هآرتس: الإسرائيليون يأخذون على محمل الجد تهديدات إيران وحزب الله

هآرتس: الإسرائيليون يأخذون على محمل الجد تهديدات إيران وحزب الله

هآرتس: الإسرائيليون يأخذون على محمل الجد تهديدات إيران وحزب الله

بقلم عاموس هرئيل

الشوارع إلى تل أبيب أخذت تفرغ في الصباح من السيارات كلما تقدم الأسبوع من نهايته. ولأن عدداً قليلاً من الإسرائيليين سافروا إلى الخارج، في ظل الحرب، وعلى فرض أن الناس لا يبقون مستيقظين حتى ساعة متأخرة للاحتفال بالنصر المطلق، فقد بدا السبب واضحاً. الجمهور الإسرائيلي يأخذ على محمل الجد تهديدات إيران وحزب الله لتنفيذ هجوم بالصواريخ والمسيرات على الجبهة الداخلية رداً على الاغتيالات في بيروت وطهران.

مثلما في تصعيدات سابقة، خلال الحرب وقبلها، يبدو أن أعداء إسرائيل يبذلون جهوداً معينة لإظهار نواياهم، وإن كانت غير كبيرة. خامنئي، وأكثر منه حتى حسن نصر الله، أطلقا تهديدات مفصلة جداً. قد يكون رد لمحور إيران على اغتيال شكر من حزب الله في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحماس هنية في طهران. هذا الرد سيوجه أيضاً إلى أهداف في الجبهة الداخلية، في مركز البلاد وفي الشمال. ربما تدعو التحذيرات المضادة لإسرائيل وجهود التهدئة الأمريكية كلاً من إيران وحزب الله والحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق إلى محاولة تقليص المس بالأهداف المدنية.

من المرجح أن يكون الهجوم ضد أهداف عسكرية وأمنية، لكنها قرب التجمعات السكانية بصورة ترسل أيضاً رسالة تهديد وأيضاً زيادة الخطر في إصابة مدنيين. باختصار، الإيرانيون وحسن نصر الله، يسيرون هنا على الحافة. يعملون بشكل شديد جداً، بالأساس الكثير من المصابين المدنيين، ما سيؤدي إلى رد شديد من إسرائيل، وإيصال الشرق الأوسط على بعد خطوة عن الحرب الشاملة.

هذا حسب ما يمكننا تقديره الآن، ليس هو هدف إيران أو حزب الله. في الخطابات العلنية، هذه الأمور قيلت بشكل صريح تقريباً. خامنئي وحسن نصر الله وغيرهم يحرصون على التلميح بأنهم لا يخافون من المواجهة الشاملة، لكنهم في الوقت نفسه يوضحون بأنهم غير معنيين بهذه المواجهة. اعتبارات إيران واضحة جداً، حتى لو ظن النظام الإيراني أن باستطاعته تدمير إسرائيل، فالحديث يدور عن عملية تدريجية، قد تحدث على مدى سنين كنوع من حرب الاستنزاف. ومن المهم لإيران حتى الآن الحفاظ على قناة حوار نشطة مع أمريكا للدفاع عن مشروعها النووي وإبقاء نفسها في موقع الانطلاق لتحقيق قدرة نووية عسكرية كاملة.

في الطرف الثاني، يتخيل رئيس الحكومة نتنياهو منذ سنوات أوهاماً على تدهور يجعل الأمريكيين يعالجون المشكلة رقم 1 لإسرائيل- المشروع النووي الإيراني. في حين أن السنوار الذي بدأ الأزمة الحالية بمذبحة 7 تشرين الأول، تغريه إمكانية حدوث حرب بين المحور الإيراني وإسرائيل، وهو الهدف الذي لم ينجح في تحقيقه في الهجوم على غلاف غزة لأن شركاءه في المحور تفاجأوا وترددوا وقرروا عدم الانضمام إليه في نهاية المطاف.

