تحذير لإسرائيل من مصير أوكرانيا وحرب الإستنزاف الطويلة

تحذير لإسرائيل من مصير أوكرانيا وحرب الإستنزاف الطويلة

تحذير لإسرائيل من مصير أوكرانيا وحرب الإستنزاف الطويلة

بقلم: نداف ايال/ يديعوت أحرنوت

امس جاءت اخبار من أوكرانيا: قوة صغيرة نسبيا من ناحية الف مقاتل انطلقت الى هجوم او حملة محدودة في الأراضي الروسية. في الصور المشوشة التي وصلت من ميدان المعركة، بدا مئات الجنود الروسي يستسلمون امام الاوكرانيين، في الأراضي الروسية، على مسافة غير بعيدة عن مدينة هامة.

التسلل الصغير الى روسيا لن يغير الوضع الاستراتيجي للاوكرانيين: فهم يتآكلون واحيانا ينسحبون امام التفوق الاستراتيجي لموسكو. وانتهت أقاول المجد عن طرد سريع لكل جندي روسي، حتى الغازي الأخير. حرب الاستنزاف تتواصل، بلا انقطاع، في داخل الخنادق وخارجها. كما انقضت أيضا الأزمنة التي كانت الحرب الأوكرانية تتلق فيها اهتماما اعلى من وسائل الاعلام العالمية ومن النخبة الثقافية في الغرب. اما اليوم فكل العيون تتجه الى الشرق الأوسط، الى إسرائيل، لبنان وايران.

غير أن أوكرانيا تبقى تشكل شارة تحذير لامعة لما يمكن أن يحصل، وفي واقع الامر يحصل لنا منذ الان: حرب تبدأ كحدث مميز، مركز التقارير والخطاب العالمي، وتصبح رويدا رويدا مستنقع استنزاف. مستنقع يقتل الناس فيه ويقتلون الآخرين، وبكميات. ومثلما يعرف الجميع من شأنها أن تخرج عن السيطرة. في الحالة الأوكرانية لدرجة استخدام السلاح النووي. ورغم ذلك احد لا يعرف كيف ستحل هذه العقدة، وقلة يحاولون التنبؤ.

لاكثر من عشرة اشهر في حرب 7 أكتوبر، وحرب إسرائيل في المنطقة – ضد حماس، حزب الله، ايران ووكلائها – تبدو اقل كحملة سريعة للحسم واكثر مثل الحرب الاوكرانية – الروسية. وهذا هو جوهر الخلاف الأساس والعميق جدا بين بنيامين نتنياهو وبين قادة جهاز الامن. فهم يتبنون نهجا استراتيجيا معاكسا تماما للعنصر الأساسي جدا في الشرق الأوسط – الزمن. نتنياهو مقتنع بان الزمن سيكون في صالحه وفي صالح إسرائيل. في صالحه لان الاستطلاعات تتحسن، والذاكرة تبهت. القصور يبتعد. في صالح إسرائيل، لانه امام القوة الهائلة التي تستخدمها، وفي ظل الاستخبارات الفائقة التي تحت تصرفها، فان دول ومنظمات الإرهاب لن تتمكن من الصمود على مدى الزمن.

