خسارة أنهم لم يدفعوا مقابل أراد مثلما دفعوا مقابل شاليت

خسارة أنهم لم يدفعوا مقابل أراد مثلما دفعوا مقابل شاليت

خسارة أنهم لم يدفعوا مقابل أراد مثلما دفعوا مقابل شاليت

بقلم: نحميا شطرسلر

الصدفة فقط هي التي أعادتنا، الأسبوع الماضي، بالتزامن، إلى قضيتين من الماضي لا تفارقاننا منذ أعوام عديدة: سقوط رون أراد وجلعاد شاليت في الأسر.

لا شيء أقسى من الأسر. وبعد سماحكم، فسأروي عن والدي نفتالي، الذي تجند في صفوف الجيش البريطاني في سنة 1941 ضمن "فيلق الرواد الملكي" للمشاركة في القتال ضد ألمانيا وسقط في أسر القوات النازية في نيسان من العام ذاته، في مدينة كالاماتا اليونانية. أمضى في الأسر أربعة أعوام رهيبة حتى الإفراج عنه سنة 1945. ربما كان هذا سبب حساسيتي الزائدة تجاه موضوع الأسر، وربما كان لدى الجميع حساسية تجاه مصير أراد وشاليت القاسي.

على أي حال، فقد ذكر نفتالي بينت رون أراد في خطابه في الكنيست، الأسبوع الماضي. روى أن مندوبي "الموساد" انطلقوا، الشهر الماضي، لتنفيذ عملية "معقدة وجسورة"، هدفها جمع تفاصيل جديدة عن مصير طيار طائرة الفانتوم الذي سقط في أسر حركة "أمل" في تشرين الأول 1986، بعد اضطراره إلى مغادرة طائرته قرب مدينة صيدا.

فور إنهاء خطابه مباشرة، انقض كثيرون على بينيت، من جميع الأطراف، بادعاء أنه لم يكن يتعين عليه الإفصاح عن أي شيء وأن العملية مُنيت بالفشل أصلاً. إذاً، دعوني أقل: أولاً، العملية تكللت بالنجاح. فقد ركّزت ودفعت الجهود المبذولة من أجل العثور على جثة أراد. والأهم من هذا، أن ما قاله بينيت شكّل رسالة إلى الجمهور الواسع مفادها أن الدولة لا تتخلى عن جنودها. فهي تبذل جهوداً جبارة لمعرفة مصائرهم وإعادتهم إلى بيوتهم وأهاليهم، حتى ولو بعد 35 عاماً. إنها قيمة الضمان المتبادل المهمة، بل الحاسمة بالنسبة إلى الجنود الخارجين إلى الحرب.

وهذا هو بالضبط السبب الذي يدفعنا إلى توجيه النقد الحاد إلى القادة السياسيين الذين أحجموا عن تنفيذ صفقة تبادل أسرى من أجل رون أراد الذي شوهد في قيد الحياة للمرة الأخيرة في أيار 1988، بعد عام ونصف العام من سقوطه في الأسر. ويبدو أنه قُتل بعد ذلك. طوال فترة السنة ونصف السنة تلك، جرت اتصالات بغية تبادل أسرى، إلا إن رئيس الحكومة، اسحق شامير، ووزير الأمن، اسحق رابين، رفضا عقد الصفقة. كانا يخشيان التعرض لموجة من الانتقادات بسبب الإفراج عن "مخربين أيديهم ملطخة بالدماء". لكن هذا هو العبث اللامعقول بحد ذاته. فمن الجهة الأولى، يجري على مدار عشرات الأعوام تنفيذ عمليات خطِرة جداً وتعرّض حيوات المشاركين فيها للخطر فيما وراء خطوط العدو، في إطار محاولات الوصول إلى جثة رون أراد، لكن من الجهة الأُخرى ليس هناك استعداد للمخاطرة الكامنة في إطلاق سراح "مخربين"، بينما المكسب عظيم جداً: إعادة جندي وهو على قيد الحياة.
الأسبوع الماضي، أدلى نوعام شاليت بتصريحات ضمن مقابلة صحافية أُجريت معه بمناسبة مرور عشرة أعوام على الإفراج عن ابنه جلعاد من أسر حركة حماس في غزة. في سنة 2009 توصل الوسيط، عوفر ديكل، إلى صيغة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، إلاّ إن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، تصرّف كما تصرّف شامير ورابين ورفض الصفقة المقترحة. هو أيضاً كان يتخوف من موجة النقد المحتملة. هو أيضاً قال، إنه لا يجوز إطلاق سراح "قتلة أيديهم ملطخة بالدماء". لكن هذا هراء كبير، لأن كلا الطرفين أيديهم ملطخة بالدماء. أيدي "المخربين" نعم، لكن أيدي شامير ورابين وأولمرت كذلك أيضاً. نحن في خضم حرب، لا في لعبة.

عقب تنفيذ صفقة الإفراج عن شاليت (التي عقدها ونفذها بنيامين نتنياهو)، أدلى أولمرت بتصريحات صحافية تهجّم فيها على المفتدى من الأسر وكأنه لم يقاتل بما فيه الكفاية قبل أن يقع في الأسر. ماذا كان يريد؟ أن يحاول شاليت، الذي فوجئ بآسريه في الخامسة فجراً، إطلاق النار فيعود إلى بيته في تابوت، مثلما حدث لزميليه الآخريْن اللذيْن قُتلا؟

حين نُشر عن ثمن الصفقة، تعرّض نتنياهو لحملة انتقادات واسعة لإطلاق سراح 1027 "مخرباً". هذه الانتقادات أيضاً هراء. فلو بقي المُحرَّرون ضمن صفقة شاليت في السجون، لقام آخرون بتنفيذ العمليات التي نفذها بعضهم لاحقاً. لا فراغ في "الإرهاب". في المقابل، لولا الصفقة، لكان شاليت قد اختفى في غزة نهائياً، تاركاً جرحاً ينزف في جسد المجتمع الإسرائيلي، تماماً مثلما هو الحال مع رون أراد الذي يواصل التخلي عنه آنذاك إضعاف مناعة المجتمع والجيش، على حد سواء.

يريد كل جندي أن يعلم بأن الدولة ستفعل كل شيء من أجل تخليصه من الأسر. وإذا ما تخلينا عن الأسرى فسيفكر الجنود مرتين وأكثر قبل أن يخطوا قُدماً في ميدان القتال. لذلك، كان الثمن الذي دُفع لقاء شاليت مُبرَّراً. خسارة أنهم لم يدفعوا الثمن ذاته لقاء أراد.

عن "هآرتس"  نشر بتاريخ 10/10