نجاح المحور مرهون أيضاً بجودة جهود الدفاع الإسرائيلية. حسب بيانات الجيش الإسرائيلي، فقد أُطلق على الجبهة الداخلية منذ بداية الحرب حوالي 21.500 صاروخ، ثلثها من لبنان وسوريا، والثلثان من قطاع غزة (عدد قليل من الصواريخ أطلق من العراق). قتل نحو 40 إسرائيلياً في هذه الهجمات، أي أن نسبة القتل 1 لكل 500 صاروخ تقريباً. في الهجوم السابق لإيران في نيسان، أطلق أكثر من 300 صاروخ ومسيرة، وقتلت مواطنة واحدة، وهي طفلة بدوية أصيبت إصابة بالغة في النقب، بسبب الشظايا.

لكن التحدي أصعب في هذه المرة. فترسانة حزب الله كبيرة ودقيقة وفتاكة أكثر من التي لدى حماس، وهو أقرب للجبهة الداخلية في إسرائيل من صواريخ إيران، بصورة تبقي وقتاً قصيراً نسبياً للإنذار. أحد الحلول الذي يتم فحصه هو نوع من الوضع الوسط في الجبهة الداخلية: إصدار تعليمات عامة للسكان، تعدهم لاحتمالية سقوط الصواريخ وصفارات إنذار في المدى الزمني القريب. في هذه الأثناء، لم يتخذ قرار نهائي حول ذلك.

المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي أجرى أول أمس مقابلة مع قناة “العربية”، التي تبث من الإمارات وتمتلكها السعودية، قال فيها: “عندما قتلنا فؤاد شكر في بيته في بيروت أثبتنا التصميم. عملية الاغتيال كانت رداً على قتل الـ 12 طفلاً في مجدل شمس في الجولان بسبب صاروخ أطلقه حزب الله. أثبتنا أننا لن نكون متزنين في الرد إذا أصيب مدنيون. لن نتحمل أي مس بالمدنيين. حسن نصر الله يجر كل المنطقة إلى حافة الحرب”.

ترغب هيئة الأركان في إصلاح ما اعتبر بالنسبة لهم خطأ بصرياً: إسرائيل ليست في حالة استعداد لتلقي الضرب. في الفترة الأخيرة، هاجم سلاح الجو لبنان وغزة وأحياناً الضفة الغربية. إلى جانب تعزيز الدفاع، هناك استعداد كبير لهجوم مضاد، منذ اللحظة التي ستطلق فيها الصواريخ الأولى. أي خطأ في الحسابات، لدى إيران أو لبنان، أو في حالة إصابة صاروخ يوقع عدداً كبيراً من المصابين قد يواجه برد شديد جداً، مع استعراض قوة تدميرية كالتي وهدت في قطاع غزة.

لم تقدم إسرائيل أي تفاصيل عن التعاون مع الأمريكيين أو مع دول غربية أخرى، بل تصمت عندما يدور الحديث عن تنسيق دفاعي مع الدول العربية. ولكن من الواضح أن المنظومة التي تم نشرها هنا قد تتنافس باحترام مع ما حدث قبل الهجوم في نيسان، وأن الاستعدادات في هذه المرة هي لاحتمالية هجوم أشد. مع ذلك، من الواضح أيضاً أن الدفاع ليس كاملاً، وعدد المصابين مرهون بالصورة التي سيرد فيها المواطنون على تعليمات الحماية التي يصدرها الجيش الإسرائيلي.