نتنياهو بالطبع مسؤول عن القصور. فقد وثق بالعدو وبالتسويات معه وأظهر غطرسة عديمة الأساس تجاه حماس. هو نيفيل تشامبرلين، لكنه اقنع نفسه، قبل سنوات عديدة بانه وينستون تشرتشل. ولهذا فان الموقف المصمم، عديم التنازل والنجاة بكل ثمن يعتبر في نظره كزبدة الزعامة في وقت الحرب. لكن تشرتشل مارس تفكرا واقعيا تماما؛ فقد راهن على دخول الولايات المتحدة الى الحرب لتساعده في الحاق الهزيمة بألمانيا النازية. نظرة واقعية، يقول يوآف غالنت، هرتسي هليفي، رونين بار وكل باقي جهاز الامن تستوجب في هذه اللحظة صفقة. وبأسرع وقت ممكن. ليس فقط، بل وربما أساسا، إعادة المخطوفين. لان عنصر الزمن لا يعمل في صالحنا. ومثلما قال لي محفل بارز في الليكود قبل نحو عشرة أيام: الحقيقة هي ان غادي آيزنكوت كان محقا. هو الذي حذرنا من اننا اذا لم نقبل الاقتراحات التي تقدمت بها حماس في مؤتمر باريس الثاني، مثلا، فاننا سنعرض عليهم اقتراحات افضل لاحقا. وضعنا لن يتحسن. هو يعرف. وآيزنكوت كان الوحيد المحق”. هذه هي الفجوة بين قادة جهاز الامن وبين نتنياهو: هذا ليس لانهم يعرفون بان الزمن يعمل في غير صالحنا. هم يعتقدون بانه توجد إمكانية واقعية كهذه. ان تنجرف إسرائيل الى معركة استنزاف لا تنتهي، بينما تتآكل قواها، وتوجد علاقاتها مع الولايات المتحدة في الحد الأقصى. والمجتمع الإسرائيلي متوتر حتى النهاية واقتصادها يتعثر. حتى من أجل إمكانية الا يكون الزمن يعمل في صالحنا – كما يقول قادة جهاز الامن – سِر نحو صفقة الان.

كما نشرت قبل بضعة أيام، ضغطهم وضغط الرئيس بايدن اعطى مؤشراته؛ رئيس الوزراء بعث بالمفاوضين الإسرائيليين مع رد هوائي تماما لحماس. والان ينتظرون. جون كيربي الناطق بلسان مجلس الامن القومي في البيت الأبيض الذي نقل عنه امس كان محقا جدا: الصفقة قريبة. لكني افترض بان الاقتباسات نبعت من سبب آخر، عملي أكثر: إشارة الى المنطقة بأنه يوجد مسار خروج من دوامة النار، الموت والدمار التي بانتظار الشرق الأوسط اذا لم يصحُ. هذه هي النقطة في محور الزمن. بانتظار الصفقة، بانتظار الحرب، بانتظار كلتيهما. امس تحدث معي زميل صحافي، من دولة عربية. كان قلقا ومشغول البال. “عندكم توجد ملاجيء، اما نحن فبلا ملاجيء”. لم يعتقد بانه يوجد سبيل يخرج نصرالله من هدف التصعيد ويده هي العليا. هذه ليست حرب لبنان الثانية، هو يقول، هذه حرب لبنان الاولى. وهذه انتهت، كما يذكر، باحتلال إسرائيلي كل الطريق الى بيروت. بالاجمال، لإسرائيل توجد تجربة جيدة مع فترات الانتظار. الانتظار الحالي، ممزق الاعصاب، الرهيب، يذكر بذاك الذي قبل حرب الأيام الستة؛ الناس خافوا في حينه من الإبادة التامة للدولة. قبل ذلك كان الانتظار لاجتياح الجيوش العربية في 1948. ما يميز مثل هذه الفترات هي ان المنظومات الإسرائيلية تتوتر حتى آخر حدود قدرتها. وهي لا يفترض أن تتفاجأ. فهي توجد كل الوقت على مسافة خطوة من ضربة مضادة.

استراتيجيا، هذه ليست المسألة على الاطلاق. المسألة هي الرد الإسرائيلي على الهجوم ضدها. القرارات الإسرائيلية في الأيام القادمة ستنشأ عن مدى الإصابات المحتملة اذا ما أتت ضربة حزب الله/ ايران. تلك التي لا تزال غامضة، ويبدو انها ستقع في الزمن القريب حقا. طوفان الأقصى، هذه رؤيا يحيى السنوار الكبرى، أمنيته. انقضاض إقليمي لا ينتهي على إسرائيل – الى أن تتفكك من الداخل.

هذه الرؤيا ستتشوش من خلال احباط مكثف لهجمات محور المقاومة. كسر جيش حماس في غزة وقتل زعمائها، الإبقاء على محور الدول المعتدلة العربية، تطبيع وخلق بديل لنظام حماس في قطاع غزة. اختبار الاستراتيجية هو الإبقاء عليها ليس عندما يكون هذا سهلا، بل عندما يكون صعبا. الاختبار سيكون في الأيام القادمة.