أمجد النجار في مذكراته: 13 يوما أمام مستشفى "بيرسي" الفرنسي مع محبي ياسر عرفات من مختلف الجنسيات

أمجد النجار في مذكراته: 13 يوما أمام مستشفى "بيرسي" الفرنسي مع محبي ياسر عرفات من مختلف الجنسيات

أمجد النجار في مذكراته: 13 يوما أمام مستشفى "بيرسي" الفرنسي مع محبي ياسر عرفات من مختلف الجنسيات

الخليل- "ان ابو عمار آخر زعيم تاريخي عظيم على هذا الكوكب نتمنى له الشفاء والعودة لاستكمال مشواره النضالي" هذا ما كتبه، الكاتب الفرنسي "هيرفي مراد"، خلال تواجد ابو عمار في المستشفى العسكري "بيرسي" في فرنسا في العام 2004.

يقول أمجد النجار مدير عام العلاقات العامة والاعلام في نادي الاسير الفلسطيني في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الساعة بالضبط كنت موجودا على أبواب مستشفى "بيرسي" العسكري التابع لوزارة الدفاع الفرنسية الواقع في مدينة "كلامار" في الضواحي الغربية القريبة من العاصمة باريس، وعندما وصلت الى هناك وذلك بتاريخ 29/10/2004، وهذا تاريخ لا ينسى حيث وصل قائدنا وزعيم ثورتنا الشهيد الرمز ابو عمار الى مطار "فيلا كوبليه" ".

وأضاف النجار ": كان مشهداً لايمكن لكل كتاب العالم ان يصفوه وجدت الالاف من محبي ابو عمار ومن جميع الجنسيات عربية واوروبية ومن امريكا اللاتينية، جاءوا فقط لوضع وردة وكتابة كلمة على جدران مستشفى "بيرسي" وكان الجو باردا ودرجة الحرارة تحت الصفر وثلوج وامطار غزيرة والمئات من رجال الامن الفرنسي والمئات من فضائيات العالم نصبت سيارت البث الخاصة بها لمتابعة الوضع الصحي لزعيمنا الحبيب ياسر عرفات".

يقول النجار في مذكراته عن ذلك اليوم:" مر من امامنا اخر الديغوليين "جاك شيراك" الرئيس الفرنسي الذي جاء للاطمئنان على صحة ابو عمار برفقة رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك "جان بيار رافران" و وزير الخارجية "ميشيل بانييه" ووزير الخارجية الفلسطيني آنذاك نبيل شعث والاخ ناصر القدوة حيث كان يشغل منصب ممثل فلسطين في الامم المتحدة وابن شقيقة ابو عمار وسفيرة فلسطين في فرنسا ليلى شهيد، وهناك التقيت بالكثير من محبي ابو عمار وكانت مشاعر مختلطة والكل يتمنى الشفاء لقائدنا الحبيب ابو عمار رمز ثورتنا ورمز كرامتنا وقائدنا".

وتابع النجار": التقيت مع الكتاب الكبير الفرنسي "هيرفي مراد" وكان معه ابنه الصغير الذي احضره معه خصيصا ليتعرف على ابو عمار وكان يحمل ورودا حمراء وقال كلمته لاحد الصحفيين وكنا نجلس بجانب المستشفى في مقهى ممتلئ بمئات الصحفيين: ان ابو عمار آخر زعيم تاريخي عظيم على هذا الكوكب نتمنى له الشفاء والعودة لاستكمال مشواره النضالي ..

وعند الساعة الرابعة وثلاث دقائق فجرا، كان البرد قاتلا، جاءنا الخبر المؤلم برحيل آخر الزعماء التاريخيين انه ابو عمار وبكينا هناك مع الالاف امام مستشفى بيرسي، ورحل ابو عمار رجلاً يختصر قضية، وقضية تختصر رجلاً، فحياته خصبة حافلة صنعها بفكره وفعله وقلبه، وسخرها لنفع وطنه وأمته، وأعماله وفيرة لا تتسع الصحائف الكثيرة لاستقصائها".

