قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية

قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية

قمة الرياض ومصير القضية الفلسطينية

الكاتب: د. دلال صائب عريقات ‏
تشكل قمة الرياض لحظة فارقة في اختبار جدية الموقف العربي بشأن القضية الفلسطينية، ومدى قدرته على ترجمة رفضه للتهجير إلى خطوات فعلية وملزمة. ومع ذلك، فإن غياب التمثيل الفلسطيني عن الاجتماع، يثير تساؤلات جوهرية حول كيفية صناعة القرار بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، في ظل غياب أصحابها عن طاولة النقاش. إن هذا الغياب لا يعكس فقط تهميشًا سياسيًا، بل يطرح احتمالات بشأن وجود ترتيبات تُصاغ خارج الإطار الفلسطيني التقليدي. 
منذ السبعينات واعتراف جامعة الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، لم يحدث أن يلتقي الأخوة العرب لنقاش مصير القضية الفلسطينية دون تمثيل م. ت. ف.
يبدو أن الدول العربية تحاول، عبر هذه القمة، إيجاد صيغة توازن بين موقفها الرافض للتهجير، وسعيها لتجنب صدام مباشر مع الإدارة الأمريكية. فمع الضغوط المتزايدة، سواء من إسرائيل أو دونالد ترامب، تجد الدول العربية نفسها أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على خطابها الداعم للفلسطينيين، وبين التكيف مع الواقع السياسي الذي تفرضه واشنطن. يشير غياب الفلسطينيين عن القمة إلى احتمال أن تكون هناك ترتيبات تُناقش فيما يتعلق بمرحلة "اليوم التالي" في غزة، دون مشاركة السلطة الفلسطينية أو القوى الفاعلة على الأرض، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل الوضع الفلسطيني وفق أجندات خارجية.
ومن بين الأمور المحتمل مناقشتها في هذا السياق، مسألة عدم دمج حماس في أي إطار مستقبلي لإدارة غزة، وما إذا كان سيتم تشكيل لجنة إسناد مجتمعي من غزة لتولي مهام إدارية بديلة. كما يُثار تساؤل حول الجهة التي ستتولى تمويل هذه الترتيبات، وأية ضمانات يمكن تقديمها خاصة في ظل التجارب السابقة في غزة والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي أحبطت العديد من المبادرات. إضافة لنقاش الملف الأمني واحتمالية قيام جهة أوروبية-إماراتية بحفظ الأمن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية. هذه القضايا الحساسة تتطلب وضوحًا في الرؤية والتزامًا حقيقيًا لضمان عدم فرض حلول غير قابلة للاستدامة.
تقود المملكة السعودية جهود تقريب المواقف العربية، لتبديد المخاوف من أن تؤدي هذه التطورات إلى تبني حلول تتجاوز الفلسطينيين، سواء من خلال فرض ترتيبات أمنية جديدة تشمل قوات عربية أو دولية، أو عبر تقديم مقترحات تستند إلى رؤية أمريكية-إسرائيلية تهدف إلى إعادة هيكلة الإدارة في غزة والضفة الغربية، ما قد يصل لحد فصل غزة إدارياً على هيئة دولة غزة. في هذا السياق، يبقى السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت الدول العربية مستعدة لاتخاذ موقف مستقل وحازم أمام إدارة ترامب، التي طالما وظفت "الدبلوماسية القسرية" للضغط على الفلسطينيين والعرب، بهدف دفعهم نحو تقديم تنازلات سياسية تمهيدًا لإنهاء القضية الفلسطينية وفق منظور إسرائيلي يقوم على المماطلة وشراء الوقت لاستكمال لمشروع الكولونيالي.
المواقف العربية نجحت في الحد من خطر التهجير القسري ضد الفلسطينيين، إلا أن عمليات التهجير التدريجي ما زالت مستمرة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات عملية ومستدامة للتصدي لها خاصة فيما يحصل في الضفة الغربية، ومحاولة فرض أمر واقع جديد، يتمثل في توسيع المستوطنات الإسرائيلية، وتدمير البنية التحتية، وخلق ظروف معيشية قاسية تدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية غير المعلنة، وهذا يتطلب الانتقال من المواقف الرافضة للتهجير إلى سياسات عملية وملزمة تتجاوز البيانات السياسية إلى خطوات تنفيذية واضحة تحول دون إعادة إنتاج سيناريوهات التهجير. 
تحاول الدول العربية تقديم رؤية بديلة للإدارة الأمريكية، تتضمن خطة متكاملة لمرحلة "اليوم التالي" في غزة، بما يضمن تجنب مخاطر التهجير والضم، وإفشال مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي يهدد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. لذلك، يتعين على الفلسطينيين التعاون والتنسيق مع الدول العربية للرد على تصريحات ترامب، عبر طرح مبادرة متكاملة تضمن استكمال تبادل الأسرى واستدامة صفقة وقف إطلاق النار، وذلك من خلال تبني إطار سياسي واضح يشمل قيام دولة فلسطينية مستقلة وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. إن غياب مثل هذا البديل سيفرض الأمر الواقع بالاحتلال والأبارتهايد الذي تترجمه حكومة نتنياهو على الأرض. 
إن مسؤولية القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة تتطلب إعادة تقييم قوة تمثيلها وجدواها بالانتقال بالفلسطينيين من مرحلة الاحتلال للاستقلال وهذا يتطلب حوار صريح وطني يقدم طرح عملي وملموس يعكس رؤية سياسية شاملة، انطلاقا من الوضع الراهن المتمثل بفصل غزة من جهة وبالاستيطان والضم وإعادة انتشار جيش الاحتلال في مناطق (ج) و(ب) و(أ)


Share: