أسيل عواد: رحلة قلبٍ فلسطيني من أعالي القمم إلى سهول الوطن
في عالم المغامرات والسفر، تبرز الشابة الفلسطينية أسيل عواد كرمزٍ للإلهام والتحدي.
تبلغ أسيل من العمر 31 عامًا وتحمل الجنسية الأردنية، وتعيش حاليًا في دبي، لكنها تحمل في قلبها فلسطين وعشقها للمغامرات.
أسيل ليست مغامرة عادية، فهي رياضية متعددة المواهب؛ متسلقة جبال، فارسة، غواصة، وسفيرة للتحدي، فهي تعيش تجاربها مع الطبيعة، وتسافر لاكتشاف الجمال والاختلاف حول العالم.
رحلتها في المغامرات بدأت بدافع الفضول وحب الاستكشاف، لتصبح واحدة من النساء الرائدات في مجال المغامرات والسفر في المنطقة، وصولاً إلى تتأسيس شركتها "Aseel Adventures" المختصة بتنظيم الرحلات والمغامرات.
تقول أسيل: "بدأت رحلتي في مجال السفر والمغامرات بدافع الفضول وحب الاستكشاف. اكتشفت أن العالم مليء بأشياء لا يمكن لأي كتاب أن يعلمني إياها إذا لم أجربها بنفسي".
وأضافت: "من خلال سفري، تعلمت الكثير عن الشعوب والثقافات المختلفة، واكتشفت الطبيعة بعمق، حتى أصبح السفر جزءًا لا يتجزأ من حياتي. وكما قال ابن بطوطة: 'السفر يتركك بلا كلمات ثم يحولك إلى راوي لقصص لا تنتهي'."
شغف التسلق واكتشاف الطبيعة
أسيل لم تكن مغامرة تقليدية؛ سعت لاختبار حدودها الجسدية والنفسية، وحققت إنجازات بارزة في تسلق القمم العالية.
من بين هذه الإنجازات، تسلق قمة "آيلاند بيك" التي ترتفع 6189 مترًا فوق مستوى سطح البحر، وهي تجربة علّمتها عدم الاستسلام رغم الظروف الصعبة.
تقول أسيل: "كان الأكسجين أقل بنسبة 60%، مما جعل الحركة بطيئة وثقيلة، لكن الوصول إلى القمة كان شعورًا لا يوصف. أثبت لي أنني قادرة على تجاوز أي تحدٍ مهما كان صعبًا."
وأضافت: "الطبيعة بالنسبة لي هي مصدر الراحة النفسية. عندما أعود للطبيعة، أشعر بأنني أعود إلى ذاتي. أستطيع التفكير بوضوح، واتخاذ قرارات أكثر حكمة وسط هدوء الطبيعة."
حب الفروسية
بدأت قصة أسيل مع الخيل خلال نشاطاتها التطوعية في الأردن، حيث كانت تهدف إلى منح الأطفال الأيتام تجربة مميزة تختلف عما اعتادوه. تقول: "أردت أن أقدم لهم شيئًا يظل في ذاكرتهم ويؤثر في حياتهم."
تواصلت مع إسطبل خيول محلي في الأردن، وأتاحت للأطفال فرصة تعلم ركوب الخيل. من هنا اكتشفت شغفًا جديدًا، أصبح جزءًا أساسيًا من حياتها.
تقول أسيل: "ركوب الخيل كان تجربة ملهمة، شعرت فيها بالقوة والحرية. هذه الرياضة جعلتني أرى أفضل نسخة من نفسي."
انتقلت أسيل إلى دبي حيث تابعت تدريباتها وواجهت تحديًا خاصًا مع حصان يدعى "سبيريت". تقول عنه: "كان خائفًا جدًا ويهرب من أي شيء. مهمتي كانت تهدئته، وبصبر، تمكنت من تحسين حالته تدريجيًا حتى أصبح هادئًا وسهل الركوب."
تعتبر أسيل الفروسية وسيلة للتفاعل مع ثقافات البلدان التي تزورها. تقول: "لا أعتبر أنني استكشفت بلدًا جديدًا إلا إذا ركبت فيه خيلًا. فأنا أرى أن تجربة ركوب الخيل تكشف لي روح المكان."
حلم الطفولة بزيارة فلسطين
"زيارة فلسطين كانت حلم الطفولة الأكبر. لو سألتني عن أعظم أحلامي، لكانت دائمًا في المرتبة الأولى." بهذه الكلمات بدأت أسيل عواد حديثها عن علاقتها العميقة بفلسطين.
