إسرائيل: كان علينا أن نأخذ “صلح الحديبية” على محمل الجد -بقلم: بن درور يميني
إسرائيل: كان علينا أن نأخذ “صلح الحديبية” على محمل الجد
بقلم: بن درور يميني/يديعوت احرنوت
ألقى خامنئي، الزعيم الأعلى لإيران، خطاباً أمس بمناسبة 35 سنة على وفاة الخميني. عرض الخطوط الهيكلية للمعركة السياسية الكبرى ضد إسرائيل، ابتداء من “طوفان الأقصى” وكل ما حصل ويحصل. نسمع، لكننا لا ننصت. فهذا بات من التقاليد، هذا هو المفهوم الذي يعلو كل المفاهيم. قد يكون استخفافاً، قد يكون تعالياً. رغم أنه يبين أن أعداء إسرائيل يقولون ما يقصدون. ورغم أنهم لا يتكلمون فقط، نصر على التمسك بالمفهوم إياه.
على مدى التسعينيات، سنوات أوسلو، أوضح قادة فلسطينيون ما يقصدون بالضبط. تجاهلنا خطاب عرفات بيوهانسبورغ (اتفاق أوسلو هو مثل اتفاق الحديبية، أي اتفاق هدنة). وتجاهلنا عدداً لا يحصى من التصريحات المشابهة. وتجاهلنا أقوالاً صريحة ليحيى السنوار، الذي قال منذ 2018 إن مخربي حماس سيجتازون الحدود “كي يقلعوا قلوب الإسرائيليين من أجسادهم”. لجنة مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قضت بأن السنوار لم يقصد. “لم يرد سوى زرع الخوف”. مجرد متبجح. ليست الأمم المتحدة وحدها، فعندنا أيضاً، القيادة الاستخبارية والسياسية، كانت مقتنعة بأنه لم يقصد.
طوال سنين وأنا في جدال ثاقب مع بعض اليساريين، بمن فيهم الصهاينة ومحبو إسرائيل. لو نبدي بعض المرونة، كما يدعون، سيتحقق السلام. يا ليت. تخلوا عن حق العودة، يجيبني أحدهم، الذي يعتبر مرجعية. أين التنازل؟ سألته، يسرني أن أعرب. ولا أزال أنتظر الجواب، وهو عالق مع إيمانه إياه.
إذن، حان الوقت للإنصات، لا الاستماع فقط. أوضح خامنئي أمس: “جاء طوفان الأقصى في اللحظة الصحيحة كي يوقف تغيير ميزان القوى في المنطقة”. لقد كان الهدف ولا يزال إحباط التطبيع مع إسرائيل، وتخريب العلاقات مع دول المنطقة، من المغرب والإمارات، وتحفيز “محور المقاومة” من اليمن حتى سوريا، من العراق حتى لبنان. تحققت الأهداف الآن. التطبيع يبتعد، وميناء إيلات في حصار الصواريخ القادمة من اليمن والعراق. وفي اللحظات التي تحدث فيها، أطلقت صافرة أخرى في إيلات عقب صواريخ قادمة من العراق.
إن تسبب حماس بدمار وخراب قطاع غزة أمر يشجع خامنئي؛ لأنه خراب يصبح إنجازاً. هذا بالضبط ما يضيف الزيت إلى شعلة الكراهية ضد إسرائيل. مبان مدمرة، ومعطيات (مزورة) عن مزيد من القتلى لا تخدم إلا هدف “محور المقاومة” الاستراتيجي الذي يقوده خامنئي. إسرائيل معزولة، والصفقة الكبرى بين الولايات المتحدة والسعودية لا تتحقق، ولا تطبيع بين إسرائيل والسعودية. وبعامة، إسرائيل اليوم في الدرك السياسي الأسفل في تاريخها. والقضية الفلسطينية عادت إلى مركز الخطاب العالمي. ليس لأننا عدنا إلى مبادرة سلام ما؛ ففي كل الأحوال، حماس وخامنئي ضد. عاد الخطاب بالطبع ليكون خطاب رفض حق إسرائيل في الوجود. وعاد ليصبح العلم الفلسطيني والكوفية رموزاً تتصدر العالم. هذا هو الهدف، وقد تحقق.
لم تكن حماس إلا نقطة انطلاق، ليس أكثر. فلول حماس ستواصل إقلاق إسرائيل، حتى لو استمرت الحرب سبعة أشهر أخرى أو سبع سنوات. هذا ما يريده خامنئي. لأنه طريق تدهور إسرائيل من الدرك الحالي إلى الهوة. نعم، سبعة أشهر، سبع سنوات. والزعامة الأكثر سخافة التي كانت لإسرائيل، توفر لخامنئي ما يريده. أي غرق آخر في الوحل يؤدي إلى مقاطعات أخرى. لخامنئي صفقة كبرى، في تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة، في مواجهة الصفقة الأمريكية الكبرى، التي تعزز إسرائيل. وفي هذه الأثناء، ينتصر خامنئي. والآن هذه فرنسا، تمنع عن إسرائيل المشاركة في أحد معارض السلاح الأهم في العالم. هذا انتصار لحماس ولخامنئي ولـ “بي.دي.اس”. الأضرار تتراكم. فهل غشت عينا نتنياهو عن الرؤية؟
هناك طريق واحد فقط لهزيمة محور الشر، وهو تعزيز التطبيع، وتوسيعه. فخمسة مخربين قتلى من حماس، و500 آخرون غيرهم، لن يغيروا شيئاً، خصوصاً عندما يمنعون إنجازاً استراتيجياً مثل حلف إقليمي ضد إيران، من خلال اتفاق دفاع بين الولايات المتحدة والسعودية وتطبيع بين إسرائيل والسعودية. وعندما قال خامنئي أمس إن الهدف كان إفشال هذا الحلف، وعزل إسرائيل، وتعزيز فرع محور الشر الذي يحيط بإسرائيل ويطلق الصواريخ إلى إسرائيل – فإنه قصد كل كلمة. وأضاف خامنئي: “بالنسبة لما حصل في الأشهر الثمانية الأخيرة، لا احتمال لإحياء الخطة الأمريكية – الإسرائيلية”. أما نحن، فماذا نفعل؟ حماس أعدت لنا مستنقعاً مغرقاً. خامنئي يتحدث عنه بفخار، ونتنياهو مُصر على الغرق فيه. ثمة طريق واحدة للخروج من هذا المستنقع، أن نقول نعم لمنحى بايدن، المشكوك أنه منحى نتنياهو، الذي سيؤدي إلى تحرير المخطوفين وتغيير إقليمي أيضاً. وهذا لن يؤدي إلى “النصر المطلق”، لكنه الطريق الوحيد لإنقاذ إسرائيل من “هزيمة مطلقة”.