ميليشيا الفانو: هل باتت إثيوبيا على أعتاب حرب أهلية جديدة؟

ميليشيا الفانو: هل باتت إثيوبيا على أعتاب حرب أهلية جديدة؟

أطلق الجيش الإثيوبي عملية عسكرية تستهدف ميلشيات الفانو المتمرّدة في منطقة أمهرة، وذلك بالتنسيق مع قوات الأمن في المنطقة؛ بحسب ما أوضح المتحدث باسم الجيش الإثيوبي العقيد “جيتنت أدان”، الذي أفاد بأن العملية بدأت نهاية شهر سبتمبر 2024م؛ مما يُفسِّر سبب نشر أديس أبابا قوات اتحادية إثيوبية خلال الأسبوعين الماضيين في منطقة أمهرة، بالتوازي مع شنّ القوات الفيدرالية الإثيوبية حملة اعتقالات جماعية تعسفية شملت أكاديميين في المدن الكبرى في جميع أنحاء منطقة أمهرة منذ 28 سبتمبر الماضي؛ وفق المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في شرق وجنوب إفريقيا “تيغيري تشاجوتا”، بالإضافة إلى العديد من الموظفين الحكوميين المشتبه في تواطئهم مع ميلشيات الفانو.

خريطة (1): إثيوبيا وفق التقسيم العرقي

يأتي هذا التطور في خِضَمّ حالةٍ من التصعيد بين ميلشيات الفانو والحكومة الفيدرالية الإثيوبية المندلعة منذ أكثر من عام، والتي وصلت إلى حدّ سيطرة ميلشيات الفانو المتمركزة في إقليم أمهرة في 3 سبتمبر 2024م، على منطقة “المتمة يوهانس” الإثيوبية، المحاذية لمدينة القلابات السودانية التابعة لمحلية باسندة بولاية القضارف السودانية، وكذلك على الجانب الإثيوبي للمعبر الرابط بينهما (القلابات)، مما دفع الخرطوم لإغلاق الجانب السوداني من المعبر، وبالتالي توقّف الأنشطة التجارية الحدودية بين إثيوبيا والسودان، إلى جانب توقُّف إجراءات السفر والجوازات، في خطوةٍ هدفت ميلشيات الفانو من خلالها نحو فرض سيطرتها الكاملة على إقليم الأمهرة؛ عبر قطع إمدادات السلع الغذائية والوقود القادمة من السودان لإقليم الأمهرة في تحدٍّ واضح ومباشر للحكومة الفيدرالية، وذلك قبل أن يستعيد الجيش الإثيوبي سيطرته على المدينة والمعبر الحدودي مع السودان، وهو ما يَفْرض حتمية طرح التساؤل التالي: هل الحكومة الفيدرالية الإثيوبية على أعتاب حرب أهلية جديدة مع إقليم الأمهرة؟

انطلاقًا مما سبق؛ تهدف الدراسة إلى مناقشة الأسباب المتعددة التي تقف وراء التصعيد بين القوات الفيدرالية الإثيوبية وميلشيات الفانو، عقب ما سجَّلته العلاقة بين الطرفين -قبل أكثر من عام- من تعاون وشراكة خلال الحرب على إقليم تيجراي، إلى جانب مناقشة التحديات التي تواجهها ميلشيات الفانو وكذلك القوات الإثيوبية، وقد تعيق أيًّا منهما عن تحقيق أهدافه؛ سواء المتعلقة بصدّ الهجوم الإثيوبي على الأمهرة بالنسبة للطرف الأول، أو إتمام السيطرة الكاملة على المنطقة بالنسبة للطرف الإثيوبي، والتي من خلالها (التحديات) يُمكن تقديم رؤية استشرافية للمعارك الدائرة وفق ثلاثة سيناريوهات محتملة.

أولًا: أسباب التصعيد بين ميلشيا الفانو والجيش الإثيوبي

على الرغم من أن عِرْقية الأمهرة بقواتها الإقليمية الخاصة وميلشياتها كانت بمثابة الداعم الرئيسي لحكومة “آبي أحمد” في حربه على قوات تحرير شعب تيجراي؛ إلا أنه سرعان ما شبَّ النزاع بين حكومة “آبي أحمد” وميلشيات الفانو الأمهرية، لعدة أسباب ظاهرية وضمنية، من أهمها ما يلي:

1- رفض ميلشيا الأمهرة تسليم سلاحها للحكومة الفيدرالية الإثيوبية

يعود بداية النزاع المعلَن بين ميلشيات الفانو والحكومة الفيدرالية الإثيوبية إلى أبريل 2023م، عندما اتخذت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية قرارًا بنزع سلاح القوات الخاصة الإقليمية، وكذلك الميلشيات في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك إقليم الأمهرة، وتأسيس قوة مركزية واحدة على مستوى الجيش والقوى الأمنية الأخرى؛ سعيًا من حكومة “آبي أحمد” لإحكام سيطرتها الأمنية والعسكرية على كافة الأقاليم، كما أنها تأتي كمحاولة من أديس أبابا لقطع الطريق أمام أيّ سيناريو محتمَل من الجماعات العرقية وميلشياتها المسلحة، بما في ذلك الأمهرة، لإعادة تكرار سيناريو تمرُّد قوات تحرير شعب تيجراي في العام 2020م، وبالتالي منع تورُّط الحكومة الفيدرالية في حرب أهلية جديدة في ظل خلافات الحكومة مع عدة عرقيات، بما في ذلك الأورومو كبرى القوميات الإثيوبية.

