الهروب الكبير وإسناد هبة الأسرى

الهروب الكبير وإسناد هبة الأسرى

الهروب الكبير وإسناد هبّة الأسرى

 

ريما كتانة نزال

 

بعد أربعة أيام من انتزاع الأسرى الستة حريتهم من أحد أعتى السجون التي عرفها التاريخ، أعادت قوات الاحتلال اعتقال أربعة منهم. وعلى إثر هروب استثنائي مدهش، استنفرت دولة الاحتلال بقضّها وقضيضها للبحث عن المحررين موظفة إمكانياتها الهائلة للقبض على حريتهم من جديد.
نعم، اعتقلتهم بعد أن هزَّ نصف دزينة من الأسرى هيبة الاحتلال ومرمغوا بالطمي استعلاءها. وأن يُعاد الهاربون إلى باستيلات الاحتلال لا يمكن أن يقلل من أهمية ما قاموا به، حيث حطمت جسارتهم أسطورة سجون الاحتلال المدجج بإحاطة فولاذية تصل سابع طبقات الأرض، قلاع منيعة مُدعَّمة بلوجستيات تقنية يستحيل معها الهرب.. إلا أنه مع إرادة الأسرى الحرة تم اختراقه وتليين حديده وتذليل طبقاته.
أُعيد أربعة أسرى إلى السجن وربما سيتم اعتقال الاثنين المتبقيين إن لم يحالفهما الحظ بشكل ما، فالتوقعات والاحتمالات بين ثلاثة لا أكثر، إما النار والحديد، أو السلاسل والقضبان، أو الهروب خارج السيطرة. المسألة برأيي مسألة وقت بناء على التجارب السابقة في مطاردة المقاومين والمناضلين، وهو ما لا يمكن تجاهله من قبل الأسرى، ولا بد أن الاحتمالات كافة والأخص الأكثر سواداً، قد وُضعت في صدارة اعتباراتهم. فالاختباء طويلاً صعب ضمن خصوصية جغرافية خاضعة لسيطرة أمنية مُحْكمة وشاملة من قبل الاحتلال.

إعادة الاعتقال، لا تلغي أن الأسرى الستة قدموا أفضل ما لديهم لحريتهم ولتاريخ شعبهم النضالي، ومنحوهما أجمل قصيدة يمكن أن تنظم مفرداتها، أعطونا حلماً بتفاصيل مستحيلة، أهدونا مخيلة ومشهداً جميلاً نتفاخر ونعتز به، منحونا ملحمة تغني وترقص. والأهم أنهم بعثوا الروح ومهدوا لهبّة جديدة للأسرى، تأتي على خلفية تصعيد إدارة مصلحة السجون سياساتها القمعية انتقاماً من عملية الهروب الكبير.
طلائع قائمة القمع الأولى بدأت تباعاً، منع الصليب الأحمر من زياراتهم للمعتقلات، منع زيارات المحامين للسجون، وقف الزيارات العائلية. حزمة من الممنوعات من أجل إطباق الحصار على المعتقلات والاستفراد بالأسرى، لإشفاء غليلهم وحقدهم.

إحراق الأسرى الزنازين في سجون النقب والدامون جاء رد فعل على إجراءات الاحتلال الانتقامية، بمعنى أن الحالة قد وصلت مداها الأعظم من إسراف السجان في استخدام القمع ضد ضحاياه، وأن الأسرى بعد الهروب الناجح قد استعدوا لمزيد من التضحيات للدفاع عن كرامتهم مهما ارتفع ثمن البطش والانتقام.
الأسرى يقودون معاركهم ليأتي صدى نضالهم من الخارج، ويرى العالم المشهد الذي فرض نفسه بوضوح. قضية خمسة آلاف مواطن فلسطيني خلف القضبان تضع أجندتها على الطاولة، بديلاً للقضايا الوهمية والمفاوضات العبثية المحمولة في الحقائب الدبلوماسية التي لا يوجد توحد وطني عليها، بل تسهم في تعميق الشروخ البينية بين البنى الرسمية والشعبية.

بعد إعادة الاعتقال لا بد من الاستنفار لفتح صفحة المعتقلات وتجديد خطابها بأسلوب جديد، والانتشار العالمي لقصة الهروب الكبير يُساعد في استنهاض أحرار العالم والتضامن الدولي في فتح صفحة السجون الإسرائيلية وقوانينها العنصرية، من خلال حملة لتدويل قضية الأسرى لجعلها قضية رأي عالمي، وتنظيم محاكم دولية للدفاع عنهم على أرضية القانون الدولي واتفاقية جنيف بخصوص الأسرى.
فتح ملف التعذيب على مصراعيه والإفراط في ممارسته، صفحة الإهمال الطبي لصحة الأسرى بتنظيم وتركيز أكبر خدمة لحملة الدفاع القانوني عن المعتقلين. فمصلحة السجون الإسرائيلية قبل عملية الهروب الكبير.. غيرها بعدها. لقد اختبرت مصلحة السجون التخبُّط ومرارة الفشل الذي سيجعلهم ينفثون حقدهم العنصري الأسود على أجساد الأسرى، وإعادتهم إلى عهد الظلام الذي استطاع الأسرى بنضالهم تحقيق بعض مطالبهم الحقوقية.

أعادت عملية الأسرى الستة طرح قضية الأسرى بكل أبعادها على جدول الأعمال. ما حدث يشكل حدثاً مفصلياً من أجل إعادة الاعتبار للحركة الوطنية الأسيرة ولملمة الجهد الوطني وتسخيره لأولويات، فمن العار الصمت على ما يحدث في السجون، والمسؤولية تقع على الجميع وفي المقدمة على كوادر القوى السياسية والوطنية.