تدهور إستراتيجي: إسرائيل تتصرف حيال إيران بـ"طريقة سخيفة"

تدهور إستراتيجي: إسرائيل تتصرف حيال إيران بـ"طريقة سخيفة"

تدهور إستراتيجي: إسرائيل تتصرف حيال إيران بـ"طريقة سخيفة"

عوفر شيلح*

بشّرنا نبأ في صفحة "هآرتس" الأولى بأن "إسرائيل حددت هدفا جديدا في إيران": جودة حياة الطبقة العليا "قشدة طهران"، على حد قول مصدر سياسي رفيع الذي أكد (أي سرب بفخر) السياسة الجديدة. ارتبط النبأ بمنشورات عن هجمة سايبر ضربت كل محطات الوقود في إيران، ونسبت لإسرائيل، عن حق أم عن غير حق، لا أدري. الطوابير طلباً للوقود، وفق منطق المصدر السياسي الرفيع، ستدفع "القشدة" للضغط على النظام للتراجع عن البرنامج النووي، ويأتي الخلاص لصهيون  .

لم يحظَ النبأ تقريبا بأي صدى جماهيري، إذ ليس عندنا نقاش حقيقي حين يصل هذا إلى إيران. ولكن يوجد فيه كل عناصر السخافة الإسرائيلية المتواصلة في الموضوع الإيراني، وفي المواضيع الأمنية بالعموم: نزعة قوة تحت غطاء الذكاء، غرور "مسموح لنا" والإدمان على عملية تكتيكية وابتكارات تكنولوجية، بينما الوضع الإستراتيجي آخذ في التدهور.

بهذا المفهوم، فإن الحكومة الحالية هي استمرار لعهد نتنياهو، والنتيجة واضحة: إيران هي التي ستقرر إذا ومتى ستعود إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي تكاد تستجديها للعودة والحديث؛ وإيران هي التي ستقرر إذا ومتى ستكون لها قنبلة نووية، والتي هي تهديد وجودي لإسرائيل.

نبدأ من انعدام الجدوى: لماذا يفترض أحد ما بأنه سيكون هناك "ضغط" من القشدة؟ فالجمهور الإسرائيلي لا يقل دلالا عن النخبة الإيرانية. ولكن إذا ما شلت عملية سايبر ذكية من الإيرانيين أو من الفلسطينيين آلة القهوة في شمال تل أبيب، سيكون هناك احتجاج ضد سياسة إسرائيل في "المناطق". مثل هذا النوع من الضغط، الذي يتماثل علنا مع جهة خارجية معادية، يدفع الناس فقط ليتكاتفوا معا، وبالتأكيد في إيران، الدولة ذات الإحساس التاريخي، العزة الوطنية، والنظام الذي عينه مفتوحة ويده ثقيلة. لم تخضع عقوبات ترامب إيران؛ فلماذا يعتقد أحد ما بأن طوابير الوقود ستفعل هذا؟

نواصل في الغرور: أي دولة أخرى في العالم تسمح لنفسها بسلوك كهذا، بل تتباهى فيه في التسريبات للصحافة؟ تلك الدولة التي باسم التهديد الوجودي عليها – وعندنا كل شيء هو تهديد وجودي – تهاجم كل يوم تقريبا كل من تريده في أرجاء الشرق الأوسط. يوجد لهذا اسم لامع، المعركة ما بين الحروب.

أنا مع استخدام القوة عند الحاجة. ولكن بهذه الطريقة لا يحقق هذا شيئا حقا، ويعطي فقط أعداءنا الرخصة ليس فقط لأن يردوا بالقوة بل أساسا لأن يتقدموا إلى إنجاز حقيقي.

تماما مثلما في "حارس الأسوار" سجلت "حماس" لنفسها نجاحات هائلة في مستوى السياسة والوعي، وأسقطنا مباني وروينا لأنفسنا أن هذا يخلق عندها "خريطة ألم" أو بتعبير آخر من "دائرة الوعي" في جهاز الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي.

هكذا أيضا في الموضوع الإيراني: نتباهى بهجمات جوية، بالسايبر وبالتصفيات، وفي هذه الأثناء يتموضع الإيرانيون في سورية من خلال مساعدة مدنية وخلق ارتباطات؛ يعقدون اتفاقات مع الصين وروسيا لتلطيف حدة ضرر العقوبات، ويقتربون من أعدائهم الألداء في السعودية ويسيرون نحو النووي حين تكون إسرائيل غير ذات صلة في البحث على الإطلاق.

لا ينبغي أن يكون أي شك: إيران نووية هي بالفعل تهديد غير مسبوق على إسرائيل، سواء لأننا "دولة قنبلة واحدة"، على حد قول الرئيس السابق رافسنجاني، أم لأن هذا سيغير وجه الشرق الأوسط.

ينبغي عمل كل شيء كي لا يحصل هذا. ولكن بعد سنوات من العمل السري والعمل السياسي الحكيم من خلف الكواليس، في السنوات الأخيرة، التبجح الإسرائيلي، وانعدام التفكير (مثلاً في الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي) والإدمان على الابتكارات ذات نزعة القوة تساعد فقط إيران على الاقتراب من القنبلة.

ولعله يوجد تفسير آخر، بدايته في عهد نتنياهو وبتواصل في العهد الحالي. كل شيء للاستهلاك الداخلي. امتطى بيبي جواد التخويف الإيراني.

منذ تسلم نفتالي بينيت مهام منصبه وهو ينثر أقوالا بأن الجيش في واقع الأمر لم يكن جاهزا للهجوم في إيران (وهو، بالطبع، سيعده وسيكون جاهزاً للهجوم)، وفي هذا الجانب تأتي التسريبات عن طرق عمل جديدة ولامعة. ومع كل يوم تتواصل فيه هذه السخافة قد تكون إيران تواقة للوقود، ولكنها تواصل التقدم نحو أهدافها.

*عوفر شيلح هو عضو سابق في الكنيست عن حزب يوجد مستقبل

عن "يديعوت أحرونوت "

 

اشارات