تقول أسيل: "اكتسبت من جدتي كل الثقافة والتاريخ؛ من المأكولات واللباس إلى اللهجة والكلمات الفلسطينية. كانت تحكي لي قصصًا عن قريتها 'إشوع'، وعن أراضينا التي سلبها الاحتلال."
كان حلم أسيل بزيارة فلسطين راسخًا بداخلها، إلى أن تلقت دعوة من المجلس الأعلى للشباب والرياضة في فلسطين للمشاركة في ماراثون فلسطين الدولي الذي يهدف لتسليط الضوء على حق الفلسطينيين في حرية الحركة.
تقول: "لم أتمالك نفسي من الفرح عندما تلقيت الخبر. سأتمكن أخيرًا من دخول فلسطين."
عند وصولها، انتابتها مشاعر متناقضة. "كان الأمر أشبه بشخص يسرق سيارتك ثم يأخذك بجولة فيها؛ تشعر بالفرح لأنك داخلها، لكنك تدرك أنها قد لا تعود إليك."
هذا المزيج من الفرح والحزن جعل أسيل أكثر إصرارًا على إيصال رسالتها، أرادت أن تظهر للعالم حقيقة ما يعيشه الفلسطينيون يوميًا تحت الاحتلال. "رأيت كيف يعاني الفلسطينيون في كل جانب من جوانب حياتهم، حتى الأمور البسيطة مثل حقهم في التعليم أو العيش بسلام."
على الرغم من المعاناة، حرصت أسيل على إبراز جمال فلسطين خلال زيارتها، حيث زارت عدة مدن فلسطينية. "تحدثت عن قصصها وأراضيها في كل مدينة استطعت زيارتها، لأوضح للناس لماذا فلسطين تحديدًا تعرضت لهذا السلب."
وقالت أسيل عن زيارتها لفلسطين التي استمرت لمدة شهر: "كانت هذه المرة الأولى التي أكون فيها في بلد أشعر بالانتماء له في كل تفاصيله؛ في اللغة، الطعام، والتاريخ. شعرت أن كل شيء هناك قريب مني ويشبهني."
وعلى الرغم من قصر رحلتها، يبقى حلم العودة جزءًا من حياتها، حيث قالت: "أتمنى أن أعيش مغامرات جديدة في فلسطين، فهذا حلم لا يفارقني أبدًا. أتمنى أن أعود يومًا ما فلا شيء يعادل قيمة الأرض والوطن. مهما سافرنا وتنقلنا، لا شيء يمكن أن يعوض مكان أرضنا."
وأكدت أسيل التزامها المستمر برفع علم فلسطين، متعهدة بأن تظل تذكر العالم بحق الشعب الفلسطيني في أرضه. "شعرت بمسؤولية أكبر لأظل أرفع علم بلادي، وأذكّر العالم أن فلسطين ما زالت موجودة، وأننا لا يمكن أن نغفر أو ننسى حقنا فيها."
الانفتاح وتحدي الصعاب
واجهت أسيل العديد من التحديات لتحقيق أحلامها، من بينها التحديات المادية في بداية مسيرتها. "أكبر التحديات كانت في البداية مادية، حيث كان علي تغطية تكاليف السفر. لكنني تمكنت من تجاوز ذلك بابتكار مصادر دخل متعددة."
أسست شركتها في الإمارات، وكانت أول فتاة عربية تؤسس شركة مغامرات هناك. تقول: "أعتز بمكانتي كأول فتاة عربية تؤسس شركة مغامرات في الإمارات، وأسعى لتقديم تجارب فريدة للزوار."
تسعى أسيل من خلال منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تقديم محتوى ملهم. "أفخر بأنني قادرة على تقديم محتوى هادف، وأعمل على إلهام الآخرين لاستكشاف ذواتهم وتجربة أشياء جديدة."
رسالة أسيل للشباب
وجهت أسيل رسالتها بشكل خاص إلى النساء الفلسطينيات، مشجعة إياهن على السعي لتحقيق أحلامهن. "رسالتي إلى الشباب الفلسطينيين، خاصة النساء، هي ألا تدعن أي شيء يعيقكن. الشخص الوحيد الذي يمكنه تحديد ما إذا كنت ستصلين إلى هدفك هو أنتِ وليس المجتمع."
وتؤكد على أهمية الثقة بالنفس والعزيمة في تحقيق الطموحات. "ثقي بنفسك ولا تستسلمي، وستصلين طالما لديكِ العزيمة والاستمرارية."
أما عن خطط أسيل المستقبلية، فهي تتطلع إلى استكشاف العالم من خلال ركوب الخيل. "أخطط لاستكشاف دول جديدة على ظهر الخيل، وتسليط الضوء على أنواع مختلفة من رياضات الفروسية التي قد تكون غير معروفة في العالم العربي."