هآرتس: ايران تصدر إشارات بأنها لن تهاجم اسرائيل بالمدى القريب
هآرتس: ايران تصدر إشارات بأنها لن تهاجم اسرائيل بالمدى القريب
بقلم: تسفي برئيل
“لقد فحصنا جميع التأثيرات المحتملة، ولن نسمح لنتنياهو الذي يغرق في المستنقع بإنقاذ نفسه. رد إيران سيكون محسوباً جداً”، قال محسن رضائي، القائد الأسبق لحرس الثورة الإيراني، في مقابلة مع “سي.إن.إن”. وثمة نغمة مشابهة أسمعها علي محمد نعيمي، المتحدث بلسان حرس الثورة، عندما قال: “الوقت في صالحنا، وفترة الانتظار لردنا قد تطول”. هذه التصريحات والفترة التي مرت منذ اغتيال هنية، غذت تقديرات الغرب، التي بحسبها إيران لا تنوي مهاجمة إسرائيل في القريب.
لا خلاف بأن استعراض القوة الأمريكي، بإضافة حاملة طائرات وسفن وصواريخ التي حولت البحر المتوسط إلى قاعدة مؤقتة، وتحذيرات الرئيس الأمريكي بايدن، هي المركب الجوهري الذي أثر على تحليل “النتائج المحتملة” التي تحدث عنها رضائي.
يضاف إلى ذلك الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي مارسها البيت الأبيض بواسطة عدد من دول المنطقة، منها قطر والسعودية وسلطنة عمان وتركيا والإمارات، التي لكل منها وزن ثقيل على خطوات اتخاذ القرارات في إيران. هذه الدول هي الأهداف لاستراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية التي تطمح إلى وضع نفسها وكأنها “صديقة البيئة” المحيطة بها، وأنها لا تشكل أي خطر على جيرانها.
هذه هي سياسة المرشد الأعلى علي خامنئي التي ركز الرئيس إبراهيم رئيسي على تطبيقها. عنيت إيران بتوضيح أن استراتيجيتها لم تتغير حتى بعد هجوم الصواريخ والمسيرات ضد إسرائيل في نيسان، الذي جاء رداً على اغتيال زاهدي. وقد عرضت في حينه هذا الهجوم الذي أبلغت عنه جيرانها والولايات المتحدة مسبقاً كـ “رد محسوب”، لا يهدف إلى إشعال حرب إقليمية، وأوضحت بأنها تستند إلى “الحق الشرعي” في الدفاع عن سيادتها، حيث جرى تصفية زاهدي في مبنى تابع للسفارة الإيرانية في دمشق، الذي يعتبر مثل أي سفارة جزءاً من أراضي الدولة.
يبدو أن الشرعية التي خدمت إيران في نيسان ما زالت سارية المفعول، وحتى ربما بشكل أكبر، فيما يتعلق باغتيال هنية في طهران. الفرق أنه خلافاً لـ “المقدمة المعتدلة” التي نشرتها إيران قبل هجوم نيسان، وتأطير الحدث بأنه محدود ومتزن وأنه لمرة واحدة، فقد ولدت هذه المرة تصريحات أولية خلقت انطباعاً بأن إيران مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء، وحتى مواجهة احتمالية تطور حرب إقليمية ستضعها في مواجهة مباشرة مع أمريكا. وقد ساهم في ذلك بالأساس الخطاب العدائي لخامنئي.
“لا يجب الخوف من الحرب النفسية التي يقوم بها الصهاينة والولايات المتحدة ضد إيران. فهدفها هو التخويف وإجبار إيران على التراجع في عدة جبهات، وازدياد قوة العدو”، قال خامنئي الأسبوع الماضي في احتفال بذكرى ضحايا الحرب بين إيران والعراق. هكذا، خلال عشرات السنين، أظهرت إيران استعداداً للوقوف ضد تهديدات وضغوط دولية كبيرة حتى عندما اعتبر موقفها “غير منطقي” ويناقض لمصالحها. ولكن بنفس المستوى، أثبتت أنه عندما يتغلب اعتبار الفائدة على اعتبار التكلفة، فإنها تفضل تبني الاستراتيجية البراغماتية.
