الاعتقال الإداري: "الباب الدوار" المُر
رام الله- يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 700 معتقل إداري، وهو قريب من ذات الرقم بين عامي 2016 و2017. ومنذ عام 2015 أصدر الاحتلال نحو 9000 آلاف أمر اعتقال إداري.
أغلب المعتقلين الإداريين يقبعون في سجون "النقب"، "عوفر"، و"مجدو"، ومعظمهم معتقلون سابقون تعرضوا للاعتقال الإداريّ مرات عديدة، من بينهم كبار في السن، ومرضى، وأطفال، إضافة إلى معتقلتين هنّ: بشرى الطويل وشروق البدن، عدا عن ثلاثة أطفال.
ومنذ أواخر عام 2011 خاض الأسرى الإداريون، وحتى نهاية العام الماضي أكثر من 400 إضراب فرديّ، كان جلّها ضد الاعتقال الإداريّ، ومن بينهم نحو (60) العام الماضي 2021.
وتجدد سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاعتقال الإداري في أغلب الحالات عند الساعات الأخيرة من موعد الافراج المفترض، في إجراء متعمد كتعذيب نفسي للأسير وعائلته.
يقتنع الأسير الذي يقضي حكماً بالسجن الإداري بأنه أفرج عنه في اللحظة التي يصل فيها باب منزله، وفي الوقت نفسه هناك أسرى يعيشون أجواء الإفراج قبل خروجهم من الأقسام، وفي لحظة تنقلب فرحتهم إلى غصة، كما حصل مع الأسير السابق سالم بادي (50 عاماً) من مدينة البيرة، فإنه لم يعش قط تجربة فرحة قرب الإفراج عنه، فهو الذي أمضى أكثر من 10 سنوات متقطعة بالاعتقال الإداري.
وفي كثير من الأحيان، أعادت قوات الاحتلال اعتقال أسرى إداريا رغم أنهم تحرروا من الأسر بعد اتفاق مع سلطات الاحتلال بإلغاء اعتقالهم الإداري.
يقول بادي: "في إحدى مرات الاعتقال عام 2006 كان من المفترض أن يتم الإفراج عني في اليوم التالي، ويومها كان موعد للزيارة، لم أطلب من أمي أن تلغي الزيارة كوني سأخرج غداً، وخلال الزيارة جاءني ضابط إسرائيلي يسلمني ورقة تجديد الاعتقال، صرخت في وجهه وقلت له إني أعلم فاشيتكم، وأنا على علم بأنكم ستجددون اعتقالي، لذلك لم ألغ زيارة والدتي".
اعتقل بادي إحدى عشرة مرة في سجون الاحتلال، منها ثمانية بالاعتقال الإداري، وكان أول اعتقال إداري له عام 1990 عندما كان يبلغ ثمانية عشرة عاماً، وأمضى حينها في الاعتقال ستة أشهر، فيما كان أطول اعتقال تعرض له عام 2002 وأفرج عنه بعد عامين ونصف العام، كما أفرج عنه من آخر اعتقال نهاية شهر حزيران/ يونيو الماضي الذي استمر لمدة عامٍ ونصف.
يروي الكاتب عبد الرازق فراج في كتابه "الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية"، فيقول: "كان معتقلون آخرون يعادون إلى السجن بعد أن تنطلق بهم الحافلة إلى الحرية النسبية، أو يعادون بعد أيام معدودة يضمونها في حيز هذه الحرية النسبية، كما هي حال المعتقل الإداري رائد حنني من بيت فوريك، الذي أفرج عنه عام 2002، وأمضى حينها يومين في مدينة الخليل بسبب الحصار ومنع التجوال، ليحتجز بعد ذلك على أحد الحواجز العسكرية غير البعيدة عن قريته، ويعاد مباشرة إلى الاعتقال الإداري".
تعرض سالم بادي للاعتقال المتكرر حرمه من التقدم للزواج، فمنذ 10 سنوات لم يعد يفكر بمشروع الزواج، كون حياته داخل السجن أصبحت أكثر من خارجها، إضافة إلى أنه يرفض فكرة أن يقال له بأن اعتاد على الاعتقال، فهو يرى بأن الاعتقال ممر إجباري للمناضلين.
ويضيف: "يصعب على الأسرى الذي أمضوا في الاعتقال الإداري عدة مرات أن يتقدموا للزواج، أو إلى مشاريع اقتصادية، فالتفكير بالاعتقال التالي يقلب كل موازين الحياة، ورغم كل ذلك فإن المعنويات لدينا عالية دائماً، ولم تصل يوماً حد الانهيار".