شيّع في 3 قارات

وتحرك الموكب فجر ذاك اليوم المؤلم باتجاه  قاعدة فيلاكوبلاي العسكرية الفرنسية غرب باريس  حيث جرت مراسم وداع رسمية لجثمان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قبيل نقله إلى القاهرة ووسط جو غائم تقدم ستة من عناصر الحرس الجمهوري من المروحية العسكرية التي نقلت الجثمان من المستشفى، وحملوا النعش الذي لف بعلم فلسطيني إلى طائرة أقلته إلى القاهرة. وشارك في مراسم الوداع رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران.

وهناك كان لي الشرف ان القيت كلمة باسم الشعب الفلسطيني وبدأتها بكلمات الشاعر الكبير محمود درويش (ياسر شفته ببيروت... الموت يشد وهو يشد... الموت يشد وهو يشد... مين مات! مات الموت )) ومر من امامي الموكب وجثمان القائد على اكتاف الحرس الجمهوري الفرنسي.

بعض المشاهد امام المستشفى

نواب شيوعيون من كلامار وامين عام الحركة ضد العنصرية ومن اجل الصداقة بين الشعوب مولود عونيت تجمعوا امام المستشفى وجلسنا على مدار ثلاثة عشر يوما.

وقفت بجانب الطالبة ناجيت (18 عاماً) وهي تغالب دموعها : انهم يقفون وحدهم . . الفلسطينيون وعرفات وسألتها لماذا حضرتي الى هنا فقالت لي حدثني قلبي بضرورة الحضور فجئت إلى هنا.

وكتبت صحيفة الهيمانتيه" الفرنسية ياسر عرفات :سبارتاكوس الاحرار في العالم.

وقالت فاطمة باهيا التي كانت تتشح بالكوفية الفلسطينية: هو أب بالنسبة لنا وللمغاربة وللعالم الإسلامي والعربي.

وقالت شيرين وهي جزائرية وقد اتشحت بالكوفية وبالعلم الفلسطيني : سيعيش ان شاء الله. لديه قلب قوي وصلب.

أبو عمار، روايه كتبها التاريخ وهو النسخه الأولى والاخيره ولن يتكرر مثلها، فهو الأب والمعلم والقائد والانسان وهو اسطورة هذا الزمان..، من منا لا يعرف ذلك الأسد .. وتلك الكوفيه و علامة النصر، ولن انسى في حياتي ذلك الموكب الذي تحرك من امام مستشفى "بيرسي" ويقدر بمئات السيارات التي تحمل صورته وعلم فلسطين متجهة الى قاعدة "فيلا كوبلاي" العسكرية حيث قامت مروحية فرنسية بنقله الى هناك ووصلنا في حوالي الساعة العاشرة صباحا الى القاعدة العسكرية في المطار وفي اجواء مهيبة تعكس المكانة الرفيعة لقائد ثورتنا ياسر عرفات حمل نعشه ملفوفا بالعلم الفلسطيني ومجموعة من الحرس الجمهوري الفرنسي الذين لايحملون في العادة الى جثامين رؤوساء الدولة الفرنسية وزعمائها الكبار لينقل الى جمهورية مصر العربية ليكون ابو عمار أول زعيم عالمي يشيع في ثلاثة عواصم عالمية".

ولا أجد ما أختم به إلا قول الشاعر محمود درويش في رثاء عرفات: كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة، إلى واقع تأسيسها المتعثر؛ لكن للأبطال التراجيديين قدراً يشاكسهم، ويتربص بخطواتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة بعمر من الشقاء والتضحية، لأن الزارع في الحقول الوعرة لا يكون دائماً هو الحاصد، ابو عمار كطائر الفينيق الذي خرج من الموت والحصار أكثر من مرة ليزداد بالقضية الفلسطينية تألقا ووهجا على الصعيد الدولي، ورقما صعبا وضع فلسطين على خريطة العالم اسما وهوية وحضورا وحقوقا.

