليل على روح الحياة الجديدة للحلف، ومحاولة للادعاء بأن أوكرانيا لم يتم التخلي عنها.

التحدي الرئيس، الذي يواجهه "الناتو" والولايات المتحدة، هو فرض الانضباط على جميع الدول الأعضاء من أجل إظهار جبهة موحدة.

تجري نقاشات محمومة، الآن، بين دول الحلف في محاولة للاستعداد لأي سيناريو محتمل والتأكد من أنه لا توجد حلقة ضعيفة.

والتصميم على أن تعلن كل دولة التزامها بالمادة 5 من الميثاق هو خطوة مهمة لبناء الثقة. ولكن الامتحان الحقيقي سيأتي إذا اختار بوتين تحدي دولة أخرى.

هل بولندا قادرة على الصمود أمام الضغط؟ هل جميع دول "الناتو" حقاً سترسل الجنود لمساعدة هنغاريا؟. بايدن مستعد لأن يضع على كفه رئاسته ومكانته وأن يقامر بأن الجواب على ذلك هو نعم.
بايدن وجونسون وقادة "الناتو" الآخرون يتقدمون إلى المعركة الجديدة أمام بوتين على فرض أن هذا ماراثون وليس سباقا قصيرا، وربما هذا هو العزاء الوحيد لهم لعرضه على أوكرانيا. هذا هو الدرس الذي تعلمته أميركا وروسيا بطريقة قاسية؛ أن الانتصار في المعركة والسيطرة على شعب آخر هي أمور مختلفة.

نسي جورج بوش الابن هذا الدرس قبل 19 سنة عندما قام بإلقاء خطاب الانتصار بعد احتلال العراق وكانت وراءه لافتة معلقة مكتوبا عليها "تم إكمال المهمة".

قبل 12 سنة من ذلك اختار والده التنازل عن احتلال العراق عندما سأل مستشاريه "ما هي خطة الخروج" ولم يحصل على أي إجابة جيدة. بايدن يحاول التعلم من بوش الأب وليس من بوش الابن.
الأدميرال جيمس سفاريدس، قائد "الناتو" قبل عشر سنوات، قال في هذا الشهر لوكالة "بلونبرغ" إنه "إذا قام بوتين بغزو أوكرانيا فإن المقاومة المسلحة يمكن أن تكون الكابوس الأكبر بالنسبة له".
قال سفاريدس أيضا قبل الغزو ما ثبت أنه صحيح، وهو أن الأوكرانيين لا يتوقع أن يسلموا بالخضوع للاحتلال الروسي. وهو فقط أراد أن يذكر بأن الكرملن ليس الوحيد الذي يعرف كيف يسلح وينظم ويقوي منظمات في أرجاء العالم.

غداً سيلقي بايدن للمرة الأولى الخطاب السنوي عن وضع الأمة أمام مجلس والشيوخ ومجلس النواب. وسيأتي إلى هذه الجلسة في ذروة لحظة مؤسسة في رئاسته. ويصعب التصديق بأنه سيذكر عمليات سرية وعسكرية ودبلوماسية في أراضي أوكرانيا وخارجها. ولكن يمكن توقع خطاب يغدق التمجيد على "الناتو". بفضل بوتين فإن الحلف العسكري تحول إلى قاعدة وإلى نقطة انطلاق لتحالف الدول الديمقراطية (في معظمها)، الذي يتوقع فقط أن يتوسع طالما أن الأمر يتعلق ببايدن.

هآرتس