المقاومة الشعبية والشمولية

المقاومة الشعبية والشمولية

المقاومة الشعبية والشمولية

صلاح هنية

الطموح أن تكتسح المقاومة الشعبية كماً ونوعاً وتصبح تقليداً شعبياً لتكون مكوناً أساسياً من مكونات الحرية والاستقلال. واقعياً مازلنا نفاخر بنموذج بيتا، كفر قدوم، بلعين، سلفيت، ونتمنى لها الثبات والاستمرارية دون أي مساهمة واقعية، وكأنهم موجودون في قارة أخرى، وعند استشهاد شهيد في المقاومة الشعبية نذهب زرافات لنؤبن ونؤكد باسم هذا التشكيل وذاك المكون ونعود الى واقع الأمنيات والتمني.

تكون الكلمات مؤلمة غالباً من أهل الميدان وهم يشرحون حالهم وأمنياتهم أن يكون حولهم عشرة آلاف، والسؤال المر أين أين أين؟، ولكن الصرخة غالباً ما تكون في واد سحيق لأنها لا تجد آذاناً صاغية، لأن المشهد يبدو مكرراً بذات الأشخاص مع إضافات هنا وهناك، ولكن المواساة أننا هنا الآن برغم الشعور المر، هناك في مخيم الأمم في سلفيت، وهناك حيث نموذج بيتا الحاضر بقوة، وبيت دجن، وحديث أهالي كفر قدوم منذ عشرة أعوام ونحن نتمنى أن نتناول فطور يوم الجمعة في بيوتنا.

وحتى لا نمعن في تجزئة المقاومة الشعبية، يجب ان نجسد الترابط بين كافة مكوناتها وأعلى درجاتها، وأهمها التواجد في الميدان والانخراط فيها وهذا لا يعلو عليه شيء، ولكن عندما تشكل قرية أو متجر أو طلبة مدرسة أو طلبة جامعة أو أسرة نموذجاً في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتجات الفلسطينية نكون مكوناً من مكونات المقاومة الشعبية وننتصر لها ونؤازرها بقوة، وعندما يقاطع عمال ومقاولون العمل في المستوطنات التي تغتصب أرضنا وتحجب إمكانيات التنمية عن شعبنا نكون في ذات المكون، ويكون في ذات المكان أي صناعي وتاجر ورجل أعمال عندما يدقق في منشأ مكونات عمله وإنتاجه أن لا يكون فيها أي من المنتجات الاستيطانية أو مكملات الإنتاج أو الخدمات.

ويلح السؤال: أين قطاعات الشعب الفلسطيني من المقاومة الشعبية؟ تُرى لماذا لم يظهر حضور واضح وجلي لمؤسسات ومجالس القطاع الخاص في مفاصل المقاومة الشعبية (مخيم الأمم المتحدة في سلفيت)، حضور ولو شكلي على مستوى حد أدنى في بيتا وبيت دجن وكفر قدوم، وهذا الحديث ليس بهدف تسجيل النقاط في مرمى أحد، ولكنه سؤال مشروع وكان يصدر بألم من الميدانين. والسؤال ينسحب على النقابات العمالية والجمعيات والأندية التي تفاوت حضورها، ولماذا تتعفف مؤسسات العمل الأهلي صاحبة المشاريع والقدرة على صياغة رسائل قصيرة أممية وغيرها عن الحضور، أم أن سقفهم أعلى من هذا النموذج مثلا؟!!!

تُرى هل ندعم هذا الجهد الشعبي عندما نوارب في الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتقليل من أهميتها واعتبارها علامة فارقة لطرف؟، وفي لحظة نجد أن مكونات الريف الفلسطيني كافة شريك ومكون أساسي رغم أنها ليست تقليد حياة، بالتالي التقليل من الحديث المنمق عن هذا الفعل على الأرض لنكف عنها حالنا وواقعنا الذي يؤثر عليها سلبياً.
ويستمر النقاش في موقع آخر باتجاه تعزيز وتوسيع قاعدة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وجعلها سلوك حياة ونمطاً استهلاكياً، بحيث لا تكون محصورة في السلع الاستهلاكية فقط، بل تشمل مدخلات الإنتاج ومكملات الإنتاج والتوريد، ولا يعقل أن نجد مبرراً لسوء سلوكنا لنقنع المستهلك بأننا لم نكن نقصد كسر المقاطعة ولكن الأمور هكذا تسير، جوابنا الحاسم: إن المستهلك سيضعكم على قائمة المقاطعة مثل المنتجات الإسرائيلية، لأنه لا فرق واضحاً بينكما إلا الغلاف.

ويتطور النقاش ليصل الى مفاصل إستراتيجية عن حال تلك الطبيعة الفلسطينية والجبال والأودية والتنوع، ولا نبادر لنضع شيئاً عليها يعزز صمودنا وثباتنا، زراعة، إسكان، جامعات، ضواح، ابحثوا عبر مواقع البحث الإلكتروني عن رؤية وإستراتيجية قطاع الإسكان الفلسطيني منذ ما قبل السلطة الوطنية الفلسطينية وخلالها الى اليوم، وعن كافة القطاعات، واليوم نصطدم أن هذه الجبال والسهول خالية خاوية، بينما نبدع في اختراع المبررات للهجوم إذا بادر أي شخص للاستثمار.

مؤسف عندما أكون خالي المسؤولية أحمل القلم الأحمر وأصوّب للناس أنه لا وجود لمثل هذا المشروع، المؤتمرات واللقاءات (أنت غلطان "الحديث موجّه لوزيرين" المنطقة المصنفة (ج) متاح فيها كل شيء على الإطلاق، فيبلع الوزيران ريقهما ويصمتان لأنه قال هذا الكلام)، اليوم هو ذاته صديقنا على رأس مسؤولياته ولم نشهد تغيراً على واقع الإسكان والزراعة والتعاونيات في المناطق المصنفة (ج) وكأنها لم تعد متاحة بالمطلق، في حين كان يعتبرها متاحة سابقاً لمسؤولياته اليوم.

كثيرة هي الفرص التي أضعناها والتي قادت الى واقع اليوم، مرة اقترح مشروع إسكان في مناطق الأغوار خاص بالمهندسين الزراعيين من أجل وضعهم في مكانهم الطبيعي، حيث الأرض والإنتاج، وكانت الأرض المقصودة وقفية، وذهب المختصون لمعاينة الأرض وعمل الرفع المساحي والتخصيص، والمصيبة أنك تصبح سبب الكارثة عندما تذكر بمثل هذه القضايا، على اعتبار أنك سلبي تنظر للخلف ولا تتقدم للأمام!!!!
ويبقى الأمل معقوداً أن الآتي أفضل وأجمل، وأن المستحيل ممكن.