عن تآكل (الستاتيكو )"الوضع الراهن" في المسجد الأقصى: مزيد من المصلين اليهود!

عن تآكل (الستاتيكو )"الوضع الراهن" في المسجد الأقصى: مزيد من المصلين اليهود!

عن تآكل (الستاتيكو )"الوضع الراهن" في المسجد الأقصى: مزيد من المصلين اليهود!

انشل بابر

انقضت ثلاثة أشهر ونصف كان الحرم فيها هادئاً منذ انتهاء المعركة الأخيرة، التي بدأت بالاشتعال حوله. أحداث وصواريخ شهر أيار حل مكانها هدوء نسبي يزداد بسبب اختفاء السياح في فترة «كورونا». في ظل هذا الهدوء يأتي كل يوم من أيام الأسبوع عدا أيام السبت إلى المكان حجاج غير مسلمين، في معظمهم من اليهود.

يدخلون إلى الحرم في مجموعات لأن الشرطة تصمم على مرافقتهم ومراقبتهم بصورة مكثفة. هي تسمح لهم بالقدوم بين يوم الأحد والخميس من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الحادية عشرة بالتنسيق مع الأوقاف. في الأسبوعين قبل عيد رأس السنة شاركتُ في هذه المجموعات ست مرات. عبرنا معاً في كل مرة في المسار الذي استغرق حوالي 45 دقيقة. ولم يتم تسجيل أي احتكاك مع المسلمين المتواجدين في المكان في أي مرة. أثناء الجولة، حيث كان باب الرحمة المغلق في الخلف، بدأ الزوار اليهود بأداء الصلاة التي استمرت نحو ربع ساعة. هذه كانت صلاة أرثوذكسية في صيغتها، أجريت في ظروف غير ارثوذكسية كلياً، وقد قرأ مبعوث الجمهور الصلاة بصوت منخفض. تجمع الرجال والنساء، الحريديم والمتدينون والعلمانيون، حوله بدون حواجز من أجل الإصغاء والترديد بهمس. معظمهم لم يتحركوا. وعندما تحرك أحدهم تقدم رجل شرطة منه للفت انتباهه. ولكن يجب عدم الخطأ. فهذه صلاة يهودية علنية في الحرم.
بصورة رسمية تواجدهم في الموقع الأكثر قداسة للشعب اليهودي لم يكن من شأنه أن يكون مسموحاً به بسبب الخوف من المس بالوضع الراهن. هذا ما كان سارياً طوال عشرات السنين على الأقل. ولكن في السنتين الأخيرتين حدث بالتدريج تغيير من تحت الأرض، بالتعاون مع جهات إنفاذ القانون. في البداية بدأ في الظهور في الحرم عدد متنوع من الرجال. ولكن بالتدريج بدأت تشكيلة الحجاج تتغير، وهي الآن تشمل خليطاً من المصلين، رجال ونساء، بعضهم متعصبون وبعضهم أقل تعصباً. جميعهم يشعرون بصلة معينة مع هذا المكان.

تبدد توقعي بأن ألتقي في هذا المكان بالأساس مع أشخاص أيديولوجيين متطرفين. اذا كان الحج في هذا المكان في السابق يقتصر على الجمهور الصهيوني الديني فإنني في زياراتي التقيت تنوعاً مفاجئاً من الإسرائيليين. دوافع مختلفة، ليست دائماً محددة بصورة واضحة. بعضهم يرون في ذلك عملاً سياسياً ووطنياً، وآخرون يتوقون لإقامة «الهيكل الثالث» بسرعة في هذه الأيام. هناك أيضا من يرون الحرم بصورة مبسطة اكثر.
إضافة الى هؤلاء، في الأسابيع الأخيرة التقيت مع أشخاص قالوا لي بأنهم يقومون بزيارة الحرم في عيد ميلادهم، وهناك من يأتون في ذكرى آبائهم. يمكن للمرء أن يرى في بعض الحجاج تنوعاً في الميول الدينية. مثلاً، في أوساط عائلة جاءت بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الوالد شوهد أخ بملابس حريدية بارسلافية، ومستوطن يرتدي قبعة كبيرة وله سوالف، والثالث يرتدي قبعة منسوجة وأخ آخر يجد صعوبة في وضع القبعة على رأسه الأصلع.
حتى في اوساط الزوار الذين ينتمون للصهيونية الدينية يوجد استثناءات. ليسوا جميعهم ينتمون بشكل واضح لليمين المتطرف. «قمت بزيارة المكان في السابق لأنني شعرت بأنني أريد التقرب من القداسة بصورة شخصية»، قالت لي امرأة من الشخصيات العامة معروفة من الوسط – اليسار في الصهيونية الدينية. «وكأنني اريد تنفيذ وصايا اخرى كامرأة متدينة. ولكني الآن أخشى أن يعرفوني ويعطوا لذلك تفسيرات سياسية".

