تقرير- خبر24- الضفة تحترق: تصعيد عسكري يهدد الوجود الفلسطيني
في الضفة الغربية، لا يكاد يمر يوم دون أن يترك الاحتلال أثراً مدمراً على الأرض والإنسان. من مشهد الحواجز العسكرية التي تزرع العزلة بين المدن والقرى، إلى الاعتداءات المتكررة للمستوطنين الذين يقتلعون الأشجار ويحرقون المنازل. فبينما كانت غزة في السابق مسرحاً لعنف الاحتلال وعمليات الإبادة الجماعية، بدأ هذا الواقع المؤلم ينتقل ببطء إلى الضفة الغربية، التي شهدت تصاعداً لافتاً في الهجمات الإسرائيلية، التي حولت الأراضي إلى سجون مفتوحة.
فالضفة الغربية، التي كانت تمثل قلب المشروع الوطني الفلسطيني، تتعرض اليوم لمحاولات طمس هويتها عبر توسيع المستوطنات والسيطرة على أراضيها، إضافة إلى الحواجز العسكرية التي تشل حركة سكانها. في الوقت ذاته، يعيش المواطنون تحت تهديد مستمر من التصعيد العسكري، في ظل تطويق المدن والمخيمات بالأسلاك الشائكة، والتفتيش المستمر في محاولة لفرض حصار غير مرئي على حياتهم اليومية. هذه الصورة المأساوية تذكرنا بما كانت عليه غزة منذ سنوات، وكيف تحولت إلى سجن كبير مفتوح على الفقر والمعاناة، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من القهر والدمار الذي يلاحقهم في كل زاوية من وطنهم.
الحواجز والبوابات: عزل المناطق وتهديدات الأفق
تحت وطأة الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، أصبحت الضفة الغربية أكثر تجزؤاً من أي وقت مضى. الحواجز العسكرية التي تسيطر على الطرق الرئيسية، والبوابات الحديدية التي تحاصر المدن، تحولت إلى جدران عازلة بين الفلسطينيين وواقعهم. وُضعت أكثر من 800 حاجز عسكري ثابت وأكثر من 150 بوابة حديدية لربط نقاط التفتيش بين المدن والقرى الفلسطينية. هذه الحواجز لا تعزل الفلسطينيين فحسب، بل تُحول حياتهم إلى معاناة يومية تتراوح بين التفتيش المهين والاعتقالات التعسفية.
في الخليل، على سبيل المثال، وُضعت أكثر من 120 بوابة حديدية، في حين تتابع مدينة بيت لحم حصارها مع 98 بوابة عزل، ما يجعل التنقل بين القرى المجاورة أمرًا في غاية الصعوبة. المخيمات الفلسطينية، مثل مخيمات جنين وطولكرم، تُحاصر ببوابات وحواجز تُعيق وصول المواطنين إلى خدماتهم الأساسية، مما يزيد من حدة معاناتهم اليومية.
العمليات العسكرية: استهداف المخيمات والتهجير الجماعي
مع تصاعد الهجمات العسكرية، تُركز القوات الإسرائيلية هجماتها على المخيمات الفلسطينية، مستهدفة المناطق الأكثر كثافة سكانية والتي تُعتبر مراكز تواجد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية. المخيمات مثل مخيم جنين، الفارعة، ونور شمس في طولكرم، أصبحت على رأس قائمة المناطق التي تشهد أكبر عمليات قمع من قبل الاحتلال. تهدف هذه الهجمات إلى تدمير أو تهجير المواطنين الفلسطينيين، تمامًا كما حدث في عام 1948.
