عمان: منتدون يعاينون تجربة الشاعر عرار من منظور جديد

عمان: منتدون يعاينون تجربة الشاعر عرار من منظور جديد

عمان- عاين مشاركون في ندوة بعنوان "عرار.. قراءة جديدة" نظمها منتدى عبد الحميد شومان الثقافي التابع لمؤسسة عبد الحميد شومان بالتعاون مع وزارة الثقافة أمس السبت، في مقر المنتدى بعمان، شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار) والمسيرة الحياتية والإبداعية والفكرية له، والمؤثرات التي صبغت تجربته من منظور جديد.

وقالت وزير الثقافة الأردنية هيفاء النجار خلال رعايتها الندوة التي اشتملت على أربع جلسات وجاءت بمناسبة اختيار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) الشاعر عرار رمزا عربيا للثقافة لعام 2022، "إننا نفاخر بإنجازات عرار وتميزه على مستوى العالم، فهو شاعر الأردن الذي طالما أحب وطنه وتغنى به، بل تغزل بقراه ونجوعه من شماله إلى جنوبه فاتحا ذراعيه بمحبة لإنسانه وأشجاره البرية وينابيعه الصافية، كما أحب الأردن أحب فلسطين واحتضن قضيتها ودافع عن ثورتها ضد الظلم والطغيان، وهو السباق بنظرته الإنسانية الواعية وانفتاحه، ودفاعه عن حقوق الإنسان الأساسية".

وبينت الرئيسة التنفيذية للمؤسسة فالنتينا قسيسية، إن هذه الندوة التي تعيد قراءة الشاعر مصطفى وهبي التل (عرار) وبيئته وأعماله، تأتي بالشراكة مع وزارة الثقافة، بمناسبة اختيار (الألكسو) الشاعر عرار رمزاً عربياً للثقافة للعام 2022.

وقالت في حفل افتتاح الندوة "إننا نستذكر اليوم قامة أدبية عالية، أثرت في البيئة الثقافية الأردنية وأعطت لونا خاصا للشعر الذي نكتبه اليوم، إنه شاعرنا الكبير مصطفى وهبي التل "عرار"، منوهة إلى أن هذا التكريم باختيار عرار رمزا للثقافة العربية هو لجميع الأردنيين الذين يؤمنون بأن (عرار) عبّر عنهم وعن آمالهم وتحدياتهم".

وأشارت إلى أنه واحد ممن صاغوا الوجدان الشعبي في مرحلة مبكرة جدا من عمر الدولة، لكي ينبهنا إلى أن ثمة شعبا يمتلك مقومات كاملة يقدم من خلالها معادلته الوطنية، ويسجل اسمه بين الأمم الجديرة بالحياة والاستمرار.

ولفتت إلى أن مؤسسة عبد الحميد شومان، تنحاز باستمرار إلى الرموز والأوائل الذين شكلوا بنيان الوطن، وأسهموا في منحه الخصوصية التي هو عليها في الوقت الراهن، مثلما تهتم بكل جديد وحديث، خصوصا في مجال البحث العلمي والتعليم والابتكار، وتمتلك البرامج التي تستطيع من خلالها أن تؤثر في النشء الجديد، وأن تسهم في تطوير أدواته وإمكانياته.

وفي الجلسة الأولى التي حملت عنوان "الريادة والتنوير" وأدارها الشاعر الدكتور سلطان الزغول وشارك فيها أستاذ الأدب العربي ورئيس كرسي عرار في جامعة اليرموك الدكتور زياد الزعبي، والناقد الدكتور يوسف البكار، وعميد كلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا الناقد الدكتور محمد عبيد الله، وأستاذة اللسانيات الحديثة والأسلوبية في الجامعة الهاشمية الدكتورة إيمان الكيلاني، أشار الدكتور الزعبي في ورقته البحثية التي جاءت بعنوان "عرار ..رؤية أخرى" إلى الجهود السابقة التي تناولت عرار وشعره والتي مثلت جهدا دؤوبا للوصول إلى شعر عرار وآثاره، وتقصي جوانب حياته متعددة الأبعاد. وتحدث عن الموضوعة الغجرية، أو النورية، والتي تمثل عنصرا محوريا من القضايا الكبرى في شعر عرار، مبينا أنها استندت إلى وعي معرفي لدى عرار بالموضوعة الغجرية وحضورها في الأدب العالمي.

ولفت إلى أن أهم عمل يسهم في رؤية أخرى حقيقية لعرار يتمثل في العمل الجاد على لم شتات أعماله ووضعها في إطار الأعمال الكاملة التي يجب أن تشمل كل كتاباته في الحقول المتعددة ومنها شعر عرار المتمثل بديوانه "عشيات وادي اليابس"، والعمل على استكمال جمع النصوص التي لم تظهر في كل طبعاته حتى الآن، والكتابات النثرية السردية، والمقالات الأدبية والنقدية، والدراسات الاجتماعية، والكتابات السياسية التي نشرت في الصحف، والكتابات القانونية المنشورة والمخطوطة والمرافعات القضائية، وجزء غير قليل منها متاح في مظان متعددة، وترجماته وبخاصة ترجمة رباعيات عمر الخيام وما يتعلق بها من النصوص، وكتيباه " الأئمة من قريش"، و "طلال"، وهما منشوران، ويجب أن يكونا ضمن أعماله الكاملة، ومجموع رسائله.

وأكد ضرورة جمع الكتب والأبحاث العلمية والمقالات التي كتبت عن عرار، وكذلك النصوص الشعرية التي كتبت عنه أو بوحي من أعماله بدءا من النصوص المحاكية لنصوصه أثناء حياته، والنصوص التي قيلت في رثائه وحتى اليوم. ولفت البكار في ورقته البحثية المعنونة "مصطفى وهبي التل: أضواء جديدة – حقيقة.. خياميته وفضاءاته الموسيقية المنسية " إلى أنّ الدراسات التي كتبت عنه في السّنوات الثلاثين الأخيرة، وأكثرها تمحور حول شعره، ظلّت تدور في أُطر نمطيّة من البحث الذي يفتقر إلى المادّة المعرفيّة المتعلقة به.

وأشار إلى أن ورقته البحثية تتناول محورين أساسيين: الأوّل عن حقيقة "خيّاميّة" مصطفى وهبي التل، والآخِر عن فضاءات موسيقيّة متنوعة في قوالب وأنماط ذات أهميّة تاريخيّة تأثر الشاعر فيها بالرّباعيّات ومحاولات التّجريب التي عاصرها وعرف عددًا من شعرائها من "أبوليين" و "ديوانيين" و "مهجريين".

وبين أن المحور الأول تمثل بتعرف مصطفى وهبي التل على الخيّام مصادفة، حيث بدأ رومانسيًّا وآل عقليًّا علميًّا واقعيًّا، مستعرضا ترجمة وديع البستاني والموازنة بين البستانيّة والفيتزجيرالديّة.

فأمّا المرحلة الأخرى والأهم والتي لم يلتفت إليها الدارسون الذين ركزّوا على المرحلة الأولى وبُهتوا بها، بحسب الدكتور البكار، فهي التي انعطف فيها إلى طريق "عقلاني" منذ بدأت رؤيته للخيّام والرّباعيّات تتّضح وإدراكه لهما يتعمّق، فأخذت آراؤه تتدرّج نحو آفاق علميّة أرحب في التّعرف على الرّجل وفكره من خلال إشراقات جديدة شرعت تتكشف له في الرّباعيّات، ومن خلال آثار أخرى للخيّام بدأ يطّلع عليها, ولا سيّما بعض "جوابات الخيّام الفلسفيّة". وفيما يتعلق بمحور الفضاءات الموسيقية في شعر عرار اعتبر الناقد البكار أن عرار قد يكون من أقدم من نظم رباعيّات في الشعر العربي المعاصر ولم يلتفت إليها أحد ممن عُنوا بشعره تحقيقًا ودراسة؛ ربما لأنّ مفهوم الرّباعيّة لم يكن شائعًا، ولغلبة مفهوم البيتين الذي يندرج في "الثنائيّات" حديثًا وفي "النُتف" قديمًا، وسطوة العدد أربعة الذي ظُنّ أنّ الرّباعيّة منه وهي أربعة أبيات، مستعرضا أنماط القوالب الشعرية التي استخدمها عرار في شعره ومنها المخمسات وغيرها.

أما الدكتور عبيد الله فنوه بارتباط شعر عرار الوثيق بالحياة اليومية وبالواقع المباشر الذي عاشه الشاعر، في حياته الخاصة وفي علاقاته مع محيطه ومجتمعه وعصره، مبينا أن الشعر عند عرار تجربة يعيشها المرء ويكابدها، وليس بلاغةَ كلام أو صَنعة نظْم يلتمسه المرء في الكتب والمصادر والدواوين.

وبين أن بعض النقاد سمّى هذا المذهب بشعر الحياة اليومية، وبشعرية التفاصيل، كما أنه يتصل بالبعد الشعبي والاجتماعي في الشعر، ويتّصل بما أسماه المرحوم شوقي ضيف بــ "الطوابع الشعبية"، ونحو ذلك من تسميات ومقاربات تدور كلّها فيما نحسب على معنى واحد متعدّد الآفاق والدلالات والإمكانات.

وقال إن كثيرا من الدارسين يرون بأن عرارا هو شاعر عامّة وشاعر شعب، في منابع تجربته وفي موضوعات شعره، وفي أنظمته الصياغية والتصويرية والإيقاعية، وهو أيضا بالنظر إلى الحقبة التاريخية المبكرة التي قال فيها هذا الشعر وطوّر أساليبه، رائد أساسي من رواد قصيدة الحياة اليومية، وينبغي قراءة تجربته بوصفها تجربة ملهمة للأجيال الشعرية اللاحقة، ونعدّ هذه السمة الفارقة واحدة من كبريات ما يميز "النزعة العرارية" في الشعر الأردني والعربي الحديث.

بدورها تحدثت الدكتورة الكيلاني، في ورقتها المعنونة "ملامح التجديد في شعر عرار" عن موقع شعره بين الأصالة والتجديد، في سياقه الزماني والمكاني، والتجديد الجواني للنص أكثر من البراني، لافتة إلى أن "التوازي" السمة الأسلوبية الكبرى التي شكلت سداة شعره ولحمته، والتي تخلقت استجابة لروح التمرد والثورة، ومفتاح شخصية عرار الذي حكم سيرورته الحياتية والشعرية.

واستعرضت الكيلاني أشكال " التوازي" في شعر عرار، الذي جمع بين عراقة التمرد المترسخة في الهوية الشعرية العربية الموروثة، وألق التجدد الذي تفرضه الذات التي تشكلت لتكون نسيجا وحدها.

وأشارت إلى التوازي الذي يضم عددا من السمات الرأسية والأفقية، والجزئية والكلية، والمتضادة حينا، والمتعاضدة المتكاملة حينا آخر من : ترادف وتقابل وتكامل، مبينة أن شعره ينبني على الإنزياحات الحادة والصارخة بين الأشباه والنظائر عبر بناه الجدلية والتركيبية والمعجمية.

أما الجلسة الثانية المعنونة "عرار بين الوطني والعروبي" وأدارتها الدكتورة إيمان عبد الهادي، وشارك فيها الشاعر والناقد الدكتور راشد عيسى والكاتب مفلح العدوان والناقد الدكتور مصلح النجار والباحث مجدي الرشدان.

فأشار الدكتور عيسى في ورقته التي جاءت بعنوان "النزعة العرارية في الشعر الأردني"، وتناولت أثر عرار في اللاحقين من الأدباء الأردنيين موضوعة النوّر أنموذجًا.

ولفت إلى تأثر كوكبة من الشعراء الأردنيين اللاحقين بشعر عرار، ومنهم الشعراء: عبدالرحيم عمر، وحيدر محمود، وحبيب الزيودي، وحضور هذا التأثير لاسيما ما يتعلق بالنوّر في أدب اللاحقين من الأدباء الأردنيين ومنهم تيسير السبول، وجريس سماوي، وهاشم غرايبة، مبينا أشكال وسمات وخصائص التأثر لديهم.

وبين أن فكر عرار حمل في شعره ملامح فلسفة وجودية تجمع بين النزعة الأبيقورية والفكر الاشتراكي بمبادئه الأولى، فكان موقفه من النّوَر موقف المعجَب بحياتهم والمبجِّل لعاداتهم التي تتفق وروح الحرية والعفوية في مواجهة الحياة بالترحال الدائم وبالغناء والموسيقى والرقص وتخليص النفس من أعباء الانتماء والالتزام، كما أن تأثر الأدباء اللاحقين بعرار على نوعين: الأول فنيّ والثاني موضوعي، بحيث تمثل الفني في المعارضات فيما الموضوعي تمثل برؤية فلسفية تأملية وحمّل هذا الجمال أسرار الوجود وغموض الحياة وجماليات الطبيعة وعفوية العيش وبراءة الالتزام الاجتماعي وانحياز الأدباء إلى الفطرة البسيطة في حياة النور.

بدوره، لفت الكاتب العدوان في ورقته المعنونة "قراءة في أوراق عرار السياسية" إلى أن ثمة تشابكا جذريا بين عرار الشاعر والمثقف والأديب، وبين عرار السياسي المتمرد الرافض، وهذا واضح عند قراءة إرثه المكتوب، وعند متابعة تفاصيل حياته بكل مراحلها.

وأشار إلى ما تضمنته وثائق وأوراق عرار والتي تحيل الباحث والمهتم إلى تفاصيل جديدة من مواقفه السياسية، مستعرضا عددا من الوثائق التي تتعلق بهذا الشأن والمحفوظة في كرسي عرار.

كما تحدث عن قراءة أخرى للوثائق التي تأتي في إطار تقديم تصور أشمل لها، وتحديد أعمق لمحتواها، وتفاصيلها، تحيل إلى مساحات أخرى، ومفاتيح مختلفة لحياة الشاعر، وللبرنامج اليومي للمناضل، ولدأب لا يكل للموظف، ولصراع مستمر للإنسان مصطفى وهبي التل.

وأشار إلى أن هذه الأوراق في جوانب كثيرة منها، أوراق رسمية، وظيفية، وكل مجموعة من هذه الوثائق تحيلنا إلى رؤية تحليلية لمساحات يتداخل فيها الخاص بالعام؛ إنها توثق للبلد، للأردن، وكيف كان، وطبيعة العلاقات التي تحكمه، ونشأة المؤسسات، ومراكز القوى.

واستعرض الناقد النجار في ورقته المعنونة " عرار بين منزلتين: الأمة والوطن"، المرحلة التاريخية الأولى التي عاشها في نشأته الشاعر عرار لاسيما مرحلة من الزمن العربي تقاطعت مع الطغيان العثماني من جهة وبطش الانتداب الأجنبي واستبداد اليهود واغتصابهم فلسطين.

ونوه بالبعد القومي للشاعر عرار والذي كان متلازما مع البعد الوطني الذي تمثل آنذاك بالرغبة في تأسيس كيان سياسي للأردنيين ينتمون إليه في ضوء تصاعد بالهويات الممثلة للأقاليم العربية.

ولفت إلى ما تضمنه شعر عرار من تصوير لبشاعة ممارسات الانتداب في شرقي الأردن.

وتحدث الباحث الرشدان في ورقته المعنونة ""عرار ... وفنّ المقالة" عن فنّ المقالة في أدب الشاعر عرار، مبينا أن هذا الفنّ الذي وقف بإزاء فنون أخرى –دون الشعر- ظهرت في إرث عرار، وتنحصر في فنّي القصة القصيرة، والنقد الأدبيّ.

ونوه بأن هذه الفنون الأدبية بمجموعها جعلت النتاجَ الأدبيَّ العراريَّ ميزةً استثنائيّةً، و"ثيمةً" مُحْتَكَرَة، نادرةَ الوجودِ في نتاجٍ أدبيٍّ آخرَ، لافتا إلى أن اشتغال عرار بالمحاماة من خلال إتقانه طرق الصياغة النثرية المقالية بأساليب مدجّجة بالحجج والبراهين، علاوة على كتاباته لعشرات المقالات في صحف عربية وأردنية، اسهم كذلك بولوجه إلى عالم النثر المقالي.

