كيف سيقف العالم معكم وأنتم تذبحون الأبرياء بلا رحمة في غزة؟

كيف سيقف العالم معكم وأنتم تذبحون الأبرياء بلا رحمة في غزة؟

كيف سيقف العالم معكم وأنتم تذبحون الأبرياء بلا رحمة في غزة؟

بقلم: جدعون ليفي/هآرتس

عندما يتحدث الإسرائيلي عن مذبحة فهو يتحدث عن 7 تشرين الأول، فقط 7 تشرين الأول. مفهوم “مذبحة” سيطر على الخطاب، وهو الآن كلمة مرادفة لهجوم 7 أكتوبر. هذا واضح، كانت مذبحة، واحدة فقط، ولن يكون غيرها ولا يوجد غيرها حتى الآن. أما الكارثة، خلافاً لذلك، فكانت واحدة ووحيدة. وحقوق من اخترعوا هذا المفهوم محفوظة حصرياً للشعب اليهودي ودولة إسرائيل إلى أبد الآبدين، وليس لأرمينيا أو رواندا. وإذا حدثت، لا سمح الله، كارثة لشعب آخر فإن حقوق الاختراع تبقى لنا. لا كارثة إلا كارثة اليهود، ولا مذبحة إلا مذبحة الإسرائيليين

لكن في الوقت الذي عرضت فيه الكارثة شيطنة غير مسبوقة، سواء بالنسبة لتخطيطها أو أبعاد قتلها، فإن الحديث عن مذبحة 7 أكتوبر كمذبحة وحيدة في المحيط، إنما هو إشارة أخرى على انقطاع إسرائيل عن الواقع، والتفكير بأن الدم اليهودي هو المهم، وعلى غسل الأدمغة وتبييض الجرائم وإقصاء مذبحة الآخر الأكبر منها في غزة ونفي كارثتها.

كل شخص في العالم الآن يتحدث عن المذبحة، باستثناء رجال الدعاية الإسرائيلية، يقصد ما تفعله إسرائيل في غزة. تقريباً كل شخص في إسرائيل يعتبر استخدام كلمة “مذبحة” بخصوص غزة مظهراً من مظاهر اللاسامية. اليهود لا ينفذون المذابح أبداً؛ هم الضحايا دائماً. أحياناً عندما أسمع الإسرائيليين يتحدثون ويذكرون المذبحة، يغريني التفكير في أنهم فتحوا عيونهم أخيراً، وأنهم يقصدون ما نفعله في غزة. أين؟ خيبة الأمل دائماً فورية تقريباً.

في 7 تشرين الأول حدثت مذبحة فظيعة بالطبع، ويجب عدم نفي ذلك. إسرائيل أوقفت الساعة منذ ذلك الحين، وهي لا تتوقف عن التمرغ فيها صبح مساء، إلى درجة أنها لا تستطيع ملاحظة ما يحدث منذ ذلك الحين، وبعد ذلك حدثت مذبحة أكبر بسبعة أضعاف، إذا لم يكن أكثر. ليس في هذا ما يقلل من شدة مذبحة 7 تشرين الأول ووحشيتها.

لكن التسعة أشهر بعد ذلك جعلت غزة مسلخاً مع خطوط إنتاج للقتل الجماعي. وأصبح غلاف غزة صورة آخذة في النسيان. لم يعد يوم يمر بدون عشرات القتلى الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال. الحد الأدنى الأخلاقي هو الاعتراف بوجود هذه المذبحة. يمكن تبريرها وعرضها على أنها شر لا بد منه، هناك عدد غير قليل من الأشخاص المسرورين منها ويأملون المزيد من الذبح، لكن عدم الاعتراف بوجودها هو الكذب المقرف.

من كثرة نفي الواقع، ترفض إسرائيل الاعتراف بالأمرين: الصدمة والانفعال من 7 تشرين الأول، والانفعال مما تفعله إسرائيل منذ ذلك الحين. هكذا يتصرف كل عاقل. إسرائيل تخشى من أن اعتبار أفعالها في غزة مذبحة قد تخفف الأفعال الفظيعة في 7 تشرين الأول ونسيانها.

في الحقيقة، هذا بالضبط ما حدث في العالم. فبسبب المذبحة الثانية، الأكبر بكثير من حيث حجمها والتي لا تقل وحشية عن سابقتها، هذا إذا كان يمكن المقارنة بين وحشية ووحشية، فإن ذكرى المذبحة الأولى أصبحت ضبابية، إلى درجة أنها نسيت. هذا ليس لاسامية، هذه هي الأبعاد. هذا سفك دماء مستمر على يد دولة قوية انطلقت إلى حملة انتقام ضد سكان أبرياء، الذين خرج من بينهم من نفذوا المذبحة ضدها. ولكن أي مذبحة لا تبرر مذبحة أخرى. متى سنفهم ذلك.

يصعب أن أتحدث أمام العالم الآن عن 7 تشرين الأول، وعن القتلى، وحتى عن المخطوفين. بعد 40 ألف قتيل تقريباً في غزة، منهم 8 آلاف طفل، وآلاف الفلسطينيين الذين اختطفتهم إسرائيل، فإنه يصعب إثارة التعاطف، الذي رافق إسرائيل في الأيام الأولى والذي محته بيدها من خلال أفعالها. من غير الصعب فهم ذلك.

يجب النظر من الخارج، من وراء غلاف الدعاية الإسرائيلية اللزج، في الأيام الأكثر إهانة وخجلاً في تاريخها. غزة مدمرة، وسكانها معوزون، وإسرائيل مستمرة في ذبحهم بدون رحمة. عندما يقولون كلمة “مذبحة” في تموز 2024 فهم يقصدون ذلك بالضبط. الآن فقط أصبحوا يقصدون ذلك.