العنصريّة والهوس الديموغرافيّ

العنصريّة والهوس الديموغرافيّ

بقلم: د. تغريد  يحيى يونس

"بالنسبة لتكاثر السكان وتكاثر الشريحة السكانيّة الإشكاليّة، ما يهزمنا (اليهود الإسرائيليون) هو الإنجاب، أقصد الرّحم العربيّ ".هذا هو جزء من التصريح العنصريّ بامتياز للبروفيسور، غدعون ساهَر، مدير قسم القلب في مستشفى "سوروكا"[1] في بئر السبع وهو أيضا جراح مرموق في صندوق المرضى "كلاليت". تفوّه به في مؤتمر انتخابيّ للمرشحة اليمينية، أييليت شاكيد، في مستوطنة "عومر" المجاورة لمدينة بئر السبع يوم الأحد الماضي، وذلك قبل نحو الأسبوع من موعد انتخابات الكنيست الـ25 المقررة الثلاثاء القادم.

وقد أثار تصريحه العنصريّ غضب واستياء المواطنين الفلسطينيين. إذ عبر فلسطينيو وفلسطينيات الـ48 عن غضبهم/ن واحتجاجهم/ن من على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بإقالته، وتوجّهت لجنة متابعة القضايا الصحيّة في المجتمع العربيّ ومنظمات حقوقيّة وجمعيات مدنية أخرى إلى وزارة الصحة وجهازها برسالة تطالب باتخاذ خطوات صارمة ضده، إذ "من يرى بالرّحم العربيّ تهديدًا، لا يُؤتمن على معالجة قلوب العرب قطعيا".[2]

إذا كان هذا التصريح العنصريّ صارخًا ومستهجنًا نظرًا لصدوره من شخص بهذا المستوى العلميّ والمهنيّ وبالذات في حقل الطب والصحة ونظرًا لما تفرضه طبيعة مهنة الطب وأخلاقياتها تجاه البشر كافة، فالحقيقة أنه بالمجمل ليس استثنائيا أو خارجًا عن المألوف في المشهد الإسرائيليّ في العقدين الأخيرين. والأهم والأكثر جذرية وتجذرًا أنه ليس غريبًا عن مبادئ الصهيونيّة! فهو يرتبط بإحدى ركائزها، وهي ركيزة العامل البشريّ (السكان، الشعب) معبرًا عنه بالديموغرافيا. من أجل فهم التصريح أكثر وفهم ما يشبهه من تصريحات لفظيّة وكتابيّة نحتاج أن نضعه في سياقه الأوسع.

تعتبر الديموغرافيا أحد العلوم الاجتماعية الحديثة، وتُعنى بدراسة وبحث التركيبة السكانية لمجتمع/دولة معينة من حيث الفئات الاجتماعية التي تتكون منها على أساس العرق، وعلى رأسها القومية والفئات حسب بلاد الأصل والفئات الدينية، وعلى أساس التحصيل التعليميّ، وفئات الجنس، والفئات العمرية، والطبقات الاجتماعية، وبحسب الحالة الاجتماعية، والوضع الصحيّ، والحراك الجغرافيّ، والحراك الاجتماعيّ وغيرها. كذلك تهتم الديموغرافيا بدراسة التغيرات التي تطرأ على التركيبة السكانية، وبالسيرورات التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية ذات الصلة.

ترصد الدول الحديثة تركيبتها السكانية وتجري إحصائيات وتوفر معطيات، وتعتمد الدول الحديثة على نتائج وتبصرات الدراسات الديموغرافية لوضع سياسات ترمي إلى ترشيد وتحسين حياة مواطنيها. إسرائيل هي حالة يذهب فيها الاهتمام بالديموغرافيا إلى حدّ الهوس، ويرتهن بطبيعة النظام الاستعماريّ الاستيطانيّ، وتُسخره لحاجاتها ومصالحها وتطلعاتها، وتعتبرها مصدر رهاب من نوع يمكن أن أسميه "ديموغرافوبيا".

الاستعمار الاستيطانيّ والهوس بالديموغرافيا

نظام الاستعمار الاستيطانيّ هو نوع خاص من الاستعمار مختلف عن الاستعمار الكلاسيكيّ. فهو يأتي ليبقى. وهو مبنيّ أساسًا على مبدئيْن هما المَحْو والإحلال. مَحْوُ كلّ ما هو أصلانيّ وإحلال ما هو استعماريّ على الأرض. ذلك في الأمور الرمزية كأسماء المدن والقرى والأماكن والشوارع، والأمور الثقافية كاللغة وغيرها، لكن أولا وأصلا في العنصر البشريّ، إذ يهدف هذا النظام إلى التخلص من وجود السكان الأصليين والاستيلاء على الأرض وإحلال المستعمرين مكانهم.

وانشغلت الصهيونيّة منذ بداياتها بالعنصر الإنسانيّ السكانيّ. في اختيارها لفلسطين، دونًا عن كلّ الخيارات التي عرضها العالم عليها، لتحقيق مشروعها الحداثيّ بدعوى وشرعية لاهوتيّة. روّجت لمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، مقولة ترمي إلى محو شعب بتاريخه وحضارته. أخذت المرحلة الأولى شكل عمليات تطهير عرقيّ ممنهج ارتكبتها القوات الصهيونيّة.[3] بلغت ذروتُها إبّان الحرب وخلال العام 1948 إذ قامت بالمجازر (دير ياسين، والطنطورة، والدهامشة وغيرها) وبتهجير وترحيل أهل البلاد وأوقعت بهم النكبة. وبالنتيجة أفرغت المدن الفلسطينية من أهلها وجرى محو مئات القرى عن وجه الأرض.[4] ولا زالت النكبة والتهجير مستمريْن، فهما ليسا حدثًا واحدًا بل بِنْيَة مستمرة.[5] على الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل بقي حوالي 15% فقط من مجمل السكان العرب قبل ذلك. فيما استولى المهاجرون اليهود على بيوت الفلسطينيين وممتلكاتهم، ونهبوا مكتباتهم الشخصيّة وأرشيفاتهم. واستمرت الهجرة اليهودية إلى البلاد واستمرت سياسات استجلابهم الممنهجة، وفي المقابل استمر ارتكاب المجازر لدفع العرب للتهجير (مجزرة كفر قاسم، 1956، مثالًا) واستمرت سياسات التهجير والترحيل المباشرة (حالة قريتيْ إقرث وبرعم، والقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، والشيخ جرّاح، كنماذج) وتلك المقنّعة على هيئة تضييق الخناق وسبل العيش الكريم، ما اضطر ويضطر حالة من الهجرة المتواصلة لأفراد وأسر كاملة من شرائح معينة.

وفي حين أن الهدف الأعظم للدولة هو الحفاظ على أكثريّة يهوديّة طاغية، فقد اتخذت سياسات متناقضة تجاه المجموعتين القوميتين، اليهود والفلسطينيين. ووقع موضوع التكاثر الطبيعيّ والإنجاب ولا زال يقع في محور هذه السياسات والخطابات، بمعنييْها وعلى النحويْن المضمر والمعلن.

تقوم الدولة بمساعٍ ممنهجة للتحكم والسيطرة على تركيبة السكان في ما يتسق وهدفها الأكبر هذا. مقابل تشجيع اليهود على الإنجاب والتكاثر، هناك محاولات لتحديد إنجاب الفلسطينيين. "مراكز الأم والطفل" التي أقامتها الدولة في القرى والمدن العربية خلال العقدين الأولين لقيامها كانت إحدى آليات تحديد إنجاب العرب.[6] إذ أن هدفها المعلن كان تقديم الخدمات والرعاية للأم والطفل/ة، لكن هدفها المضمر كان تحديد إنجاب النساء العربيات بواسطة "تثقيفهن" وتوفير وسائل منع الحمل لهن، ليس بالضرورة بحسب رغبات النساء أنفسهن وتفضيلاتهن. حتى التعليم وما استلزمه من فتح مدارس وخدمات في القرى والمدن العربية وفق التزايد الطبيعيّ للسكان بعد قيام الدولة جُيّر لأمور كثيرة في خدمة المؤسسة وتطلّعاتها، وفي ما يتعلق بموضوع المقالة المحوريّ فقد هدف توفيرها إلى خفض الإنجاب لديهنّ. ليس هذا تخمينًا أو تحليلًا بل معطيات وتصريحات موثّقة في أرشيفات حول قرارات الوزارات واللجان المختصة.