ومما يذكره فراج في كتابه عن هذه الناحية أن "المعتقل الإداري (المحرر) كما أسرته يعيشون باستمرار هاجس المرة التالية، ويطارده هذا النوع من الاعتقال كظله، لأنه يستذكر باستمرار التهديدات المتكررة بإبقاء سيف الاعتقال مسلطا على رقبته كنوع من العقاب أو الانتقام".
يصف بادي ورفاقه الاعتقال الإداري بـ"الباب الدوار" لكثرة تعرضهم له، ويقول: "في السابق كنا نلتمس الحرية ستة أشهر وحتى السنة، لكن هذه الفترة يعاد اعتقالنا بعد شهرين من الإفراج عنا، ويبدو أن الاحتلال قلص مدة حريتنا إلى النصف أو أقل"، ونتيجة لذلك خاضوا أول إضراب جماعي عن الطعام عام 2014 الذي استمر 63 يوماً احتجاجاً على سياسة الاعتقال الإداري، وكان يقدر عددهم حينها نحو 110 معتقلين موزعين على مختلف سجون الاحتلال.
كانت بداية مواجهة سياسة الاعتقال الإداري مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، إلا أن المواجهة لم تكن شاملة أو ممنهجة، وإنما أقرب إلى احتجاجات متقطعة، غير أنه في شهر آب/ أغسطس عام 1996 حدث تغير نوعي في مواجهة الاعتقال الإداري لسياسة اعتقاله، إذ اقدموا لأول مرة على مقاطعة محاكم الاستئناف العسكرية، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى مطلع الألفية الثالثة صعدت سلطات الاحتلال من سياسة الاعتقال الإداري، وكان كل معتقل إداري يتم تجديد اعتقاله يحرق سريره الخشبي، وأحياناً تُحرق الخيام، الأمر الذي كان يؤدي إلى مواجهات عنيفة بين الأسرى والسجانين، وفي عام 2011 انطلقت مرحلة جديدة من نضال الأسرى الإداريين ضد هذه السياسة، حيث شرع خضر عدنان في الاضراب المفتوح عن الطعام والذي استمر لمدة 65 يوماً في أول مرة بتاريخ الحركة الأسيرة.
يعتبر بادي من أشد المؤيدين لمقاطعة الأسرى الإداريين لمحاكم الاحتلال، ويقول في هذا الصدد: "لم أستفد يوماً من أي محكمة عقدت من أجلي، فالقاضي الإسرائيلي يعتبر وجوده شكلياً، والذهاب إلى هذه المحاكم هو مشاركة في جريمة الاعتقال الإداري".
يشبه المعتقلون الإداريون حسب كتاب فراج، جلسات المحاكم بالدراما المأسوية التي يقوم بالدور الرئيسي والمقرر فيها ممثل النيابة العسكرية باعتباره ممثلاً في الواقع لجهاز المخابرات "الشاباك"، وتقتصر مهمة القاضي العسكري على محاولة تجميل سياسة الاعتقال الإداري من خلال الادعاء في معظم قراراته أنه يفحص الملف السري بجدية ومسؤولية ونزاهة.
ويشدد فراج على أن المواجهة الجماعية المنظمة التي تستند إلى خطة واضحة، ورؤية استراتيجية ترى في هذا النوع من الاعتقال التعسفي جزءاً أساسياً من المنظومة الاستعمارية يمكن أن تحقق نتائج إيجابية، إضافة إلى أهمية المقاطعة الشاملة والنهائية للمحاكم التي تنظر للاعتقال الإداري وتسوغه عبر أوامر عسكرية طارئة لحكم عسكري متواصل منذ 54 عاماً.
وفي مواجهة مستمرة لسياسة الاعتقال الإداري، يواصل ثلاثة أسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام، أقدمهم الأسير خليل العواودة من بلدة إذنا في الخليل والمضرب منذ أكثر من ستة أشهر، والشقيقين أحمد وعدال موسى من بيت لحم المضربان منذ 17 يوماً.
ومع بداية العام الجاري أعلن الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال مقاطعتهم محاكم الاحتلال في خطوة لمواجهة هذه السياسة، وخلال شهر أيار/مايو الماضي اتخذ الأسرى الإداريون موقفا جماعيا يتمثل بإعلان المقاطعة الشاملة والنهائية لكل إجراءات القضاء المتعلقة بالاعتقال الإداري (مراجعة قضائية، استئناف، عليا).
ويعتبر الاعتقال الإداري حسب نادي الأسير، جزءا من سلسلة من القوانين الإداريّة التي ورثها الاحتلال الاسرائيلي عن نظام الانتداب البريطاني، ومنذ عام 1967، استخدمت بحقّ الآلاف. ويهدف الاحتلال من خلالها تقويض أي حالة يمكن أن تصب في خلق وعيّ وطنيّ نحو مواجهة ضده.
عن (وفا)