وفى الذكرى الثامنة  عشر، نجدد البيعة للقائد الشهيد ياسرعرفات وابو جهاد وابو اياد والشيخ الشهيد احمد ياسين وجورج حبش وابو علي مصطفى  وكل الشرفاء والشهداء والاسرى (الشهداء مع وقف التنفيذ) كما وصفهم الشهيد عرفات.وسنبقى سائرون على نفس الدرب ان شاء الله ..درب الحرية والاستقلال ..درب القدس و الثورة وكلنا فدائا لفلسطين.

من كلمات أبوعمار المحفورة فى أذهان الشعب الفلسطينى والشباب العربى تدرى أنك أمام ثائر حقيقى لم تنسه مقابلات فخامة زعماء العالم والرؤساء بؤس مخيمات يسكن فيها أبناء شعبه إذ هو القائل: «يريدوننى إما قتيلاً وإما أسيراً وإما طريداً، ولكن أقول لهم: شهيداً...شهيداً...شهيداً».

يتيقن لك بعد قراءة الكلمات التى نطق بها خلال حياته أن الرجل عاش ومات لهدف معين ولقضية محددة دفع فى سبيلها الغالى والنفيس حتى مات على العهد الذى كان بينه وبينه شعبه.

«أبوعمار» رجل عاش من أجل أبواب القدس وساحاتها وكنائسها ومآذنها وشعبها، كان مؤمنا تماما بفكرة أن حق فلسطين المغتصب لن يعيده إلا أبناء الشعب الفلسطينى وحدهم دون غيرهم، وأن الدعم المقدم لهم من الآخرين ما هو إلا دعم لا يترقى لأبعد من ذلك.

«على القدس رايحين شهداء بالملايين».. هذا الشعار الذى كان ومازال يزلزل أرجاء فلسطين، أول من نطق به هو «أبوعمار» وزرعه فى نفوس أبناء الشعب الفلسطينى والعربى، ينطق به أطفال فلسطين ويملأون بها الشوارع ضجيجا بصراخهم وصخبهم بصدورهم السلمية أمام جحافل قوات الاحتلال.

إذا رأيت المشاهد التى تملأ الأراضى الفلسطينية فى ذكرى وفاة «أبوعمار» تعرف مكانة هذا الرجل عند كل فلسطينى وعربى وثورى، إذ يخرج أبناء المدارس فى المخيم والمناطق المجاورة عن بكرة أبيهم فى تذكر عفوى أو تلقائى لياسر عرفات، ويتذكرون يوم رحيله كما يتذكرون أسماءهم وأسماء آبائهم وأجدادهم، يحفظون شعاراته وكلماته الوطنية كما يحفظون تواريخ ميلادهم وأسماء أشقائهم، يعرفون ملامح ياسر عرفات كما يحفظ أحدهم ملامح أبناء أسرته.

لكل شبر فى فلسطين ولكل فلسطينى حكايته الخاصة والخالصة مع ياسر عرفات الذى بعث فى نفوس أبناء شعبه شعورا وطنيا خالصا، ويكفى أن تعرف أن الفلسطينيين يجلسون فى الشوارع والأزقة يتهامسون عن حياة الرجل بكل تفاصيلها وكأنهم يستحضرون الحاضر الغائب «أبوعمار»، كما أن التلاميذ فى فلسطين يتذكرون ويستعيدون مشهد أبوعمار وهو يدخل مدرستهم فجأة يربت على أكتافهم، ثم يخطو بثقة وبيقين الحالم أمامهم ويكتب بالطباشير على السبورة «فلسطين عربية» و«القدس عربية».. كلمات مقدسة كان عرفات يختصر فيها كل مناهج التعليم فى فلسطين والعالم العربى، ليكرس فى أبناء شعبه جيلا بعد جيل أن تحرير فلسطين حق وتحرير القدس حق عربى خالص لله وللوطن.


Share: