في ذِكرى صائب عريقات

في ذِكرى صائب عريقات

في ذِكرى صائب عريقات

 

د. دلال صائب عريقات

 

قال المتنبي “ذِكْرُ الفتى عُمْرُهُ الثّاني”.

ذِكرُ الإنسان بعد مغادرته للدنيا، هو تكريمٌ بمثابة حياة ثانية له. ولا يسعني اليوم وبعد ما شهدتُ من الوفاء الكبير إلا أن اقول ‘هنيئاً لك صائب عريقات”. هنيئاً لنا، هنيئاً أريحا، هنيئاً لفلسطين، فإرثك كبياض في العيون. حمل الكوفية على كتفه، عمل بإخلاص لتكريس وجود منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حذرنا من الفراغ، الفراغ كان أكثر ما يكره، وقد ترك صائب فراغاً وطنياً وانسانياً يصعب ملؤه.
أوصانا بفلسطين، وشدد على حق الشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة والسيادة، حق الشعب بمشاركة القرار، بالوحدة الوطنية وانهاء الانقسام فكما قال ابو جهاد “الوحدة قانون الانتصار”.
“انتصار الحياة لا يعني هزيمة الموت” هذا هو عنوان الكتاب الذي عكف والدي على كتابته في العام المنصرم، الكتاب سينشر قريباً بالتعاون مع وزارة الثقافة الفلسطينية، هو صدقة جارية أبدية يخرجها هذا الرجل الاستثنائي عن روحه في محاولة من صائب عريقات لإعادة تعريف الصبر.
ترك لنا اكثر من ١٨ كتابا ومدونات ومقالات، وهنا أتساءل الْيَوْم ماذا تعلمنا من عبقرية صائب عريقات ؟

من الفلسطينيين من يهتف لتحرير فلسطين التاريخية، أما مدرسة صائب فهي البراغماتية الواقعية الصامدة على هذه الأرض بحكمة وإخلاص وحب الوطن.

صائب عريقات علمنا ان فلسطين حق لـ ١٣ مليون فلسطيني حول القارات الخمس وفِي مخيمات اللجوء والوطن المحتل وعليه يدرك كل من هو حريص على المصلحة الوطنية أنه لا بد من البدء بالوحدة الوطنية.

طالما أظهر صائب عريقات صبرًا وصمودًا ومقاومة غير عاديين في مواجهته للمرض، بنفس التصميم الذي ميز حياته المهنية لتحقيق الحرية لفلسطين والسلام العادل والدائم في منطقتنا. وسوف نسير على خطاك يا صائب حتى يتحقق حلمنا بالحرية لفلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
علمنا الصمود على هذه الأرض، علمنا أننا جنود لفلسطين كل حسب تخصصه، علمنا الوفاء للأسرى الوفاء للشهداء واللاجئين، علمنا الاهتداء بالخرائط، علمنا ان واجبنا جميعاً فضح جرائم الاحتلال والاستيطان، علمنا طريق العالمية، علمنا كيف نعيد فلسطين للجغرافيا السياسية، علمنا كيف ندول القضية الفلسطينية، وكيف نحيل الملفات الى المحكمة الجنائية الدولية، كيف نخاطب العالم ونستدعي السفراء والقناصل، كيف نحمل الأمانة ونعمل بحب وإخلاص وانتماء. ⁦علمنا ان المحبة هي قانون الحياة ومن يتقن قانون المحبة يدرك أنه لا غنى عن الوطن
علمني صائب عريقات أن الأفكار أقوى من كل الرصاص، أن الفكرة عابرة للحدود الجغرافية والزمانية، وهذا عزاؤنا اليوم بأن فكر صائب باقٍ في قلب وعقل كل فلسطيني وكل مدافع عن الكرامة والحرية والسلام.

الخسارة كبيرة، فغيابه لا يقتصر على العائلة بل غاب عن فلسطين…  صائب هو الجامع والموحد ونقطة الالتقاء.

صائب_ طاقة لا ولَم ولن تتكرر.  بإذن الله معادلته رابحة على الأرض وفي السماء.

من ارض القدس انتقل الحبيب وأبى إلا أن يكون مع الختيار، في حضرة الشهيد الراحل أبو عمار، في ذِكْر الأوفياء أقول لنجعل من نوفمبر شهر الرجال.

نغادر جميعاً وهنيئاً لمن لم يتسع له المكان، ليس مُستغرباً وقع رحيله على العالم والأنام، لقد جاب الأرض، لم يهدأ لم يترك فراغاً ملأ جغرافيا المكان وسابق عقارب الزمان، فكان مثالاً عريقاً للزوج…للأب …للجد …للإنسان.  أكرمنا الله بأن خُلقنا فلسطينيون .. عبارة كررها صائب.

نحن العائلة… أكرمنا الله بأن جعلنا من هذا الرجل.  هنيئاً لسلام وعلي ومحمد لأخوتي هنيئاً لأفراد العائلة هنيئاً لأحبابه وأنسبائه هنيئاً لأحفاده هنيئاً لأريحا ولفلسطين

هنيئاً لنا حمل اسم هذا الرجل.  صائب له من اسمه نصيب… من القدس من غزة من حيفا من جنين لنابلس لقلقيلية الخليل لبيت لحم وكل المدن الفلسطينية… من تشيلي من قلب مخيمات الصمود في سوريا ولبنان، من الأسرى خلف القضبان.. من بيوت الشهداء…جاء الوفاء من كل مكان.
شكرا لكل من أحيا ذكر صائب بطريقته الخاصة، شكرا لمن وضع اسم صائب على المكتبات وقاعات الاجتماعات في الميادين والشوارع، على موائد الرحمن والفعاليات الخيرية والمنح الجامعية، شكرا لمن نشروا كتباً وأبحاثاً حول فكر صائب، شكراً لمن صلى له في قلبه.
برغم الألم والفقد والحزن، إلا ان عزاءنا اليوم بان صائب باقٍ في كل شجرة نخيل, في كل زيتونة وفي كل حجر فسيفساء.

شكرا لهذا الوفاء…

نم قرير العين يا صائب …

السلام والخلود يا صائب…

ها قد مرّ عام ويشهد التاريخ انك رجلٌ بحجم وطن…