       مشروع الدقة

في انتظار سقوط فردة الحذاء الثانية، كدنا ننسى المخطوفين. يركز جهاز الأمن ووسائل الإعلام والجمهور على التصعيد المتوقع في الشمال. الحرب في قطاع غزة سارت في الفترة الأخيرة على نار هادئة نسبياً، وتثير القليل من الاهتمام ما لم تقع إصابات لإسرائيليين. بخصوص المخطوفين، يصعب الدفع قدماً بالاتصالات الصبورة والطويلة في وقت يحدث هجوم بحجم جديد ضد الجبهة الداخلية. ولكن بعد ذلك، تم استئناف الحوار حول المخطوفين، من الجهتين المتوقعتين، جهاز الأمن الإسرائيلي والأمريكيين، وهما الجهتان الأساسيتان اللتان تريدان الصفقة. الإدارة الأمريكية نثرت تفاؤلاً بخصوص احتمالية المضي بصفقة في تسريبات لوسائل الإعلام في واشنطن، وبعد ذلك بتصريحات رسمية. جهات إسرائيلية رفيعة ادعت بأن عملية اغتيال هنية بالذات أزاحت العائق من أمام الصفقة. وأنه سيكون بالإمكان قريباً استئناف المفاوضات وتسريعها.

عملياً، للأسف الشديد، لا طريقة لوصف الأمور بشكل إيجابي، رغم الجهود الواضحة. لن يتغير شيء أساسي حاسم في موقف نتنياهو. بعد عشرة أشهر، يمكن الحديث عما يسمى في الاقتصاد التفضيل الواضح لرئيس الحكومة: هو غير مستعد لتقديم التنازلات المطلوبة للتوصل إلى صفقة، ما دامت هذه التنازلات تعرض استقرار الائتلاف للخطر. وشركاؤه في اليمين المتطرف -حزب “قوة يهودية” وحزب “الصهيونية الدينية”- لا يظهرون أي إشارة على المرونة، بالأساس عندما تتضمن المرحلة الأولى من الصفقة إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين مقابل كل مخطوف إسرائيلي.

الأمل المعتدل للتقدم الذي سمع في واشنطن مشمول كما يبدو في رد نتنياهو الأخير للوسطاء. يطمح الأمريكيون لمتسع مرونة لديه. عملياً، يبدو أن رئيس الحكومة قد غير تكتيكه وليس استراتيجيته. إذا تعمد في الأشهر الأخيرة إفشال أي تقدم، بطلبات متشددة أمام حماس، ثم نشرها علناً، فإنه يعمل الآن بصورة أكثر دقة وذكاء. رده شمل طلبات مثل “التدقيق” في صيغة الاتفاق. وجاء في مسودة الاتفاق أنه لن يسمح بانتقال مسلحين وأعضاء من حماس إلى شمال القطاع عبر ممر نتساريم. يريد نتنياهو تفصيل الآلية التي تضمن ذلك. وقيل إن إسرائيل ستنسحب في المرحلة الأولى من المناطق المأهولة في القطاع. يقول نتنياهو إن محور فيلادلفيا غير مأهول، ولذلك لا سبب للانسحاب من المحور على الحدود مع مصر.

سؤال آخر يتعلق برسالة الضمانات. في البداية حماس هي التي طلبت ذلك. والآن رئيس الحكومة يطلب ضمانات أمنية تعطي إسرائيل ضمانة بأنه في حال فشلت المفاوضات بعد تطبيق المرحلة الأولى، ستعود إسرائيل لاستئناف القتال. هذا طلب قد يدمر الاتفاق في ذروته، وحماس (التي تعتبر الاتفاق نقطة خروج من الحرب والتي ستضمن بقاءها في القطاع) تعارض ذلك.

القوى التي تريد تشويه الديمقراطية الإسرائيلية تواجه بعوائق ومعارضة (في هذا الأسبوع حققوا فشلاً في قضية عزل المديرة العامة في أخبار 13)، لكن التوجه والطموحات واضحة جداً.

في كل الحالات، يبدو أن محاولات السيطرة على الشرطة، وهي معركة أمام جهاز القضاء، وتشريع منحاز للقناة 14، تظهر أن نتنياهو وشركاءه مستمرون في أهدافهم. ما زالت رؤيا الكابوس التي تجمع بين حرب استنزاف أبدية ونظام مستبد يحد من نشاطات المعارضة ويقلص من الحقوق المدنية، سارية المفعول. ربما يكون التقدم أسهل عندما يكون الجمهور غارقاً في قلقه من الوضع الأمني.