حملات المقاطعة الرقمية بين الوعي الجماهيري والضغط الاقتصادي بقلم: مريم شومان

حملات المقاطعة الرقمية بين الوعي الجماهيري والضغط الاقتصادي بقلم: مريم شومان

في عصر الرقمنة؛ أصبحت منصات التواصل الاجتماعي أداة رئيسية للتأثير الجماهيري وصناعة القرارات الاقتصادية، فمع انتشار استخدام الإنترنت وسهولة الوصول إلى المنصات الرقمية باتت حملات المقاطعة وسيلة فعالة للتعبير عن الرفض الجماهيري وتحقيق أهداف اقتصادية أو اجتماعية، وتطمح لتحقيق أهداف سياسية.

حملات المقاطعة التي بدأت  كدعوات فردية على هذه مواقع التواصل الاجتماعي سرعان ما تحولت إلى موجات واسعة تتجاوز الحدود الجغرافية، ما يجعلها عامل قوة لا يُستهان بها.

 

تعتمد هذه الحملات بشكل أساسي على الوعي الجماهيري الذي يتنامى نتيجة تدفق المعلومات بسرعة وسهولة سواء كانت الدعوة للمقاطعة مرتبطة بمواقف سياسية، انتهاكات حقوقية، أو قضايا بيئية، فإن الجمهور يتفاعل بشكل كبير مع القضايا التي تمس قيمه أو مبادئه، وهنا، تلعب الوسوم (الهاشتاغات) دورًا محوريًا في توحيد الجهود، حيث تخلق مساحات للنقاش والتعبير عن الرأي، ما يزيد من انتشار الحملة وفعاليتها.

مع استمرار ارتكاب سلطات الاحتلال جرائمها وانتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني؛ برزت حملات المقاطعة الرقمية كأحد أبرز أدوات المقاومة السلمية، حيث أظهرت منصات التواصل الاجتماعي قدرة هائلة على حشد الجماهير، وإيصال رسائل مؤثرة في القضايا الإنسانية والسياسية، وباتت هذه الحملات وسيلة فعالة للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الضغط على الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.

 

وفي تقرير لموقع "المونيتور" الأمريكي، أشار إلى أن أرباح شركة "أمريكانا للمطاعم"، على سبيل المثال، والتي تمتلك حقوق الامتياز في الشرق الأوسط لسلاسل الوجبات السريعة مثل "كنتاكي" و"بيتزا هت"، انخفضت بمقدار النصف تقريباً في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في حين انخفضت القيمة السوقية لسلسلة المقاهي الأمريكية "ستاربكس"  بنحو 11 مليار دولار بعد شهر ونصف فقط من اندلاع الحرب عام 2023.

 

إلى جانب الوعي، تبرز حملات المقاطعة الرقمية كأداة ضغط اقتصادي فعّالة، فعلى سبيل المثال، أدى الضغط الناتج عن هذه الحملات إلى انسحاب بعض الشركات العالمية من الأسواق الإسرائيلية أو إنهاء عقودها مع جهات تدعم الاحتلال، خوفًا من تأثير المقاطعة على سمعتها وأرباحها، فعلى سبيل المثال؛ أوقفت الشركة الأمريكية  إنتل Intel) ) استثماراتها الاستراتيجية في دولة الاحتلال استجابةً لحملات المقاطعة، كما قررت شركة نيلسن (Nielsen) الأمريكية المتخصصة في المعلومات والبيانات وقياس السوق إغلاق فرعها في تل أبيب، وأيضا أعلنت سلسلة متاجر "كارفور" عن إغلاق جميع فروعها في الأردن مطلع الشهر الماضي بعد حملات مقاطعة شعبية واسعة لسلسلة متاجر "كارفور" شهدتها الأردن احتجاجا على دعم الشركة لجيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على غزة منذ أكثر من عام.

 

وتعكس حملات المقاطعة الرقمية انتقال المستهلك من مجرد متلقٍ إلى مشارك فاعل في صنع القرار، وتعمل على تحويل الغضب الشعبي إلى تأثير اقتصادي ملموس، ما يدفع الشركات إلى إعادة النظر في سياساتها وسلوكياتها.

 

وتؤكد هذه الحملات أن الشعب الفلسطيني ومناصريه حول العالم يمتلكون أدوات جديدة للتأثير على الرأي العام العالمي، ما يجعلها جزءًا من استراتيجية أوسع للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في مسيرة نضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي في ظل الصمت والتواطؤ العالمي المستمر.

 

في ظل هذا الواقع، تؤكد حملات المقاطعة الرقمية أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد منصات للتعبير؛ بل أصبحت أدوات للتغيير وإحداث فرق ملموس في دعم الحقوق المشروعة للشعوب المظلومة، كما تُظهر أنه يمكن للجمهور العادي استخدام أدوات التكنولوجيا لتغيير الواقع، مؤكدة أن الضغط الجماهيري يمكن أن يكون سلاحًا قويًا لإحداث التغيير.

 

ورغم النجاحات العديدة التي حققتها هذه الحملات خلال الأشهر الماضية؛ إلا أنها تواجه تحديات عديدة، مثل انتشار الأخبار المضللة، ومحاولات التضييق من قبل بعض المنصات التي تحذف المحتوى أو تقلل من وصوله، بالإضافة إلى تشويه الرسائل أو اتهامها بمعاداة السامية. 

 

وفي ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، تبرز الحاجة إلى أدوات نضالية مبتكرة تعزز صمود الشعب الفلسطيني وتحمي هويته، وبالتالي فقد بات ضروريا العمل على خلق فريق وطني فلسطيني لحملات المقاطعة ما يعزز المقاومة الشعبية بأسلوب حضاري ومؤثر، مستفيدًا من الحراك العالمي والتقنيات الرقمية ليكون منصة موحدة تجمع الجهود الشعبية والمؤسساتية، وتعمل على تنظيم حملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والداعمة لها، بالتعاون مع الحركات الدولية، لتعزيز التأثير الاقتصادي والسياسي والارتقاء بالمقاومة الشعبية إلى مستوى عالمي، إضافة إلى أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في ترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الهوية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.