نصر يعادل هزيمة

نصر يعادل هزيمة

 

نصر يعادل هزيمة

المحامي جواد بولس

سوف تعلن لجنة الانتخابات المركزية الاسرائيلية نتائجها النهائية بعد اتمامها لعملية فحص جميع مغلفات الاقتراع وتدقيقها حسب الأنظمة والقوانين المتبعة؛ لكنني لن أنتظر كي أكتب عن سقوط آخر السدود، فبعض الخلاصات، اصبحت ناجزة، كما أراها.

أولًا: معظم الأحزاب اليهودية المنتخبة تنتمي إلى نفس الفصائل المعادية لوجود وحقوق المواطنين العرب في الدولة؛ وقد نستثني بحذر حزب "يش-عتيد" وبعده حزب "العمل"، وطبعًا بفوارق كبيرة حزب "ميرتس" .

ثانيًا: سوف يحتاج كل مرشح لتشكيل الحكومة إلى دعم أحزاب اليمين، القومي أو المتدين، التي رغم التفاوت في درجات تطرفها وعنصريتها وخطورتها، فانها تتفق حول قواسم مشتركة أساسية، مثل مسألة الحكم ومرجعياته الدستورية، ومصير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكيف يجب التعامل مع سكانها الفلسطينيين، وما هي مكانتنا، نحن مواطنين الدولة العرب، في الدولة القومية اليهودية التي يُجمعون على ضرورة المحافظة عليها ككيان قوي لليهود وقادر على مواجهة جميع أعدائه.

أما اذا نجح بنيامين نتنياهو في تجنيد معسكر داعم له فسيخضع، إلى عمليات ابتزاز من قبل جميع الأحزاب الحليفة، التي سيعرف قادتها، هذه المرة،يجبرونه على قبول شروطهم وفق ضمانات لن تدعه يفلت، كما فعل مع غانتس في المرة السابقة. ومن الطبيعي، في هذه الحالة، أن نكون نحن أول ضحايا هذا الإئتلاف.

ثالثًا: لقد نجحت عدة شخصيات وفرق يهودية سياسية متطرفة من دخول الكنيست الاسرائيلي، وذلك رغم انها كانت، خلال عقود طويلة، فاقدة للشرعية القانونية، وغير مقبولة كلاعب في العملية السياسية الرسمية. واللافت، في هذه التجربة الخطيرة، أن نجاح تلك المجموعات قد تم بدعم مباشر من جهات وشخصيات أكاديمية ودينية عديدة وفي طليعتهم برز بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، حتى تحولت هذه القوى، بعد اليوم، من مجرد "أشواك ضارة ومهملة" إلى قوة علنية شرعية وموثرة.

رابعًا: قد لا ينجح أي مرشح منتخب في تشكيل حكومة تحظى بأغلبية، أو باغلبية مستقرة من باقي الأحزاب المنتخبة، وعندها ستضطر اسرائيل الى خوض معركة خامسة ستكون نتائجها علينا كمواطنين عرب أوخم وأخطر؛فحالة التوازن/الجمود الحزبي التي تعيشها اسرائيل، بعد أربع جولات انتخابية، أدت عمليًا الى خلق أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ الدولة، ودفعت بالكثيرين إلى حالة من التعب أو اليأس وفقدان الثقة والرغبة بالمشاركة بالعبث الحاصل؛ أو، على النقيض، إلى اللجوء "للحلول الحاسمة" : فالمصوتون اليهود بدأوا يقامرون على نجاعة الأحزاب الخلاصية المتطرفة التي قد يكون عندها "الحل النهائي" لجميع مآزقهم؛ بينما قرر نصف المصوتين العرب مقاطعة الانتخابات، فلا غرو أن بقي غدهم ريشة على "ظهر الغيب"، ونصف نصفهم شاركوا وانتخبوا من وعَدهم بالبقاء في "جلابيب آبائهم" ورعايا محافظين في بلاط السلطان ومحظيين على موائده !

خامسًا: لقد شهدنا تطورًا واضحًا في مواقف الحركة الاسلامية الجنوبية التي جاهرت بتبنيها سلوكًا سياسيا تفريطيا، كما أسماه بعض المعقبين، يعتمد على معادلة تبادل المصالح النفعية مع الدولة، ومن دون اخضاع هذه العلاقة لأية محاذير أو شروط سياسية مسبقة، وذلك في تحدٍّ لجميع مسلّمات ومفاهيم النضال والمواجهات السياسية العربية السابقة.

لقد أطلق الدكتور منصور عباس شعار الحركة، الملتبس والمغالط، : "نحن لسنا في جيب أحد"، حتى أمسى كلامه بمثابة جواز "السفر الديبلوماسي" الأخضر الذي أخرجها من بوابة القائمة المشتركة والقادر على ادخال الحركة الاسلامية في حكومة يرأسها نتنياهو أو في أي حكومة صهيونية يمينية.
سادسًا: لقد حصدت الاحزاب والحركات السياسية العربية في هذه الانتخابات ما زرعته، أو لم تزرعه، خلال السنوات الماضية؛ ودفعت ثمن صمتها حين كان يتوجب عليها الصراخ والمواجهة.

سابعًا: قد تُسجَّل هذه الجولة الانتخابية كعلامة فارقة في حياة أكبر تيارين سياسيين تاريخيين عرفتهما الساحة السياسية المحلية عندنا : الشيوعي من خلال الحزب وبعده الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة، و التيار القومي، كما عبّرت عنه في البدايات مجموعة حركات صغيرة، أفضت فيما بعد إلى ولادة حزب التجمع الوطني. وقد تتحوّل نتائج هذه المعركة بعد سبعين عامًا من تسيّد هذين التيارين إلى شهادات على وصولهما إلى حالة من الهرم العاجز والتكلس الفكري والتنظيمي وأفول قمريهما بشكل نهائي.

نستطيع ببساطة أن نتابع مسيرة التقهقر الجبهوية، ونرى كيف لم يعُد الحزب الشيوعي عنوانًا للفقراء وللكادحين، ولا ملجأ للأمميين، ولا منصة لأصحاب الحناجر "الزيّادية " الجريئين ؛ ونشهد، كذلك، كيف اختفت جبهة كانت ذات يوم ديمقراطية وبيتًا للناس المنتمين لمصالح شعبهم وملاذًا للحلفاء من لجان ونقابات وجمعيات وتجمعات للحرفيين والاكاديميين والشباب والنساء، فتحولت الى "ضفيرة صغيرة" منسية أو "دكانة" مستضعفة على رصيف أصحاب حزب صنع أباؤه أمجاد شعب أمين.

أما مسيرة حزب التجمع نحو النهاية فكانت أسرع وأوضح، وهي قد بدأت عمليًا مع اشكالية تموضعه كحزب قومي داخل الدولة الصهيونية، وتعقيدات طروحاته، النظرية وممارساته التطبيقية، في مسألتي المواطنة والهوية؛ ومرورًا بأزمة قياداته، خاصة بعد انتقال زعيمه المؤسس للعيش في دولة قطر، وتحكمه في منشآت ومؤسسات وقيادات الحزب، التي ما زال بعضها مرتبطًا به أو حتى يقيم مثله فيها.

ثامنًا: على الرغم من تأبين الكثيرين لحزبي العمل وميرتس قبل الانتخابات، فلقد نجحت قيادات الحزبين الجديدة باجتياز عتبة الحسم. هنالك اختلاف بين مفاهيم الحزبين التقليدية لا سيما فيما يتعلق بمسألة انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية ومسألة حقوقنا القومية والمدنية كمواطني في الدولة ولسوف نتطرق لاهمية وجودها في المستقبل .

تاسعًا: لن تجعل قيادات الأحزاب اليمينية والدينية الصهيونية حياة الحركة الاسلامية سهلة وذلك رغم ما أشاعه رئيسها عباس من رسائل مطمئنة ومواقف غزل مع نتنياهو وغيره؛ ولئن شعر قادة الحركة لوهلة ان سموتريتش وأمثاله اقرب عليهم من هوروفيتس، رئيس حزب ميرتس، والنائب عايدة توما ورفاقها، سيكتشفون، في أول مواجهة عقائدية قريبة، ان كونك "محافظًا" اسلاميًا لا يكفي كي تصبح حليفَ محافظٍ صهيوني عنصري ومتدين، رآك ويراك كعربي وكفلسطيني وكمسلم شيطانًا وعدوًا ومخربًا ؛ فقد يعادل نصرهم، في حسابات التاريخ، هزيمة .

عاشرًا: اثبتت تجارب من مروا بمثل حالاتنا أن الاصلاحات السياسية لن تحدث من داخل أطر حزبية متهالكة ومسيطر عليها من قبل قيادات ترفض الاقرار بهزيمتها وبفشلها، وعليه، وفي سبيل مواجهة الخطر المتجسد أمامنا، يتوجب علينا ايجاد المخارج والحلول فهل ستعادل الهزيمة نصرًا ؟