من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة

من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة

من التغريد إلى التأثير .. كيف تصنع المقاطعة الرقمية مقاومة شعبية فعالة 
بقلم: مريم شومان

في عصر تتحكم فيه التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا اليومية؛ باتت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحا شعبيا قويا يتم توظيفه في معارك سياسية واقتصادية واجتماعية وبينما كانت التغريدات والمنشورات مجرد أدوات للتعبير الفردي أصبحت اليوم منصات التواصل الاجتماعي أدوات للتأثير وساحة للمقاومة الشعبية السلمية.

وفي ظل تصاعد الدعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الداعمة للاحتلال؛ تبرز الحملات الرقمية كأداة مؤثرة قادرة على حشد الجماهير وتوحيد الصفوف ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المرتبطة به، لكن كيف يمكن أن تتحول هذه التغريدات إلى أفعال ملموسة تصنع تأثيرا حقيقيا ً؟ وكيف يمكن للمقاطعة الرقمية أن تشكل مقاومة فعالة تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية؟

 

القوة الناعمة للمقاطعة الرقمية

تعتمد المقاطعة الرقمية على توظيف مختلف المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وانستجرام وتيكتوك وإكس وغيرها، لإطلاق حملات منظمة تهدف إلى مقاطعة منتجات أو خدمات أو شركات أو كيانات تتهم بالإضرار بالشعوب والمجتمعات أو القيم الأخلاقية، وتتميز هذه الحملات بسهولة انتشارها وسرعة تأثيرها مما يجعلها وسيلة مثالية لتحقيق أهداف شعبية دون الحاجة إلى موارد كبيرة.

كما تمثل المقاطعة الرقمية أحد أبرز أشكال القوة الناعمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تستخدم هذه الأداة لتشكيل وعي عالمي ضد سياسات الاحتلال وممارساته، ومن خلال الحملات الرقمية؛ يمكن توصيل الرسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي بشكل سريع وفعال إلى ملايين المستخدمين حول العالم مما يسهم في بناء رأي عام داعم للقضية الفلسطينية وضاغط على الحكومات والشركات المتواطئة، كما تعمل المقاطعة الرقمية على تعزيز سردية الشعب الفلسطيني وإبراز معاناتهم في مواجهة الرواية الإسرائيلية بأساليب إبداعية تجذب تعاطف الأفراد والمجتمعات ما يفتح الباب لتوسيع شبكات التضامن وإحداث تغييرات ملموسة في السلوك السياسي والاقتصادي.

وتأتي قوة الشبكات الاجتماعية في أنها أصبحت أدوات ضغط قوية في يد الجماهير إذ تتيح هذه المنصات للأفراد العاديين أن يتحدوا وينظموا وأن يُسمعوا أصواتهم للعالم بأسره، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التفاعل يمكن لحملة منظمة أن تصل إلى ملايين المستخدمين في غضون ساعات قليلة.

 

قوة التغريدات في التغيير

اليوم وفي ظل الهيمنة الرقمية على مختلف مناحي حياتنا؛ باتت التغريدات أداة تعبير قوية تتجاوز حدود الكلمات، وإلى حد كبير؛ أثبتت الحملات الرقمية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والمنتجات الداعمة قدرتها على تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحات نضال فعّالة، وبكلمات بسيطة وأفكار ملهمة تصنع التغريدات حراكا جماهيريا يسلط الضوء على عدالة القضية الفلسطينية ويحرك الرأي العام نحو اتخاذ مواقف مؤثرة تساهم في تحقيق التغيير المطلوب.

لا يُستهان بقوة التغريدات والمنشورات الفردية في إطلاق الشرارة الأولى لأي حملة، بحيث انه في حال يتم العمل على دعم هذه التغريدات بتفاعل جماعي وتضامن شعبي تتحول إلى تيار لا يمكن تجاهله، كما أن التأثير يتضاعف عندما ينخرط في الحملة شخصيات عامة وصناع قرار يدعمون القضية الفلسطينية.

إن النجاح في المقاطعة الرقمية لا يتوقف على مشاركة تغريدة أو منشور، بل يعتمد على استراتيجيات مدروسة تترجم التفاعل الرقمي إلى واقع ملموس عبر اتباع استراتيجيات أساسية من أهمها؛ أولا: تشكيل الوعي الجماهيري إذ يحتاج المستخدمون إلى معلومات دقيقة ومصادر موثوقة لفهم تأثير الشركات أو المنتجات الداعمة للاحتلال وتأتي هنا أهمية النشطاء والمؤسسات في نشر حقائق موثقة وحملات تثقيفية.

ثانيا: التنظيم والتنسيق؛ بحيث أن العمل الجماعي عبر منصات التواصل الاجتماعي يعزز من فعالية هذه الحملات، كما أن التعاون بين النشطاء والمؤثرين والمجموعات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الضغط على المستهدفين.

ثالثا: التأثير الاقتصادي؛ فالمقاطعة الرقمية تُترجم إلى انخفاض أرباح الشركات المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي – سواء الشركات الإسرائيلية أو الشركات العالمية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي- من خلال حملات مقاطعة منتجاتها، مما يدفعها إلى إعادة النظر في سياساتها.

رابعا: التفاعل مع الجمهور؛ يعد التفاعل مع الجمهور عنصرا محوريا في نجاح الحملات الرقمية للمقاطعة، إذ أنه ومن خلال الاستماع للجمهور والتجاوب مع استفساراتهم، يمكن للحملات بناء مصداقية وثقة أكبر ما يعزز انتشار رسالتها، كما يتيح التفاعل تحليل ردود الفعل وتحديد أكثر الأساليب تأثيرا، سواء عبر النقاشات البناءة أو مشاركة القصص والمعلومات المدعومة بالأدلة، بالإضافة إلى ذلك، يعد التفاعل وسيلة لتحفيز الأفراد وتحويلهم إلى سفراء للحملة، ينقلون رسالتها بطرق إبداعية وشخصية لتصل إلى جمهور أوسع.

خامسا: الضغط الإعلامي والدولي؛ فهو يلعب دورًا أساسيًا في تعزيز تأثير الحملات الرقمية للمقاطعة، حيث يسهم في تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المرتبطة بهذه المنتجات ونقلها إلى الساحة العالمية،  ومن خلال استثمار وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، يمكن للحملات كسب دعم مؤسسات حقوق الإنسان، وتحفيز الحكومات والجهات الدولية لاتخاذ مواقف رسمية، كما يعزز الضغط الإعلامي نشر الرسائل على نطاق واسع، مما يُصعّد التحدي أمام الشركات المستهدفة ويدفعها لمراجعة سياساتها.

 

الطريق نحو مقاومة رقمية فعالة

المقاطعة الرقمية ليست بديلا عن أشكال النضال التقليدية، لكنها أداة تكميلية قوية قادرة على إحداث تغيير فعليّ، فمن خلال توحيد الجهود واستمرار الضغط الشعبي يمكن لهذه الاستراتيجية أن تُحدث تأثيرا ً حقيقيا ً يتجاوز التغريدات ويصل إلى صُلب ركائز القضية الفلسطينية سياسيا وإنسانيا وحقوقيا.

ويوما عن يوم؛ تثبت المقاطعة الرقمية أنها ليست مجرد فعل رمزي، بل أداة فعالة يمكنها إحداث تأثير كبير إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح، من خلال نشر الوعي، وتوحيد الجهود، والابتكار في أساليب الترويج، مما يمكّنها أن تصبح جزءًا أساسيًا من النضال الفلسطيني المشروع لتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال. 

ومن هنا؛ يمكن القول أن المفتاح يكمن في تحويل الوعي الرقمي إلى عمل ميداني منظم ومستدام، في واحدة من أشكال النضال السلمي الشعبي عن طريق التحرر وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذه دعوة لكل فرد لاستخدام صوته الرقمي كسلاح في معركتنا نحو الحرية والكرامة والحصول على حقوقنا المشروعة.