الواقع اليوم في المخيمات الفلسطينية لا يختلف كثيرًا عن معاناة فلسطينيي النكبة. تهدم المنازل، وتستهدف العمليات العسكرية الاستيطانية حياة الفلسطينيين في المخيمات التي تمثل ذاكرة شعبية كبيرة عن التهجير واللجوء. فالاحتلال الذي لم يتوقف عن عدوانه منذ السابع من أكتوبر 2023، يواصل تنفيذ مخططات تهجير أخرى عبر تدمير منازل الفلسطينيين، لا سيما في المخيمات التي تأسست بعد حرب النكبة لتكون مأوى للمشردين. تلك المخيمات اليوم هي نفسها أهداف للاحتلال، الذي يسعى لتكرار جريمة التهجير التي ارتكبها في عام 1948.
العنف الاستيطاني: الاعتداءات اليومية على المواطنين الفلسطينيين
تتصاعد الهجمات التي ينفذها المستوطنون في الضفة الغربية، وهي عادة ما تتم بحماية أو دعم مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. في الآونة الأخيرة، شهدت مناطق مختلفة من الضفة اعتداءات مكثفة من قبل المستوطنين، حيث تم حرق المنازل والسيارات في قرى مثل جينصافوط والفندق في قلقيلية، في ظل تواطؤ قوات الاحتلال التي أطلقت النار على الفلسطينيين الذين حاولوا الدفاع عن أنفسهم. هذا العنف الاستيطاني أصبح جزءًا من الواقع اليومي، حيث يتعرض الفلسطينيون للإيذاء بشكل مستمر في مناطق مثل نابلس وشرق رام الله.
دعوة للنفير العام والتصدي للعدوان
حركة "فتح" لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا العدوان المستمر، حيث دعت في بيان لها جماهير الشعب الفلسطيني إلى النفير العامّ والتصدّي لعصابات المستوطنين التي تهاجم القرى والمخيمات الفلسطينية. وأكدت الحركة أن هذا العدوان يأتي في إطار المخططات الاستعمارية التي تنتهجها حكومة الاحتلال، والتي تهدف إلى تطبيق سياسة الضم والترحيل، وهو ما يضع الفلسطينيين أمام تحدٍّ جديد في الحفاظ على وجودهم في أرضهم. كما شددت "فتح" على أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لن يقبلوا إلا بالسيادة الفلسطينية الكاملة على أرضهم، مهما كانت التضحيات، ولن يسمحوا بالتصفية السياسية أو الجغرافية.
من جهة أخرى، تنبه "فتح" إلى أن التواطؤ بين حكومة الاحتلال والمستوطنين لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، مشيرة إلى أن هذا التحالف يشكل تهديدًا مباشرًا على الفلسطينيين ويؤدي إلى تصاعد دائرة العنف في الأراضي المحتلة.
بداية التصعيد العسكري: عملية "السور الحديدي" في جنين
في ظل هذا التصعيد، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، إطلاق عملية عسكرية واسعة في جنين، شمالي الضفة الغربية المحتلة، تحت اسم "السور الحديدي". وأوضح نتنياهو في بيان أن العملية تأتي تحت إشراف مجلس الوزراء السياسي والأمني بمشاركة الجيش والشاباك وشرطة الاحتلال، مشيرًا إلى أن الهدف المعلن للعملية هو "القضاء على الإرهاب" في جنين، على حد وصفه. وأضاف: "نتحرك بشكل منهجي وحازم لتعزيز الأمن في الضفة الغربية، ونواجه المحور الإيراني أينما يرسل أسلحته، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو اليمن أو الضفة الغربية".
إسرائيل تسعى لتغيير الواقع في الضفة الغربية
تسعى إسرائيل إلى فرض واقع جديد في الضفة الغربية، من خلال تكثيف سيطرتها العسكرية والاستيطانية. الهدف الأساسي من هذه الممارسات هو خلق حالة من الاستنزاف المستمر للفلسطينيين، مع تفاقم الأوضاع الإنسانية، مما يعزز من مساعي الاحتلال لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة. وفي هذا السياق، يبدو أن الحلم بحل سياسي أصبح بعيد المنال، في ظل هذه الظروف التي يعاني فيها الفلسطينيون من قمع مستمر وتضييق لا يرحم.