شخص اكاديمي متدين ومعروف اضاف"لو أنني استطعت زيارة الحرم دون أن يعرفني أحد ويعمل من ذلك قصة لكنت بدون شك سآتي للزيارة. فهذه تجربة دينية خاصة".
حسب أقوال أوفير ديان، الطالبة والناشطة اليمينية البارزة ابنة الـ 27، كانت الصورة مختلفة فقط قبل اربع سنوات. «كنت حينها أمر بعملية تحقيق»، تذكرت ديان. "سألوني اذا كنت طاهرة. وجوابي كان لا. وقلت لهم هذا ليس من شأنكم. بعد ذلك تعلموا بأن المرأة التي ترتدي البنطال يمكنها أن تخدم النضال من أجل الحرم".

اوفير ديان، التي هي ابنة السفير الإسرائيلي السابق في نيويورك، والذي في القريب سيكون رئيس «يد واسم»، داني ديان، هي ناشطة في جمعية «بأيدينا» من اجل الحرم، وهي تضم شبابا علمانيين.

هذا التناغم الغريب يسري أيضا في صفوف النشطاء اليهود من اجل الحج الى الحرم، الذين يعرضون جبهة موحدة. الآن هم والمنظمات المختلفة التي ينتمون إليها يفضلون العمل معا، حتى لو كانت أهدافهم دائماً غير متشابهة. «هناك من يريدون البدء بالنضال ونشر كل حادثة يقوم بها شرطي باعتقال يهودي أدى الصلاة بصوت مرتفع»، قال حاييم البويم، الناشط في هيئة منظمات الهيكل، وهو جسم غير رسمي يريد الدفع قدما بـ «ثورة يهودية في الحرم». ولكن حسب قوله، «من الافضل ضبط النفس واستيعاب الوضع وعدم عمل قضية من ذلك، بالتحديد عندما يحافظون على الهدوء يكون من الاسهل جلب الناس الى هنا. سيأتي عدد قليل فقط اذا اعتقدوا أن هناك احتمالية لاعتقالهم، الحمد لله هذا يعمل وعدد الزوار في ازدياد".

يُصلون من الهاتف الذكي

الآراء مختلفة فيما يتعلق بالموعد الدقيق الذي بدأ فيه رجال الشرطة بالسماح بالصلاة اليومية في الحرم، التي تتكرر بعد الظهر في الصلاة الرئيسية. كما يبدو يمكن إعادة بداية الحركة الى أواخر فترة جلعاد اردان كوزير للامن الداخلي. حتى تلك الفترة كانوا يعتقلون اليهود في الحرم فقط بسبب التفوه بكلمات الصلاة. ولكن بالتدريج وبصورة غير رسمية، بدأت الصلوات تترسخ، وانتقل الامر من شخص الى آخر: يمكن الصلاة بدون اعتقال. حتى أنه في الاشهر الاخيرة نشرت تقارير حول الموضوع في وسائل الاعلام.
من الصعب التقدير بشكل دقيق لعدد الزوار، لكن لا شك أنه في ازدياد. وحسب منظمة إدارة الحرم فانه في العام الذي بدأ في 19 أيلول 2020 وينتهي في 6 أيلول 2021 قام بزيارة الحرم 25581 يهودي من اجل الصلاة هناك، وهي زيادة بنسبة 13 في المئة مقارنة بالعام السابق. في هذه المنظمة قالوا إن زيادة أُخرى سجلت عند انتهاء الإغلاق الذي فرض بسبب تفشي «كورونا». يمكن الافتراض بأن هذا التغيير التدريجي لم يكن ليحدث لو أنه لم يحصل على الدعم من مرجعية مهمة جدا. قبل بضعة اشهر، في صوم 9 آب، زار الحرم 1600 يهودي في يوم واحد، يبدو أن هذا رقم قياسي منذ خراب الهيكل قبل 1951 سنة. في المناسبة ذاتها اصدر رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، بياناً مدح فيه المفتش العام للشرطة ووزير الأمن الداخلي على العمل بمسؤولية واتزان مع الحفاظ على حرية العبادة لليهود في الحرم. في أعقاب غضب القائمة العربية الموحدة «راعم»، الشريكة في الائتلاف، وفي أعقاب الضغط من الأردن والأميركيين، أصدر بينيت في اليوم التالي توضيحاً قال فيه بأنه لا توجد أي نية لتغيير الوضع الراهن في الحرم. ولكن عملياً الوضع الراهن آخذ في التآكل كل يوم.

عندما قال بينيت 'حرية العبادة' فقد قال ما يريد جمهوره أن يسمعه، أوضح ارنون سيغل، المراسل في «مكور ريشون» والناشط الرئيسي في الحج للحرم. يبدو أن سيغل محق. بينيت رئيس الحكومة المتدين الأول ربما هو ليس النموذج الروحاني جدا، وفي السابق فضل عدم التطرق بشكل علني لهذا الموضوع (رغم أن هناك من يقولون بأن بينيت قد زار الحرم مرة عندما كان فتى في الثمانينيات). ولكن بإحساسه السياسي يستوعب المزاج العام.
رغم دعم بينيت، إلا أن الحج الى الحرم كان وما زال عملا للمواجهة والاستفزاز. بالنسبة للحجاج المتدينين فان الحديث يدور عن تمرد ضد المؤسسة الحاخامية التي فرضت الحظر على هذه العملية. فخلافا لمئات الحاخامات من الصهيونية الدينية، الذين عبروا في السابق عن دعمهم بل قاموا بالذهاب الى الحرم هم أنفسهم (بعضهم من الأجنحةالدينية الليبرالية نسبيا مثل الحاخام يوفال شارلو)، فانه لا يوجد أي حاخام حريدي معروف مستعد للتوقيع على فتوى شرعية تسمح بالحج الى الحرم. ولكن الحريديم الذين يحجون الى الحرم يقولون إنهم حصلوا على مباركة حاخاماتهم بشكل خاص.

في المقابل، يشكل الحج الى الحرم احتجاجا ضد حكومات إسرائيل على أجيالها، من اليمين ومن اليسار، التي ارادت الحفاظ على الهدوء وعلى الوضع الراهن. يضاف الى ذلك بُعد تحدي المسلمين الذين يعتبرون المسجد الاقصى المكان المقدس الوحيد الذي بقي لهم في القدس. بين حين وآخر يتصادم الحجاج اليهود مع رجال الشرطة الذين يوجدون هناك من اجل الحفاظ على أمنهم. رجال الشرطة هؤلاء، الذين اعتادوا على إظهار الصرامة في الماضي تجاه المصلين، هم الآن شركاء في معظمهم في هذا الحماس. بعض رجال الشرطة يطلبون من المصلين أثناء الصلاة من اجل المرضى أن يقوموا بالدعاء لأبناء عائلاتهم ولهم أيضا. أجزاء الصلاة يتم تعليمها شفويا أو عبر الهاتف الذكي بسبب حظر إدخال الكتب المقدسة الى المكان.

على خلفية خرق الحظر الصارخ يصعب نسيان هشاشة الأرض التي يقف عليها المصلون. والدليل على ذلك كل مواجهة عنيفة حدثت بين سكان البلاد منذ اللحظة التي بدأت فيها فكرة الوطن القومي لليهود تهدد المجتمع العربي الذي يسمي المنطقة مجمع الحرم الشريف، بدءاً من أحداث شباط 1920 وحتى أحداث أيار 2021، وهي 101 سنة من النزاع.

عن هآرتس 16/9/2021