ومِن ثَم، لاقَى قرار الحكومة الإثيوبية رفضًا قاطعًا مِن قِبَل ميلشيات الفانو، وكذلك مِن بعض عناصر القوات الإقليمية الخاصة، وهو ما يُمكن أن يُستدَل عليه بتسجيل لجوء نحو 50% من القوات الإقليمية الخاصة في منطقة أمهرة إلى ميلشيات الفانو؛ اعتراضًا على هذا القرار وفق تقدير وزير السلام الإثيوبي “بينالف أندوالم”، وهو ما تسبَّب في تعميق حالة الصراع المندلعة بين ميلشيات الفانو والقوات الوطنية الإثيوبية كالتي سجَّلتها المنطقة في أغسطس وسبتمبر 2023م([1])، بما في ذلك المراكز الحضرية مثل بحر دار، وجوندار، وولديا، وشوا روبيت، ولاليبيلا، ودبري بيرهان([2]). وتمكنت خلالها الفانو من السيطرة لفترة وجيزة على مدينتي جوندار ولاليبيلا الرئيسيتين في أمهرة([3])؛ حيث سبَّبت سيطرة الفانو على الأخيرة صدمة لدى الشعب الإثيوبي؛ نظرًا لاحتضانها كنائس عريقة ذات أهمية لدى المسيحيين الذين يقصدون المدينة للحج([4]).

 وفي أسبوع واحد من شهر أغسطس 2023م، تم تسجيل 30 اشتباكًا بين القوات الحكومية وميليشيات الفانو في أمهرة، تركَّزت أغلبها في منطقتي شمال ويلو وغرب غوجام، على الرغم من انتشار القتال في جميع أنحاء المنطقة([5])، في ظل اتهام إثيوبي لميلشيات الفانو بمساعيها للإطاحة بالحكومة الإقليمية الأمهرية، وكذلك الحكومة الفيدرالية([6])، في إشارةٍ لمحاولة متمردي الأمهرة إعادة تكرار سيناريو إقليم تيجراي مرة أخرى.

ومع استمرار المواجهات بين القوات الإثيوبية وميلشيات الفانو في أمهرة؛ قامت الحكومة الإثيوبية بإعلان حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر، ثم تجديدها مرة أخرى في فبراير 2024م، استغلتها الحكومة الفيدرالية في تنفيذ سلسلة اعتقالات خارجة على القانون، استهدفت رموزًا وقيادات داعمة لميلشيات الفانو، بما في ذلك أعضاء بارزون في البرلمان الأمهري، لم تمنع حصانتهم الدستورية من الدخول في دائرة الاعتقال والمحاكمة([7]).

وتدور الاشتباكات بين الطرفين حتى قبل إعلان الجيش الإثيوبي شنّ عملية عسكرية في أمهرة؛ فعلى سبيل المثال، نفَّذت ميلشيات الفانو 16 هجومًا استهدف قوات الدفاع الوطني الإثيوبية خلال الفترة (20 – 26) سبتمبر، مقارنةً بـ 21 هجومًا في الفترة من 27 سبتمبر إلى 3 أكتوبر عقب الإعلان عن شنّ عملية عسكرية. كما تُواصل ميلشيات الفانو استهداف قوات الدفاع الوطني الإثيوبية على الطرق السريعة الرئيسية بين الشرق والغرب في أمهرة والطرق السريعة A3 وB31، وهما الطريقان السريعان الرئيسيان بين الشمال والجنوب بين منطقة أمهرة وأديس أبابا، تبعها إعلان الفانو في 3 أكتوبر عن إغلاق جميع الطرق السريعة الرئيسية في أمهرة في أعقاب اندلاع العملية العسكرية الإثيوبية(([8].

كما تعاظمت الشكوك لدى ميلشيات الفانو بشأن الهدف من اتخاذ القرار في ظل تفاقم فجوة الثقة بين الحكومة الفيدرالية وميلشيات الفانو خلال الفترة الأخيرة، والتي كانت سببًا في تفسير الفانو القرار بأنه يهدف نحو تجريد منطقة أمهرة من السلاح، وكشف ظهورهم لقوات الحكومة الفيدرالية؛ تمهيدًا لتجريدهم ممَّا حقَّقوه من مكاسب ميدانية إثر مشاركتهم في الحرب ضدّ قوات تيجراي مع القوات الفيدرالية، والتي تمثَّلت في ضمّهم مناطق محل نزاع تاريخي بين أمهرة وتيجراي، تتمتَّع بمكانة وجدانية وتاريخية مهمة لدى قومية الأمهرة، والمتمثلة في منطقة ولقاييت/غربي تيجراي، والتي تتألف من مقاطعات الحمرة ولقاييت وتسيغيدي في شمال غرب إقليم تيجراي، ورايا جنوبه، وهي المنطقة المحاذية للحدود السودانية الإريترية، والخاضعة ضمن الحدود الإدارية لإقليم تيجراي حسب الدستور الإثيوبي الصادر عام 1995م([9])؛ وذلك تنفيذًا لبنود اتفاق بريتوريا للسلام الموقَّع بين حكومة “آبي أحمد” وممثلي ولاية تيجراي، والذي نصَّ على استعادة الأمهرة للمناطق المستقطَعة مِن قِبَل الأمهرة خلال الحرب ضد قوات تيجراي.