في أيار 2003، بعد فترة قصيرة على الغزو الأمريكي للعراق، عندما خشيت إيران من أن تكون الهدف القادم للقوات الأمريكية، تم نشر بأن جهات في حكومة محمد خاتمي نقلت للرئيس جورج بوش اقتراحاً يقول بأن إيران ستكشف بشفافية عن مشروعها النووي، وأنها ستتوقف عن مساعدة حزب الله وحماس مقابل التزام أمريكا بأمنها واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها. الرئيس بوش لم يرد على هذا الاقتراح، الذي حسب التقارير في حينه، حصل على مصادقة خامنئي. تم تجميد المشروع النووي لفترة، ولكنه استؤنف لاحقاً.
مرت عشر سنوات على فرض العقوبات الشديدة منذ ذلك الحين، إلى أن استأنفت إيران المفاوضات حول المشروع النووي. ومرت سنتان أخريان إلى حين وقعت عليه بمصادقة كاملة من خامنئي الذي صك في حينه مفهوم “مرونة بطولية”. وحسب قوله، فإن المرونة حيوية عند الحاجة من أجل مصالح الدولة. وأسئلة مثل ماذا كان سيحدث لو استأنفت الولايات المتحدة العلاقات مع إيران في 2003 أو أن الرئيس ترامب لم يختر الانسحاب من الاتفاق النووي في العام 2018؟ هي أسئلة جيدة ربما للانتقاد السياسي أو مادة للأدب الخيالي، لكنها ليست ذات صلة بالتعامل مع الواقع الذي تطور نتيجة الانعطافة نحو الخروج غير الصحيح من التاريخ.
بعد مرور ست سنوات على تجميد الاتفاق النووي وتخفيف “الضغط بالحد الأقصى” الذي استخدمه الرئيس ترامب والرئيس بايدن، فإن إيران تحتفظ باليورانيوم المخصب بمستوى “عملياتي”، يمكنها من إنتاج القنبلة النووية في فترة زمنية قصيرة، حسب عدد من التقديرات، بضعة أسابيع أو شهرين. عقب قرار ترامب، حصلت إيران على ضربة اقتصادية كبيرة، لكنها لم تنهر. وهي الآن تصدر نفطاً أكثر، بحدود المليون ونصف المليون برميل يومياً مقابل 400 ألف برميل في نهاية 2018. قدرتها التكنولوجية، على الأقل في المجال العسكري، قد تتطور. فمن دولة زبونة لروسيا، أصبحت دولة مصدرة للسلاح والصواريخ والمسيرات لروسيا ودول أخرى.
لكن هناك فجوة كبيرة تفصل بين قدرة الدولة على تطوير تكنولوجيا مثيرة وتحقيق الأرباح من تصدير المسيرات لروسيا (تكلفة إنتاج المسيرة في إيران من نوع شاهد 136 تتراوح بين 20 – 50 ألف دولار، لكن تباع لروسيا بحوالي 190 ألف دولار)، وتصدير النفط للصين، وبين تغطية احتياجاتها الاقتصادية. تقرير صندوق النقد الدولي في نيسان، قدر أن إيران تحتاج إلى سعر 121 دولاراً لبرميل النفط لحفاظ على ميزانية متزنة. يبلغ ثمن برميل النفط هذا الأسبوع 79 دولاراً، وربما يهبط. إضافة إلى ذلك، وحسب تقرير لوكالة “رويترز”، فإن إيران تعطي الصين تخفيضاً بـ 13 دولاراً للبرميل، وفرصة إيران لسد هذه الفجوة متدنية، إلا إذا حدثت فجأة أزمة نفط عالمية.