أما الجلسة الثالثة التي حملت عنوان "الإنسانية في شعر عرار" وأدارتها الشاعرة والناقدة الدكتورة مها العتوم، وشارك فيها كل من الباحثين الدكتور عبدالباسط مراشدة والدكتور نايف العجلوني ونزار ربابعة ونور بني عطا .

وأشار المراشدة في الورقة التي قدمها بعنوان "المهمشون في شعر عرار"، إلى أن شعر عرار يلتبس ببعضه في مضامينه التي تشكل مفهوم المهمش، حيث نجد مفهوم المهمشين يلتبس بالغربة أو البعد الوطني أو القومي وهكذا، وهذه طبيعة الشعر بشكل عام ليس فقط عند عرار ولكن عند غيره من الشعراء القدماء والمحدثين.

وبين أن مفهوم المهمش يلتبس في توظيفه للغة المهمشين/ اللغة المحكية أو (العامية) بعناصر أخرى أو المهمش (مجتمع النور أو الفقراء) بغيره أو (أنا والآخر) بدلالات أخرى متنوعة وهكذا.

من جهته قال الدكتور العجلوني في ورقته " في تجربة عرار الشعرية: الحرية والخروج على السائد"، إن الشاعر (عرار)، كان يكتب خارج المجتمع، وهو من أول اللامنتمين في تاريخ شعرنا الحديث، ومن أول البوهيميين الذين امتلأ شعرهم بإرهاصات وجودية أصيلة، بحيث اقترن طلب اللذة لا بالإباحية والمجون، ولكن بتحرير الروح وتأكيد وجود الإنسان، بجوهر الحياة نفسه.

ولفت إلى أن إطلاق صفات "اللاإنتماء" أو "البوهيمية" أو "الاغتراب" أو ما شابهها على تجربة عرار الحياتية والأدبية؛ إنما يؤكد نزعة "الخروج" المحايثة لهذه التجربة في إطار الحرية غير المشروطة، ولكن هذا الخروج لا يعني البتة أيّ انفكاك عن الالتزام بهموم الناس والوطن والقيم الإنسانية. فقد كان هذا الخروج، في أشكاله المختلفة، نابعاً من حساسية مرهفة وقلق وجودي لا يهدأ، ومن التزام بقضايا الوطن وهموم الناس المهمّشين.

وفي ورقة بعنوان "البحث في أسئلة الوجود" أشار الربابعة إلى أن الشاعر (عرار) حظي بدراسات نقدية كثيرة، جعلته في مصاف كبار الشعراء، خاصة تلك الدراسات العديدة من قبل النقاد الأردنيين؛ ما يجعل البحث عن الجديد في شعره أمرا في غاية الصعوبة، مبينا أن الشعر الجيد الذي يرقى إلى مصاف العالمية، ويرتقي بشاعره إلى مصاف الشعراء الكبار، يظل شعرا حيا ومدار دراسة وبحث.

وتحدثت الباحثة بني عطا في ورقتها بعنوان " الاغتراب في شعر عرار" عن تجليات تعمّق ظاهرة الاغتراب وطابعها الثوري في شعر(عرار) ؛ إذ استطاعت هذه التجليات تجسيد حجم الألم الذي كان يعانيه الشاعر جرّاء غربتيه: الاختيارية والقسرية، فكان اغتراب عرار بمثابة رد فعل على تسلط قوى مجتمعية، وسياسية، طالتهما يد العبث من قبل بعض المغرضين على مجتمعه آنذاك، موضحة أن اغتراب عرار لم يكن استعراضا لبؤسه وحسب، بل كان يحمل بين جنباته فكرا من شأنه استنهاض الوعي في عقول الناس.

وفي الجلسة الرابعة التي حملت عنوان " عرار والمحيط الثقافي" وترأسها الكاتب العدوان، وشارك فيها الشاعر والناقد محمد جميعان والناقد الدكتور نبيل حداد والناقد الدكتور سمير قطامي والباحث عامر أبو محارب.

واستعرض جميعان في ورقته " مساجلات عرار الشعرية"، المساجلات الشعرية في تجربة عرار الشِّعرية، وأبرز الشُّعراء الذين ساجلهم أو ساجلوه، وتقصّى الأسباب والبواعث التي أدت إلى قيام هذا الفن ودور المغفور له الملك المؤسس في تغذية هذا الفن الشعري.

واتخذت ورقته المنهج الوصفي التحليلي الناقد سبيلاً إلى تقديم قراءته، من خلال استقراء النُّصوص، واستنتاج الخصائص الأدبية المشتركة والمتخالفة في هذه المساجلات، عارضا لنماذج شعرية تساجَل فيها الشُّعراء.

فيما تناول الدكتور حداد في ورقته " الحركة الشعرية في الأردن في عهد عرار.. الدراما في شعر رفعت الصليبي" الشاعر رفعت الصليبي وعناصر التجديد لديه لا سيما في عمله الإبداعي "حصاد الإثم" والتي هي قصة ذات بداية وحبكة وعقدة وذروة ، وشخوص وتنوع ، وتعليقات تثري الحدث، وتوسع الدلالة، وتربط الوقائع بإطار الحياة أحكام القدر وحكمته، بل إن في هذا النص لحظة تنوير، ثم نهاية منطقية ، لا تخلو من منزع أخلاقي ولكنه يساير معطيات البيئة ومقتضيات المنطق الخاص للقصة بحيث بدا الحل ملائما ومقنعاّ.

واستدعى نصوصا من العمل يحضر فيها العنصر الأساسي في الدراما ، أي الفعل وليس القول فحسب ، بحيث يظهر السرد بأجلى الصور، مستحضرا السمات الدرامية فيه من حيث المظهر الخارجي، والمعاناة الداخلية، والصراع مع الواقع المرير، مشيرا إلى الإيقاع الدرامي الحيوي المرتهن إلى تمازج الأحوال وتقلب الأطوار والذروة الدرامية والعنصر الملحمي والتسلسل الكرونولوجي في العمل.

بدوره تناول الدكتور قطامي في ورقته المعنونة "الحركة الشعرية في الأردن في عهد عرار" دور الملك المؤسس بالنهوض بالحركة الأدبية والفكرية والصحفية، مشيرا إلى أن الشعر الأردني عكس في هذه الحقبة حسا وطنيا وقوميا قويا.

وقال إن حبّ الشعراء الأردنيين لوطنهم وتعلقهم به لم يتعارض مع مواقفهم القومية "فقد وقف شعراؤنا مع سورية ولبنان في نضالهما ضد الفرنسيين" كما وقفوا مع إخوتهم الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني والمطامع الصهيونية ‘ونبّهوا لخطر التناحر والفرقة، داعين إلى الوحدة وإزالة الحدود.

ونوه بأن الشعر الأردني تجاوب بشكل قوي مع الأحداث والمجتمع، وبرزت فيه الروح الوطنية والقومية، والنزعة الإنسانية، كما دفعت ظروف الوطن وما مرّ فيه من أحداث، شعراؤنا أن يكونوا ملتزمين ذوي رسالة.

وقارب الباحث أبو محارب في ورقته المعنون "تلقّي عرار في النّقد الأدبيّ" مجمل القراءات الذي خُصّصَتْ لقراءة شعر عرار في إطارِ أطروحاتِ النّقد الأدبي؛ في سبيل السّعي إلى بلورة رؤيةٍ نقديّة سابرة، تكشفُ عن بِناها المعرفيّة، وأدواتها الإجرائيّة؛ لافتا إلى أنّ شعر عرار يمثّلُ موضوعًا سِجاليًّا وفنيًّا معا.

وقدم رؤية فاحصة لآفاق التّلقّي وإشكاليات التأويل التي أثارتها القراءات النقدية المتعاقبة لشعره؛ بغية الكشف عن طبيعة أنماط التّلقّي ونزوعات القُرّاء بين ثناياها؛ وما تنطوي عليه من مقولاتٍ نقديّة مُؤثّرة.