خريطة (2): منطقة غرب تيجراي محل النزاع بين الأمهرة والتيجراي

بل ذهبت ميلشيات الفانو إلى أبعد من ذلك؛ بالحديث عن تواطؤ حكومة “آبي أحمد” مع عرقية الأورومو، من أجل استهداف عرقية الأمهرة، لا سيما في المناطق مختلطة الأعراق، عبر تنفيذ عمليات قتل وتهجير ضدهم في محاولة مِن قِبَل الحكومة الفيدرالية لتوظيف الصراع التاريخي بين القوميتين ونزاعهما على بعض المناطق من أجل إضعاف واستنزاف الأمهرة([10])، وهو ما استدل عليه الأمهرة بتسجيل جمعية أمهرة الأمريكية أكثر من 3300 حالة قتل في عام 2021م وقع معظمها في إقليم أورومو، كما قدّرت الجمعية هجرة أكثر من مليون أمهري من المنطقة نفسها هربًا من اضطهاد أبناء عرقية الأوروميا([11]) .

رسم بياني: أعمال العنف ضد الأمهرة في باقي أقاليم إثيوبيا خلال الفترة (يناير 2020- أبريل 2024م)

علاوةً على ذلك، قال المتحدث باسم شرطة منطقة أمهرة “مسافينت إيشيتي”، في 3 أكتوبر 2024م: إن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية الوطنية سجَّلت 287 حالة اختطاف في السنة المالية الإثيوبية 2016م، والتي انتهت قبل ثلاثة أسابيع -يتأخر التقويم الإثيوبي عدة سنوات عن التقويم في معظم البلدان الأخرى-، مُضيفًا أنه من المحتمل أن يكون العدد أكبر بكثير على اعتبار أن هناك الكثير من الضحايا لم يُبلِّغوا الشرطة بالعديد من الحوادث، كما أوضحت اللجنة أن عمليات الاختطاف باتت ظاهرة متكررة خاصة في منطقتي أوروميا وأمهرة([12]).

يُضاف إلى ذلك، أن ميلشيات الفانو قامت بتفسير قرار حلّ القوات الإقليمية والميلشيات وتسليم سلاحهم، بأنه ناجم عن المخاوف الإثيوبية من القاعدة الشعبية واللوجستية الواسعة لميلشيات الفانو، والتي تعزَّزت إبَّان مشاركتهم في الحرب ضد قوات تيجراي المتمردة، وذلك انطلاقًا مما وفَّرته الحرب من فرصة ذهبية لميلشيات الفانو من أجل بناء المعسكرات، وتجنيد وتدريب المقاتلين، بالاستفادة من الشبكات اللوجستية والأمنية والإدارية للحكومة([13])، بما أدَّى في نهاية المطاف إلى خلق قوة شعبية وعسكرية موازية ومنافسة لسلطة الحكومة الفيدرالية، سرعان ما تحوَّلت في أول نقطة خلاف من قوة داعمة ومناصرة لحكومة “آبي أحمد” سياسيًّا وميدانيًّا وعسكريًّا، إلى قوة مسلحة موازية ومُهدّدة لتماسك الدولة ولمركزية القرار الإثيوبي، وهو ما يُمكن أن يُستدلّ عليه بما أبداه عدد من السكان الإثيوبيين والتجار بتضامنهم وتأييدهم لسيطرة الفانو على المنطقة خلال مواجهات مع الجيش الإثيوبي في سبتمبر 2024م ([14])، وهو ما يُعدّ تحديًا غير مباشر لسلطة الحكومة الإثيوبية.

2- توقيع “آبي أحمد” اتفاق سلام بريتوريا مع التيجراي في العام 2022م

منذ اللحظة الأولى لتوقيع “آبي أحمد” “اتفاق سلام بريتوريا” مع التيجراي في نوفمبر 2022م دون مشاركة أمهرية، نشب التوتر والخلاف في العلاقة بين حكومة “آبي أحمد” والأمهرة؛ لتتحول على الفور مكانة الأخيرة من حليف وشريك في ساحة المعارك مع قوات “آبي أحمد” في قتاله لقوات شعب تيجراي منذ العام 2020م، إلى عدو ومنافس جديد لحكومة “آبي أحمد” ([15])، وهو ما اعتبره الأمهرة بمثابة خيانة وانقضاض للتحالف السياسي والعسكري الضمني بينها وبين “آبي أحمد”، المتوّج خلال الحرب الإثيوبية على قوات تيجراي المتمردة، إلى أن جاء قرار حكومة “آبي أحمد” بتجريد القوات الإقليمية الخاصة والميلشيات من أسلحتها ليبرز ويُعمِّق الخلاف الكامن بين حكومة “آبي أحمد” والأمهرة منذ توقيع “آبي أحمد” اتفاقية السلام مع تيجراي؛ مما أدَّى إلى تعميق حالة الشك، وعدم الثقة بين الجانبين، تحوَّلت على إثرها العلاقة بين “آبي أحمد” وعرقية التيجراي من الشراكة والتعاون، إلى الخلاف والنزاع.

