هبة القدس والأقصى.. تشبثٌ بالهوية الوطنية ورفضٌ للأسرلة

هبة القدس والأقصى.. تشبثٌ بالهوية الوطنية ورفضٌ للأسرلة

هبة القدس والأقصى.. تشبثٌ بالهوية الوطنية ورفضٌ للأسرلة

محمد محسن وتد

أعادت الهبة الشعبية في أيار/ مايو 2021 التي اشتعلت نصرة لأهالي الشيخ جراح ودفاعا عن القدس والأقصى، إلى الأذهان فصول التاريخ من يوم 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2000، حين انطلقت هبة القدس والأقصى في أراضي 48 بالاحتجاجات المنددة باقتحام رئيس المعارضة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، ساحات المسجد الأقصى المبارك في القدس المحتلة.

شكلت أحداث تشرين الأول 2000 التي استمرت على مدار 3 أيام محطة مفصلية في حياة المواطنين العرب، بالعلاقة مع المؤسسة الإسرائيلية، وكسر الحواجز والاختراق للدوائر السياسية، والتمرد على السياسات التي حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فرضها، إذ دفعت الجماهير العربية ضريبة الدم باستشهاد 13 شابا من المثلث والجليل برصاص الشرطة الإسرائيلية.

وحيال هذا الجزء من الشعب الفلسطيني كانت هبة القدس والأقصى 2000 محطة إضافية أعادت دواليب التاريخ 25 عاما إلى الوراء، إلى أحداث يوم الأرض في الثلاثين من آذار/ مارس من العام 1976، حين خاض المواطنون العرب معركة الوجود والصراع على الأرض، إذ استشهد 6 مواطنين برصاص قوات الأمن الإسرائيلية.

حضور بارز للجيل الشاب بفعاليات إحياء هبة القدس والأقصى

لم تكن هبة القدس والأقصى التي فجّرت الانتفاضة الثانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، معزولة عن التاريخ النضالي لفلسطينيي 48 رفضا وتصديا لمشاريع الأسرلة وتأكيدا على الهوية الوطنية الفلسطينية، والانحياز التام إلى القضية الفلسطينية.

تجلى الالتحام مع الكل الفلسطيني في الهبة الشعبية أو كما يسميها البعض "هبة الكرامة" في أيار الماضي، في أحداث ومواقف تعيد لمن خانته الذاكرة بأن تداعيات هبة القدس والأقصى ما زالت تتفاعل بالتأكيد على أن أهالي أراضي 48 جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وذلك على الرغم من سياسة الترهيب من قبل المؤسسة الإسرائيلية التي تمادت بالملاحقة السياسية ونزع الشرعية وتجريم العمل السياسي وقمع التطلعات الوطنية والقومية لفلسطينيي 48.

من هبة القدس والأقصى إلى الهبة الشعبية

على الرغم من تراجع الزخم الشعبي والمشاركة الجماهيرية في إحياء مراسيم ذكرى هبة القدس والأقصى إلا أن مدير معهد "مسار للأبحاث الاجتماعية والتعليمية"، بروفيسور خالد أبو عصبة، يعتقد أن رمزية الذكرى وما تحمله من دلالات ومعان بقيت راسخة ومحفورة بالذاكرة الجماعية لفلسطينيي 48.

وأشار إلى أنه لربما يوجد هناك قصور بالمشاركة في فعاليات الذكرى، وعزا ذلك إلى تقصير القيادات وغياب دور الأحزاب والجمعيات ولجنة المتابعة التي لا تستطيع حشد الجمهور بمثل هذه المناسبات. وأشار إلى أنه لربما يوجد هناك قصور بالمشاركة في فعاليات الذكرى، وعزا ذلك إلى تقصير القيادات وغياب دور الأحزاب والجمعيات ولجنة المتابعة التي لا تستطيع حشد الجمهور بمثل هذه المناسبات.

وقال أبو عصبة إن "هبة القدس والأقصى محفورة بالذاكرة ويستحضرها الجمهور في أي مناسبة أو أي احتجاج على السياسات الإسرائيلية، وهو ما تجلى في الهبة الشعبية في أيار الماضي، والتي تعتبر امتدادا واستمرارا لهبة القدس والأقصى 2000، إذ بات جليا أن أي إساءة للأقصى وتغول للمؤسسة الإسرائيلي بالقدس وتنكيل بالمقدسيين تُشعل الجماهير مجددا وتنتفض بوجه المؤسسة الإسرائيلية التي ما زالت تسعى وبعد مرور 21 عاما إلى طمس هبة القدس والأقصى".

هبة القدس والأقصى محطة مفصلية في نضال الجماهير العربية

وأوضح مدير المعهد أن "السياسات الإسرائيلية للحكومات المتعاقبة تجاه المواطنين العرب وضعت أساسا عقب ما حدث من تفاعل وتلاحم بهبة القدس والأقصى وهدفت إلى تطويع وتركيع الجماهير العربية، إذ أن الأجيال الشابة الجديدة التي ولدت بعد الانتفاضة الثانية ذوتت هذا الشيء، بل كانت الضحية الرئيسية للسياسات الإسرائيلية".

إرث هبة القدس والأقصى

ورغم الأزمات المجتمعية الداخلية وتداعيات السياسات الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي، يقول بروفيسور أبو عصبة إن "النشء الفلسطيني بالداخل الذي يعاني من السياسات الإسرائيلية التميزية والعنصرية يحمل إرث هبة القدس والأقصى بالذاكرة عبر السرد التاريخي للأحداث التي لم يعيشها أصلا، ويتعايش مع الأحداث ويخوض النضالات عبر بوصلة هبة القدس والأقصى التي عادت للواجهة من خلال هبة الكرامة نصرة للشيخ جراح ودفاعا عن القدس والمقدسات".

قصور لدى قيادات الأحزاب والمتابعة في حشد الجماهير

وبمعزل عن السياسات الإسرائيلية وإرهاصاتها التي دأبت على تفكيك المجتمع العربي داخليا وعزله عن القضية الفلسطينية والقدس وما تحمله من دلالات ورسائل وطنية وإبعاد عروبية وقومية ودينية، يقول الباحث في المجال الاجتماعي والتربية إن "الأجيال الشابة بالداخل كانت أول من حضر إلى الشيخ جراح واعتصمت في باب العامود وانتصرت للقدس والأقصى في رمضان، وما زالت إلى اليوم تزور القدس والمقدسات حتى وأن لم تكن متدينة، وهذا ينم عن وعي انتمائي ووطني وقومي".

رفض حرف البوصلة والانزلاق نحو الأسرلة

وأوضح أبو عصبة أن "الحراكات الشبابية والدور الشبابي في الفعاليات والاحتجاجات أثبتت فشل مشاريع ومخططات الأسرلة وإحباط كافة المشاريع المبطنة للجمعيات والأطر الوزارية التي تنشط لتشويه الهوية الوطنية للنشء الفلسطيني بالداخل".

أبو عصبة: النشء الفلسطيني بالداخل يحمل إرث هبة القدس والأقصى بالذاكرة

وأكد أن "السياسات الإسرائيلية لم ولن تنجح بعزل المواطنين العرب والأجيال الشابة وسلخهم عن الشعب الفلسطيني وقضيته، إذ أن ردة الفعل للنشء التمرد على هذه السياسات والتمسك بالهوية الوطنية والقومية".

ووسط التحولات والمتغيرات في ظل الاحتجاجات ومسيرة النضال، يرى مدير المعهد أن "الداخل الفلسطيني يمكنه القبول لفكرة الاندماج والتعايش، لكن ليس مقابل التنازل عن الهوية الوطنية والانتماء للشعب الفلسطيني، ويرفض المساومة على حقوقه المدنية والخدماتية مقابل التنازل عن مواقفه السياسية، حتى لو حاول تيار سياسي عربي حرف البوصلة والانزلاق نحو الأسرلة".

الالتحام الفلسطيني

ويتفق الباحث في الشأن الإسرائيلي، أنطوان شلحت، مع طرح بروفيسور أبو عصبة، ويجزم أن "هبة القدس والأقصى 2000 شكلت مفترقا مهما ومفصليا في علاقة الفلسطينيين بالداخل بإسرائيل والأغلبية اليهودية من جهة، ومن جهة ثانية بالعلاقة مع أجزاء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، إذ كانت البوصلة التي أعادت الالتحام للشعب الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو التي عمدت على تهميش فلسطينيي 48".

وعلى الرغم من ضبابية المشهد الذي أعقب اتفاقية أوسلو، حيث تم "تهميش فلسطينيي 48 بضوء أخضر من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وكذلك من قبل إسرائيل التي نظرت إليهم كخزان انتخابي"، يقول شلحت لـ"عرب 48"، إن "هبة القدس والأقصى بددت الضبابية وأوقفت حالة التشرذم الفلسطيني، وتحولت إلى البوصلة لفلسطينيي 48 في مسيرة إعادة اللحمة للشعب الفلسطيني".

شلحت: هبة القدس والأقصى البوصلة لفلسطينيي 48

ويعتقد شلحت أن "هبة القدس والأقصى 2000 وعلى المستوى الإسرائيلي هي محطة مهمة جدا شهدت تصعيدا بالسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بالداخل التي تمثلت بتجريم العمل السياسي ومواجهة ما أسمته المؤسسة الإسرائيلية 'ردكلة' فلسطينيي 48 وحالة التطرف التي لخصتها بدور التجمع الوطني ورئيسيه عزمي بشارة والحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح والحكم المحلي العربي والتيارات الشبابية".

السياسات الإسرائيلية الممنهجة

وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن "الحكومات المتعاقبة عمدت ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2000 على محاربة التجمع الوطني الديمقراطي والنفي القسري لعزمي بشارة وملاحقة الحركة الإسلامية وقيادتها لدرجة حظرها وإخراجها عن دائرة القانون عام 2015، والهجوم على السلطات المحلية واستهدافها إلى درجة أن الانتخابات المحلية رجعت إلى المربع الطائفي والعائلي حتى غابت عنها الأحزاب والحركات والتيارات السياسية".

جانب من إحياء فعاليات إحياء هبة القدس والأقصى في جت

لم تتوقف السياسات الإسرائيلية الممنهجة عند هذا الحد، وبغية تفكيك المجتمع العربي وتشويه الهوية الوطنية وسلخ الجيل الشاب عن القضية الفلسطينية، يقول شحلت إنه "عمدت المؤسسة الإسرائيلية بعد الانتفاضة الثانية على إطلاق مشاريع الأسرلة والتجنيد والخدمة المدنية والارتهان المالي والاقتصادي، وذلك بغية ترويض واحتواء العرب في الداخل الذين أكدوا من خلال هبة الكرامة أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية".

وفي قراءة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بالداخل والتحديات وردة الفعل للأجيال الشابة التي لم تعايش أحداث الانتفاضة الثانية، يرى شلحت أن "هبة الكرامة في أيار الماضي والمستوحاة أصلا من هبة القدس والأقصى 2000، أثبتت أولا أن الجيل الفلسطيني الشاب يرفض السياسات الإسرائيلية وتمرد عليها، وأكد انه يتذكر ولا ينسى التاريخ ودماء الشهداء، إذ أتت هبة الكرامة بهدف مزدوج ضد إسرائيل وضد الوضع الفلسطيني القائم.

عن "عرب 48"