الأرض تودع احدى عاشقاتها وغارسات زيتونها

الأرض تودع احدى عاشقاتها وغارسات زيتونها

بقلم: د.عدنان ملحم

ودعت الأرض اليوم، إحدى عاشقاتها المخلصات الرائعات الصابرات، الحاجة صفية إبراهيم أحمد موسى " ام نصفت "81 عاماً، من قرية دير بلوط في محافظة سلفيت، بعدما تسلل الألم والوجع، وفيروس الكورونا إلى دواخلها، فأوقف قلبها عن الخفقان، وأنفاسها عن السفر في مسارات الحياة الملونة .

أسرد أمامكم قصتها الرائعة، مع أشجار الزيتون التي اقتلعها "المستعمرون" من أرضها الوادعة الجالسة على سفوح جبال قريتها الجميلة دير بلوط

ألف شجرة زيتون خضراء، اقتلعها "المستعمرون"، زرعتها وأولادي في منطقة خلة العبهر، وأرضنا الجبلية الصعبة، الواقعة على مسافة بعيدة من قرية دير بلوط، ثم نقلناها على أكتافنا وظهور الحيوانات، وكان أطفالي يعودون من مدارسهم إلى هذه الأرض مباشرة، ترافقهم كتبهم ودفاترهم وأقلامهم وأحلامهم، وبعد أن يقتاتوا طعامهم المتوفر، وكانوا يشمرون عن سواعدهم اليانعة، ويقومون بغرس أشجار الزيتون في مهاجعها، وسقيناها دمنا وعرقنا وتعبنا، وحملنا الماء لها، على ظهور الحمير، لتشرب وترفع رؤوسها عالياً.

كيف لا أبكيها، وهي كأولادي؟ كيف لا يتقطع قلبي على اقتلاعها وتكسير جذورها، وكل ورقة من أشجارها نمت وكبرت أمام عيوني؟ العام الفائت كان أول مواسمها، أول ضحكتها، أول بلوغها عمر العطاء .

جاء "المستعمرون " الجدد من تلك الحصون المشيدة على أرضنا المصادرة، وفي ظلمة الليل، اقتلعوا أشجاري الوادعة، وقذفوا بأغصانها في كل مكان .

تخاطب ولدها فتقول:" يا ولدي، أرضنا لن نتركها، لن نغادرها، لن نتخلى عنها، تمنيت لو في العمر متسع من الوقت، لأعود ازرعها من جديد، وإذا مت، فسيقوم أولادي وأحفادي بذلك."

وداعاً سيدتي الجميلة الأنيقة، وداعاً أيقونة الصبر والوفاء والبساطة والانتماء، وداعاً أم نصفت، لمثلك تخفق القلوب، وتنهمر الدموع، وترفع القبعات عالياً، وداعاً جداً."

 


Share: