الناخبون بجنوب افريقيا يعاقبون الحزب الحاكم ويجبرونه على التحاور مع المعارضة

خبر24- فقد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي احتكاره السياسي في جنوب أفريقيا، بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات العامة حصوله على نحو 40 بالمئة فقط من الأصوات، دون تحقيق الأغلبية المطلقة لأول مرة منذ إسقاط سياسة الفصل العنصري قبل 30 عاما، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
ومنذ أول انتخابات ديمقراطية لجميع الأعراق في أبريل عام 1994، كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على رأس السلطة، حيث أنهت هذه الانتخابات رسميا نظام الفصل العنصري.
ولا يزال الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا يتفوق على منافسيه، لكنه تراجع كثيرا عن نسبة التأييد عند 58 بالمئة من الأصوات التي فاز بها في انتخابات عام 2019، في ظل ما تواجهه البلاد من معدلات بطالة هي الأعلى في العالم، ونقص الكهرباء والمياه وتفشي الجريمة، وفق الصحيفة.
ويشير "الانخفاض الصادم" في نسبة التأييد لأقدم حركة تحرر في أفريقيا، وفق الصحيفة، إلى اتجاه واحدة من أكثر البلدان استقرارا في القارة وأكبر اقتصاد فيها، نحو "مسار غير مستقر وغير واضح".
وقالت "نيويورك تايمز" إن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي ارتقى إلى الشهرة الدولية على كاهل المناضل نيلسون مانديلا، "سيضطر الآن إلى تكوين حكومة في غضون أسبوعين بالتعاون مع حزب أو أكثر من الأحزاب المنافسة التي انتقدها بأنها فاسدة وأقسمت عدم التحالف معه".
ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين في المؤتمر الوطني الأفريقي، ماروبين راموكجوبا، قوله: "أنا فعلا مصدوم. لقد فتح ما حدث أعيننا لنقول، انظروا، نحن نفتقد شيئا ما، في مكان ما".
ووفق الصحيفة، يواجه الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوسا، الذي يقود الحزب، تهديدا خطيرا لطموحه بتولي فترة ولاية ثانية، حيث سيضطر إلى البحث عن حلفاء.
ومن المتوقع أن يلقي المنتقدون باللوم في هذا التعثر على رامافوسا، كما قد يحاولون استبداله، ربما بنائبه بول ماشاتيل، حسب ذات الصحيفة.
ودون الأغلبية المطلقة، لم يعد بإمكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن يختار رئيسا للبلاد، الذي يتم انتخابه من قبل الجمعية الوطنية المكونة من 400 عضو.
ويرى محلل البيانات في منظمة "Good Governance Africa"، برانيش ديساي، أن جنوب أفريقيا "ستمر بمشاكل مع دخولها هذا العصر. وقد يكون بعضها مهما، لكن الناخبين قرروا أنهم يريدون ذلك".
ويقلب هذا "المأزق" المشهد السياسي في جنوب أفريقيا رأسا على عقب، ويضع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عند نقطة انعطاف، وفق "نيويورك تايمز"، التي تشير إلى أن "الأحزاب الصغيرة لن تساعد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في الحفاظ على هيمنته، وسيتعين عليه التعاون مع بعض الأحزاب الكبرى التي لطالما تبادل معها الانتقادات خلال الحملة الانتخابية".
ويبرز الرئيس السابق جاكوب زوما بوصفه أكبر منتصر في الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا، حيث أن حزبه المنشق الجديد "أومكونتو وي سيزوي" (إم كيه) تحقق مكاسب كبيرة على حساب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في البلاد.
فقد احتل حزب زوما المركز الثالث بنسبة 15% تقريبا من الأصوات، خلف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي حصل على نحو 40% من الأصوات وحزب المعارضة الرئيسي، التحالف الديمقراطي (21%).
وترسم الأصوات -التي تم فرزها حتى الآن- صورة واضحة لفوز حزب زوما بأجزاء من الدعم التقليدي لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في معاقله. وبالإضافة إلى كوازولو ناتال وكيب الغربية ، حيث بدا أن الحزب الديمقراطي مستعد للعودة إلى السلطة بأغلبية واضحة، فقد تعرض حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أيضا لضربة قوية في مقاطعة جوتنغ، حيث لا يتمتع بأغلبية كبيرة.
و يحتاج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي -للمرة الأولى منذ 30 عاما- إلى مناشدة بعض أحزاب المعارضة لدعمه في حكومة ائتلافية وطنية إذا كان يريد البقاء في السلطة، وسيتعين عليه أيضا أن يفعل الشيء نفسه للبقاء في السلطة في مقاطعات مثل جوتنغ. وقال المحلل سيزوي مبوفو والش إن هذه النتائج تشير إلى "انتهاء هيمنة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. هناك قدر كبير من الأمل، كما ينبغي أن يكون هناك خوف. الناس قلقون وغير متأكدين مما سيحدث"، وأضاف أنه "سيفتح آفاقا جديدة للتغيير وسبلا جديدة للمساءلة".
وقال مبوفو والش إن الخسارة الانتخابية لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي كانت مزيجا من الغطرسة وإنكار إخفاقاتهم. في حين قال المحلل السياسي المستقل سانديل سوانا إن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي انضم إلى حركات التحرير الأخرى التي عوقبت لفشلها في تحقيق أهدافها.
وأضاف أن "حزب سوابو في ناميبيا، وحزب زانو الجبهة الوطنية في زيمبابوي، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، في القارب نفسه"، في إشارة إلى الأحزاب التي قادت حركات الاستقلال في ناميبيا وزيمبابوي على التوالي.
وقال عمران بوكوس، الأكاديمي والباحث في معهد أوال للبحوث الاجتماعية والاقتصادية، إن نتائج الانتخابات تشير إلى انهيار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وأضاف أن "هذا يتوافق مع ما حدث لحركات التحرر في جميع أنحاء أفريقيا. هناك أمثلة في زامبيا وكينيا". وأشار بوكوس إلى أن مزيجا من إخفاقات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والاقتصاد غير المتكافئ أدى إلى نتيجة الانتخابات هذه.
ووفقا للبنك الدولي، فإن 55% من سكان جنوب أفريقيا يعيشون في فقر. وقد اتسمت السنوات الـ30 التي قضاها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في السلطة بتفاقم البطالة التي تبلغ حاليا 33%. كما أن الفساد المنهجي وعدم كفاءة الحكومة، مما أدى إلى تدهور الظروف المعيشية، من بين القضايا التي تواجه مواطني جنوب أفريقيا.