البنك المركزي في إيران نشر بأن إجمالي ديون حكومة إيران والشركات المتفرعة عنها للبنوك تبلغ الآن 118 مليار دولار، أكثر 4 مليارات من السنة الماضية. العلاج في إيران هو الاقتراض من صندوق التطوير الوطني، الذي قد يستخدم كصندوق في حالة الطوارئ، والذي حظر على الحكومة الاقتراض منه في السابق. من غير المعروف كم هي الأموال التي تراكمت في هذا الصندوق، لكن حسب تقارير إيرانية، كانت الحكومة اقترضت منه حوالي 100 مليار دولار. الوسيلة الثانية التي تستخدمها إيران بشكل مبالغ فيه هي طباعة النقود، وهي خطوة أغرقت السوق بالريالات التي فقدت قيمتها بشكل دراماتيكي وأدت إلى تضخم وصل رسمياً إلى 42 في المئة، الذي لا يعكس الارتفاع الكبير للأسعار. تقرير البنك الدولي الذي نشر في حزيران قدر بأن النمو في هذه السنة سيبلغ 3.2 في المئة فقط مقابل 5 في المئة في السنة الماضية، وفي السنة القادمة سيبلغ 2.7 في المئة.
في هذا الأسبوع، حصل بزشكيان على إنجاز استثنائي عندما صادق البرلمان في إيران على جميع المرشحين الـ 19 لشغل الحقائب الوزارية في حكومته. بزشكيان الذي تنافس في الانتخابات كممثل عن الإصلاحيين، أثار في السابق غضباً كبيراً في أوساط مؤيديه بسبب تشكيلة الوزراء التي عرضها، وبسبب إظهار إخلاصه المطلق لخامنئي. في هذا الأسبوع، أثار أيضاً عاصفة في أوساط المحافظين بعد أن كشف بأنه قبل عرض قائمة الوزراء على البرلمان، كان قد عرضها على خامنئي للمصادقة عليها. المحافظون اعتبره نية خبيثة لإشراك خامنئي بالمسؤولية عن أي عملية تنفذها الحكومة في المستقبل. ولكن دعم خامنئي حيوي إذا نوى بزشكيان تنفيذ وعده بترميم الاقتصاد في إيران وإجراء إصلاحات تمس بجيب حرس الثورة الذي يسيطر على أكثر من نصف الاقتصاد في إيران.
لا يريد بزشكيان تكرار خطأ روحاني الذي واجه حرس الثورة بصورة منهجية، ثم وجد نفسه في مواجهة مع خامنئي. الدعم المسبق من خامنئي سيضمن على الأقل في المدى القريب، إزالة عدة ألغام، بالأساس أمام البرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون. قد يكون بزشكيان الرئيس الأخير الذي يخضع لسلطة خامنئي، وبالتالي سيكون هو المسؤول عن تشكيل إرث الزعيم الأعلى ومستقبل الدولة بعد ذهابه.
حسب بعض التقارير، توسل بزشكيان لخامنئي بأن لا يهاجم إسرائيل؛ كي لا يصعب عليه ولايته وكي لا يدخل الدولة إلى عاصفة اقتصادية لا يمكن توقع نهايتها. وإذا كانت محادثة الإقناع هذه قد حدثت، فيمكن التقدير بأن الرئيس عرض على خامنئي النتائج المحتملة لمثل هذه الحرب على إرثه، وربما ذكره بنتائج الحرب بين إيران والعراق التي شارك فيها. هذه الاعتبارات كانت الكابح المنطقي للامتناع عن الحرب الشاملة التي رافقت إيران منذ بداية الحرب في غزة. ولكن يصعب الآن قياس وزن الإهانة والتطلع إلى الانتقام كعامل يوجه قرارات إيران. ومن الجدير التطرق إلى الانتقام كهدف لن تتنازل إيران عنه، في الزمان والمكان المناسبين.
في هذه الأثناء، الوقت في صالح إيران، كما قال المتحدث بلسان حرس الثورة. وللوقت أهمية استراتيجية.