وفي حقيقة الأمر، طالما كانت العلاقة بين ميلشيات الفانو والحكومة الفيدرالية غير مستقرَّة على الإطلاق، وأن التنسيق والتحالف الميداني خلال حرب الحكومة الإثيوبية على تيجراي، لم يكن سوى نقطة اتفاق استثنائية بين الطرفين، وأن التوتر بينهما يعود لما قبل مرحلة توقيع اتفاق سلام بريتوريا، وذلك حينما اتهمت ميلشيات الفانو الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بالتخلي عنها في التصدي لتقدُّم قوات جبهة تحرير شعب تيجراي تجاه منطقتهم وهو ما عُرِفَ خلال الحرب بعملية “علولة” الواقعة في يونيو 2021م([16])، والتي تمكَّنت خلالها قوات تيجراي من السيطرة على عدة مدن وبلدات مختلفة في أمهرة، ولم تتصدَّ لها سوى ميلشيات الفانو التي قامت بحشد آلاف الشباب في سبيل وقف زحف تيجراي([17]).

علاوةً على ذلك، أنه خلال هدنة الحكومة الفيدرالية مع جبهة تحرير شعب تيجراي في أبريل 2022م، قامت حكومة أديس أبابا بشنّ حملة قمع واسعة النطاق في أمهرة، تضمَّنت اعتقال آلاف من أعضاء ميلشيات الفانو([18])، ردَّت عليها الأخيرة بتنفيذ كمائن لاستهداف مسؤولين إقليميين تابعين للحكومة الفيدرالية، كتلك التي وقعت في 27 أبريل 2022م، وأسفرت عن مقتل رئيس حزب ازدهار في أمهرة وعضو اللجنة التنفيذية للحزب “جيرما يشيتيلا” وعدد من المسؤولين([19]).

3- المخاوف الإثيوبية من الدعم المتبادل بين ميلشيات الفانو وإريتريا

يُثير الدعم المتبادل بين إريتريا وميلشيات الفانو المخاوف الإثيوبية من تحول ميلشيات الفانو لأحد الأذرع الإريترية في الداخل الإثيوبي، بما يُهدِّد استقرار الأراضي الإثيوبية وسيادتها ووحدتها، فضلًا عن تهديدها لمركزية القرار الفيدرالي الإثيوبي، وذلك عقب رصد الحكومة الإثيوبية تقارير تُفيد بأن ميلشيات الفانو تتلقى دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا ولوجستيًّا من إريتريا، بما يُعزّز من قبضة ميلشيات الفانو على منطقة غرب تيجراي ورايا في جنوب المنطقة([20]) من جانب، ويُعزّز من شوكة ميلشيات الفانو في مواجهة القوات الإثيوبية الفيدرالية، ودفعها نحو إحكام سيطرتها على منطقة الأمهرة من جانب آخر، وذلك لعدة أسباب؛ من أبرزها: دفع “آبي أحمد” للعدول عن اتفاق بريتوريا مع ممثلي تيجراي بما يضمن احتفاظ أسمرة بما ضمَّته من مناطق في شمال تيجراي، ناهيك عن كون تحريك إريتريا ميلشيات الفانو يأتي كأحد أنماط الرد الإريتري على حديث “آبي أحمد” بأحقية إثيوبيا الحصول على منفذ بحري، ولو بالقوة في تحدٍّ وتهديد غير مباشر لإريتريا، وهو ما أدَّى إلى توتر العلاقات بين البلدين.

واستدلالاً على الدعم الإريتري لميلشيات الفانو؛ تم رصد تحركات عسكرية إريترية عبر الحدود الإثيوبية الإريترية، مع رفع أسمرة لحالة التأهب القصوى لقواتها، لا سيما تلك المرابطة على الحدود الإثيوبية، دعمًا لميلشيات الفانو في خضم المواجهات الدموية بين الفانو والقوات الفيدرالية الإثيوبية المندلعة في أغسطس 2023م، خاصةً مع اتفاق الطرفان على عدواتهما التاريخية للتيجراي([21]).

وفي المقابل، تقدّم ميلشيات الفانو دعمها للقوات الإريترية لإحكام سيطرتها على مناطق “بادمي” و”إيروب”، وبعض المناطق الحدودية في شمال إقليم تيجراي([22])، باعتبارها أهمّ المكاسب الإريترية الميدانية الناجمة عن مشاركتها إلى جانب القوات الإثيوبية في حربها على قوات تيجراي المتمردة، وهو ما يدل في مجمله على وجود تنسيق واتفاق ضمني على كافة المستويات (السياسية والعسكرية واللوجيستي) على توحيد الجهود في مواجهه حكومة “آبي أحمد” من جانب، وتضييق الخناق على إقليم تيجراي من جانب آخر.

4- تنامي التيار القومي الأمهري المتطرف

إن أحد الأسباب التي تُفاقم المخاوف الإثيوبية من تنامي قوة ونفوذ ميلشيات الفانو في الأمهرة، هو تسجيل المنطقة صعودًا بارزًا للتيار القومي الأمهري خلال السنوات الأخيرة الماضية، والذي يلعب دورًا في تأجيج المشاعر القومية العرقية الأمهرية والممثل في الحركة الوطنية الأمهرية التي تم تأسيسها في العام 2018م، والتي تُعدّ جيلًا جديدًا من القومية الأمهرية التي تشكَّلت منذ أوائل تسعينيات القرن العشرين([23])؛ حيث هدفت الحركة نحو صدّ التهديد الوجودي الذي يواجهه الأمهرة، وتغيير السردية الفيدرالية القومية القائمة على التعصُّب والتطرف لصالح قومية دون أُخرى، وهو ما فرَض مظلومية شديدة على الأمهرة، والتي كان أحد ملامحها ما يواجهونه من اعتداءات متكررة في المناطق المختلطة، إلى جانب التغيير البطيء في قيادة الحزب الإقليمي الرئيسي الذي جعل قادة الدفاع عن القومية الأمهرة بعيدين عن التركيبة النفسية للمجتمع ([24]).

علاوةً على ذلك، فإن بعض أعضاء التيار القومي الأمهري المتطرف الذي يُطلَق عليه “الوحدويين أو الراديكاليين”، يسعون جاهدين لإعادة إثيوبيا إلى ما كانت عليه طوال 150 عامًا قبل وصول جبهة تيجراي إلى السلطة، حينما كانت أديس أبابا تُحكَم بقومية واحدة ودين واحد؛ حيث يرى أنصار هذا التيار أن سياسة تيجراي أدَّت إلى إضعافهم وتهميشهم وإبعادهم من مركز السلطة، وأن الفيدرالية العرقية هو العدو الأول لوحدة الدولة الإثيوبية، ساعين في ذلك نحو إقامة نظام جديد يرتكز على المساواة بين كافة الأعراق، ويحترم الحقوق الفردية وسيادة القانون والديمقراطية ([25]).

ومِن ثَم، يعتمد أنصار هذا التيار على عدة أدوات في تحقيق أهدافهم، أولها؛ الدِّين الذي يُستخدَم كغطاء لترسيخ سياسة أيديولوجية القومية الواحدة أو إثيوبيا الكبرى، التي تحتوي كافة القوميات وتَمنح كلاً منها -بما في ذلك الأورمو- فرصة للوصول للسلطة والتعبير عن آرائهم([26])، وثانيها؛ القوة؛ حيث يعتقد أنصار هذا التيار أن حمل السلاح هو السبيل الوحيد لتقاسم الثروات والوصول إلى السلطة، وهو ما يُفسِّر في جانب منه قيام هذا التيار بتشكيل لواءات عسكرية من الشباب وقُطاع الطرق، بما يُعزِّز الثقل العسكري لهذا التيار في محيط الأمهرة ([27]).

أما بالنسبة لثالث الأدوات فتتمثل في اعتماد أعضاء الحركة -وذلك في سبيل كسب ظهير شعبي داعم لسياساتها ولمواجهتها للقوات الإثيوبية الوطنية- على الترويج بأن الدفاع عن أحقية الأمهرة في منطقة ولقاييت/ غرب تيجراي، يُعدّ القضية الأولى لهذا التيار، وأن رفع المظلومية التاريخية الواقعة على الأمهرة يُعدّ من أبرز الأهداف والمسؤوليات، ناهيك عن الوقوف كحائط صد منيع أمام هجمات القوات الإثيوبية الفيدرالية، وما تمارسه أديس أبابا من جهود حثيثة لتجريدهم من سلاحهم، وكذلك خط الدفاع الأول أمام ما يواجهونه من اعتداءات مِن قِبَل العرقيات الأُخرى في المناطق المختلطة بما في ذلك العاصمة أديس أبابا، التي تضمّ عددًا كبيرًا من الأمهرة.

ومِن ثَم، تحوَّلت جُملة هذه المخاوف لكتلة نارية أشعلت سلسلة نزاعات دموية متقطعة ومستمرة منذ أبريل 2023م، بين الحكومة المركزية وميلشيات الفانو، أسفرت عن سقوط العديد من المدنيين، كما تمكنت ميلشيات الفانو من السيطرة على مساحات واسعة من إقليم الأمهرة بما في ذلك ضواحي العاصمة الإقليمية بحر دار([28]).

ثانيًا: تحديات متعددة وسيناريوهات محتملة للتصعيد في أمهرة

هناك حزمة من التحديات التي يواجهها طرفا النزاع (الحكومة الإثيوبية وميلشيات الفانو)، تلعب دورًا في تحديد اتجاهات/ مستقبل التصعيد في منطقة أمهرة، هي كالتالي:

1- غياب مركزية القرار لدى ميلشيات الفانو

يُعدّ غياب مركزية القرار ووحدة الموقف بين ميلشيات الفانو -المنقسمة بطبيعة الحال إلى مجموعات متعددة وتشكيلات صغيرة- أبرز وأخطر التحديات التي تواجه الفانو، وقد تضر بوحدة ميلشيات الفانو في التصدي للقوات الإثيوبية، وكذلك على مدى قدرتها على الحفاظ على مصالحها والتمسك بنفوذها. فعلى نحو تفصيلي، تضم الفانو مجموعات واسعة من الميلشيات غير المتحالفة، وأغلبها صغيرة التشكيل، وتعمل بشكل مستقل عن غيرها من المجموعات المسلحة، وهو ما يعني غياب هيكل تنظيمي موحد للفانو، وكذلك غياب هيراركية صنع واتخاذ القرار، وتضارب الأهداف وتعدُّد الخطط، ناهيك عن عدم وجود خريطة محددة لتمركزات الميلشيات في كافة أنحاء الأمهرة، وهو ما أضفى على أنشطتهم سمة عدم المركزية والتشتُّت، ناهيك عن تمركز أغلب الميلشيات في مناطق معينة دون غيرها، كمناطق شوا، وغوندر، وغوجام، وولو، وكذلك عجز ميليشيات الفانو عن تنظيم نفسها في هيكل ذي رؤية سياسية قادرة على منافسة الحكومة الفيدرالية([29]).

فعلى الرغم من أن الدفاع عن أمن الأمهرة وأرضهم ومصالحهم، والتصدي لأي محاولات للتعدي عليهم يُمثِّل الإطار العام لخطاب هذه المجموعات، ولكنه يظل إطارًا غير رسميّ، ولا يُمكن إدراجه ضمن أيديولوجية سياسية واحدة في ظل تباين الرؤى حول عدة قضايا، وهو ما يُعدّ في حد ذاته ثغرةً يُمكن للحكومة الإثيوبية تعميقها من أجل تفتيت جهود الفانو. فعلى سبيل المثال، يتبنَّى التيار الأكثر تطرفًا في القومية الأمهرية خطابًا قوميًّا متطرفًا يقوم على حشد أبناء عرقية الأمهرة من أجل خلق جبهة واحدة مدافعة عن مصالح الأمهرة، مع إطلاق تحذيرات متجددة من الهيمنة الوشيكة للأورومو (كُبرى القوميات العرقية التي ينتمي إليها رئيس الوزراء “آبي أحمد”). على الجانب الآخر، هناك تيار أمهري يتبنَّى خطابًا أكثر اعتدالًا، ولكنه مثاليّ إلى حد كبير، يدعو إلى بناء هوية إثيوبية أوسع تحتضن كافة العرقيات وتُعلي من المساواة والعدل، كما تتجاوز النظام الفيدرالي العرقي الذي طبقته الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على مدار عقود، والذي أسهم من منظوره في نشر التعصب والتطرف وزيادة الكراهية بين القوميات وبعضها([30]).

أما بالنسبة لأبرز المجموعات المسلحة المُشكِّلة للفانو، فتُعَدّ “الجبهة الشعبية للأمهرة”، التي أنشأها المعارض الأمهري البارز ورئيس حزب “بالديراس من أجل الديمقراطية الحقيقية” إسكندر نيغا، من أبرز ميلشيات الفانو؛ حيث تحظى بدعم من الشتات الأمهري ذي الموارد الجيدة، وتنشط في منطقة غوندر بشكل رئيسي، كما تعمل على توسيع نفوذها في جميع أنحاء أمهرة. كما تُعدّ “القوة الشعبية للأمهرة” التي يقودها “زيميني كاسي” والملقب بـ”بطل قضية الدفاع عن الأمهرة” في ظل ما لعبه من دور في الدفاع عن الأمهرة من هجمات عرقية في مختلف أنحاء إثيوبيا، ناهيك عن دورها -إلى جانب غيرها من ميلشيات الفانو- من السيطرة لفترة وجيزة على العاصمة الإقليمية الأمهرة بحر دار([31]). ومن أبرز ميلشيات الفانو الأكثر قوة، والتي تدخل في قتال عنيف مع القوات الإثيوبية في غرب غوجام منذ الإعلان عن العملية العسكرية الإثيوبية نتيجة استخدام المدفعية الثقيلة([32]).

علاوةً على ذلك، تُمثّل “فانو شرق أمهرة” التي يقودها “مهرت وداجو” من كبرى ميلشيات الفانو التي لعبت دورًا في محاربة قوات تيجراي، إلى جانب القوات الإثيوبية، لا سيما على “جبهة رايا” في جنوب تيجراي([33]).

2- تمدُّد بؤر التمرد إلى جماعات عرقية أخرى

إن أحد المخاوف الإثيوبية التي تضعها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية نصب أعينها، وتفرض عليها سرعة التحرك لإحكام سيطرتها على منطقة الأمهرة، وتقييد نفوذ ميلشيات الفانو، هو مخاوفها من أن يكون تمرُّد ميلشيات الفانو نواة لبؤرة ثورية قد تمتدّ إلى باقي الأقاليم الإثيوبية، لا سيما الساعية نحو الانفصال والتي هي في خلاف مع “آبي أحمد”، مثل الأورومو كبرى العرقيات الإثيوبية، وكذلك التيجراي التي على الرغم من توقيعها اتفاق سلام مع حكومة “آبي أحمد”، إلا أنها تعيش مرحلة أقرب إلى ما يُمكن وصفه بمرحلة السلام الهشّ الذي يُمكن الخروج عليه في أيّ وقت تشهد فيه البلاد حالة من الفوضى، وذلك لعدة أسباب؛ أبرزها؛ اشتعال التنافسات بين فصيلين داخل جبهة تحرير شعب تيجراي، ومساعي كل فصيل لنزع الشرعية من الطرف الآخر([34])، لا سيما في ظل التقارب الجغرافي بين الأقاليم الثلاثة (الأورومو، الأمهرة، تيجراي)، وهو ما يكشف عن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الأمهرة؛ حيث تتوسط المنطقة كلاً من منطقة تيجراي في الشمال، ومنطقة أورومو في الجنوب.

ناهيك عن أن لدى منطقة أمهرة حدودًا مع بني شنقول في غرب البلاد، ولها حدود كذلك مع منطقة عفار الواقعة في شرق البلاد([35])، والتي سبق وأن أبدت ميلشياتها المسلحة شراسة بالغة في القتال خلال الحرب على تيجراي، كما أن أيّ توتر أو تصعيد في المناطق المجاورة مِن قِبَل أيّ ميلشيا مسلحة، ستكون عفار في مرمى الهدف مثلما حدث خلال الهجمة المضادة للتيجراي خلال حربهم مع الحكومة الإثيوبية، وذلك على اعتبار أن الطريق الرئيسي وخط السكك الحديدية اللذين يربطا أديس أبابا بميناء جيبوتي يمر عبر عفار([36])، مما يجعل من منطقة عفار هدفًا رئيسيًّا كسبيل للضغط على الحكومة الإثيوبية وتضييق الخناق عليها.

علاوةً على ذلك، فإن حالة الفوضى المحتملة قد تدفع الجماعات العرقية إلى الدخول في نزاعات من أجل السيطرة على المناطق الجغرافية المتنازَع عليها، مثلما هو النزاع بين عرقيتي القيمنت والأمهرة، وبين التيجراي والأمهرة، وهو ما يعني دخول البلاد في دورة من النزاعات العرقية المتعددة، التي تفرض حالةً من عدم الأمن وعدم الاستقرار لن تكن الحكومة الإثيوبية قادرة على السيطرة عليها مع تعدد جبهات النزاع. وهو ما يُهدّد بشكل مُجمَل وحدة الدولة الإثيوبية وتماسكها، مثلما يُهدد استمرارية النظام الفيدرالي للدولة.

3- الفانو كتلة عددية مسلحة ومُجهَّزة

إن أحد التحديات التي تواجهها الحكومة الإثيوبية في محاولة فرض سلطتها على منطقة أمهرة، هو ما يتعلق بالقوة العددية لميلشيات الأمهرة، وتجهيزاتها العسكرية؛ حيث تذهب التقديرات غير الرسمية التي تأتي وفق معطيات سابقة للقوات الإقليمية الخاصة في أمهرة، بأن ميلشيات الفانو تضم قرابة 10 آلاف عنصر([37])، وهو عدد من المرجَّح ارتفاعه في ظل الحشد العسكري والتعبئة التي أطلقها قادة الأمهرة خلال فترة الحرب على تيجراي وما بعدها.

يُضاف إلى ذلك، أن حكومة “آبي أحمد” تدرك بأن ميلشيات الفانو قد اكتسبت خبرة قتالية واسعة سواء في قتالها قوات تيجراي، أو من مشاركتها مع القوات الإثيوبية، أو نتيجة لضمّ ميلشيات الفانو أعضاء سابقين في القوات المسلحة الإقليمية أو الفيدرالية([38])، مما يُمكّن ميلشيات الفانو من التعرُّف على التكتيكات القتالية للجيش الإثيوبي، ويمنحها كذلك إمكانية التنبؤ/ استنتاج ملامح هجماته العسكرية على منطقة الأمهرة، وبالتالي تمكين القيادات العسكرية للفانو من وضع الخطط المضادَّة لصدّ هجمات الحكومة الإثيوبية، وهو ما ينعكس في الخطة العسكرية المعلنة للفانو، التي توضح المحاور العسكرية الأربعة للفانو والممثلة في (غوجام الشمال الغربي، وغوندر في الغرب على الحدود مع السودان، ووللو شمال شرق المحاذي لإقليمي التيجراي والعفر، ومحور شوا المحاذي لإقليم أوروميا والعاصمة أديس أبابا)([39])، والتي تفرض بطبيعة الحال على حكومة “آبي أحمد” مزيدًا من التحديات/ الصعوبات في ساحة المعارك المندلعة الآن.

رؤية استشرافية تتضمن الاتجاهات/ السيناريوهات المحتملة:

ومن ثم: يقابل حالة التعتيم الشديد على مجريات المعارك الدائرة في أمهرة بين القوات الإثيوبية وميلشيات الفانو منذ إعلان الجيش الإثيوبي عن إطلاق عمليته العسكرية في المنطقة، حالة غموض بشأن مآلات التصعيد الإثيوبي في الأمهرة، لكن مع ذلك يُمكن تقديم رؤية استشرافية تتضمن الاتجاهات/ السيناريوهات المحتملة التالية:

1- الحسم العسكري عبر إحكام حكومة “آبي أحمد” سيطرتها الكاملة على أمهرة:

وهو ما يتوقَّف على تحقيق العملية العسكرية الإثيوبية أهدافها التي من المتوقع، ضمنها؛ تصفية قادة تمرد ميلشيات الفانو، التي تقود الحالة الثورية في المنطقة من تعبئة وحشد، عبر القتل والاعتقال، يعقبها إجبار باقي الميلشيات على تسليم سلاحها إلى القوات الإثيوبية، وبالتالي تحقيق حكومة “آبي أحمد” انتصارًا في المعارك الدائرة، بما يُجسِّد التفوق النوعي للقوات الإثيوبية، مقارنةً بميلشيات التمرد، وقدرتها على إحكام سيطرتها على كامل ربوع أراضيها، والتي تبعث في مضمونها برسالة ضمنية لباقي الجماعات العرقية بأن أيّ محاولة لإعادة تكرار سيناريو الأمهرة، ستؤول بالفشل. وهو سيناريو طموح للغاية ليس من المتوقع تحقيقه ولو على المدى البعيد.

فقياسًا على تجربة متمردي تيجراي التي تمكَّنت الحكومة الإثيوبية بالفعل من إنهائها بالقوة؛ إلا أن العديد من بنود اتفاق سلام بريتوريا لا تزال عالقة لا سيما المتعلقة بنزح سلاح متمردي تيجراي وإعادة إدماجهم في الخدمة المدنية، والمشروط تحقيقها بانسحاب القوات الأجنبية والقوات غير التابعة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية من مناطق تيجراي، بما يُهدد تماسك اتفاق السلام واستمراريته. ومِن ثَم، فإنه بإسقاط تجربة تيجراي على ميلشيات الفانو، وما تتمتع به من قوة عددية مسلحة ومجهَّزة، وما اكتسبته من خبرة قتالية خلال المعارك السابقة خلال حرب تيجراي، فمن الصعوبة بمكان تحقيق الحكومة الإثيوبية أهداف عملياتها العسكرية، بما ينتهي بإحكام سيطرتها الكاملة على المنطقة، في ظل القوة العددية الكبيرة لميلشيات الفانو، وما تتمتع به من كفاءة وخبرة قتالية.

2- الدخول في حرب مفتوحة مع إعادة هيكلة التحالفات الميدانية القائمة:

تتمثل أحد السيناريوهات/ الاتجاهات المحتملة للمعارك الدائرة في أمهرة، في أن ارتفاع مستوى التصعيد قد يدفع ميلشيات الفانو لإعادة هيكلة تحالفاتها الميدانية بما يُعزّز من تفوقها النوعي في المعارك، وذلك في ضوء ما أفادت به التقارير الغربية باحتمالية تشكيل ميلشيات الفانو تحالفًا ميدانيًّا مع القوى المتمردة الأخرى المعارضة لحكومة “آبي أحمد” كجيش تحرير أورومو([40])، ناهيك عن الدعم العسكري الإريتري للفانو، وهو ما يجعل احتمالية تحويل المعارك الدائرة إلى حرب مفتوحة، ذات مخاطر متعددة على الداخل الإثيوبي وعلى محيطه الإقليمي، من بينها: انهيار معاهدة سلام بريتوريا مع تيجراي، وتعدُّد النزاعات العرقية، وارتفاع عدد النازحين واللاجئين، وهو سيناريو محتمَل على المدى المتوسط.

3- انسحاب إثيوبي مُؤقَّت لإعادة تقييم الوضع الأمني والعسكري:

إن أحد الاتجاهات/ السيناريوهات المحتملة للمعارك الدائرة المفروض عليها هالة واسعة من الغموض والتعتيم المعلوماتي بشأن تطوراتها الميدانية، هو احتمالية اتجاه الحكومة الإثيوبية لإنهاء عملياتها العسكرية، وسحب قواتها بشكلٍ مؤقَّت من المنطقة، كأحد خطوات إعادة التقييم الأمني والعسكري لما أسفرت عنه المعارك من نتائج وكشفته من معلومات حول قدرات العدو العسكرية وتكتيكاته القتالية، وهو ما لا يعني بأيّ حال من الأحوال عدم تكرار الهجمات العسكرية على منطقة الأمهرة، فهو انسحاب مؤقت سيعقبه هجوم عسكري أكثر حدة في حال حدوث هذا السيناريو.

خلاصة القول: على الرغم من تعدُّد الأزمات الداخلية الإثيوبية، تأتي أزمة منطقة أمهرة كتحدٍّ جديد تواجهه حكومة “آبي أحمد”، في ظل تصاعد المخاوف من إعادة تكرار سيناريو حرب تيجراي في أمهرة، بما أسفرت عنه من أزمة إنسانية حادة، وتحدٍّ اقتصاديّ، وتوتر في العلاقات الإثيوبية مع عدد من القوى الدولية والإقليمية كإريتريا والصومال، لا تزال أديس أبابا تعاني من تبعاتها حتى الآن، وهو ما يجعل من انتهاج “آبي أحمد” نفس المسار يُمثِّل خطورة بالغة على أمن واستقرار البلاد، وهو ما يُنْذِر بمستقبل خطير يُهدِّد الدولة الإثيوبية وتماسكها.

………………………………..

[1] – عبد القادر محمد علي، من هي مجموعات فانو؟ وما علاقتها بالتمرد في إقليم أمهرة الإثيوبي، الجزيرة، 25 مارس 2024م.