إلى ذلك، فإنه ليس سرًّا أن إسرائيل تحتل مكانًا رياديا في طب الحمل والولادة، والعيادات والتكنولوجيا والعلاجات المتقدمة من أجل الإنجاب في حالات مستعصية وإن لم يحصل بشكل طبيعيّ. وهي تقدم العلاج لمواطنيها بالمجان، إجمالًا. إن الرابط والربط قويان بين فرع طب وعلاجات الحمل والإنجاب وبين الهاجس الديموغرافيّ لإسرائيل. ويأخذ المواطنات/ون العرب هذه الخدمات "بالعروى"، كما في بليغ العربية الفلسطينيّة الدارجة! بمعنى أنهم/ن كسبوا/ن الخدمات الموجودة والتي لم تطوّر وتبرمج من أجلهم/ن بالأصل، لكن لم يصل عري المؤسسة إلى الجهار بذلك في قانون أو بغيره، وهو ما لم تتورع منه في قوانين أخرى ذات صلة بالديموغرافيا وحياة الناس كقانون المواطنة، وقانون لمّ الشمل.

مخصّصات الأولاد التي يدفعها التأمين الوطنيّ للأسر شهريا بحسب عدد أولادها دون سنّ الثامنة عشر هي الأخرى رمت إلى تشجيع إنجاب المواطنين اليهود. لن أدخل هنا في تفاصيل تحديد قيمتها والتغيرات التي طرأت عليها، سأكتفي بالتذكير بأنها مساعدات وتسهيلات موجهة بالأساس لقطاع اليهود المتدينين (الحريديين) والذين ينجبون عددًا كبيرًا من الأولاد. في النقاشات المتكررة داخل الأكثرية اليهودية حول إسهام هذه الفئة أو عدم إسهامها للدولة مقابل التكاليف التي تصرفها عليهم في مناحي الحياة الكثيرة، تقع مخصصات الأولاد في قلب النقاش.

علاوة على ذلك، ثمّة حقوق ومعونات وامتيازات في السكن والتعليم ومناحي الحياة المختلفة تقرن ما بين الأولاد والقومية وعبر قناة الخدمة بالجيش بشكل مباشر وغير مباشر، مضمر ومعلن. مرة أخرى، وبالعاميّة الفلسطينيّة، تنسحب مخصّصات الأولاد على المواطنين الفلسطينيين "بالعروى". ومرة أخرى يقرن الخطاب العنصريّ بين هذه المخصصات وبين "الرحم العربيّ"، ويدعو إلى التفكير بالسيطرة على الأمر بواسطة "تقليص المخصّصات للولد الثالث، وإلغائها للولد الرابع، وفرض غرامة على المولود الخامس"، ويقرن عمليا بينها وبين الأطفال العرب غير المرغوب بمجيئهم إلى الحياة" في إسرائيل. وإذا ما هم/نّ جاءوا، فهم/نّ يَخبرون المواطنة في تدريجها الأخير بعد المهاجر/ة اليهوديّ/ة الأخير/ة المناوب/ة، بل والمهاجر/ة الكامن/ة بقوّة هويّته الدينيّة وبقوّة القانون، يخبرون مواطنة خاوية[7]، ومشروطة، ومرتهنة لسياق استعماريّ استيطانيّ.

المستوى اللغويّ

ليس "الرحم العربيّ" و"الشريحة السكانية الإشكالية"، والتساؤل عن "تقليص وإلغاء المخصصات"، "فرض غرامة" والتصريح الكامل أعلاه ما هو إلا واحدًا من ترسانة التعابير والمصطلحات والمفردات التي تبتدعها العقلية العنصرية في كل ما يتعلق بالديموغرافيا. فالمعجميّة المستخدمة في توصيف أمور الإنجاب وعدد الأولاد لكلتا الفئتين القوميتين، العرب واليهود، كانت دائمًا انتقائية ومغايرة تجاه أقلية الوطن مقابل مجموعة الأكثرية اليهودية المهاجرة إليه. لتوصيف ومقاربة قضايا ديموغرافية متعلقة بالفلسطينيين تستخدم أيضًا المصطلحات "تهديد ديموغرافي"، و"مشكلة ديموغرافية"، و"خطر ديموغرافي"، و"عائلات كثيرة الأولاد"، "وتهويد الجليل" و"تهويد النقب"، "وخطّة السبع نجوم" وغيرها. بينما "عائلات مباركة الأولاد"، "ومصلحة ديموغرافيّة"، و"تهويد الجليل" و"تهويد النقب"، و"خطة السبع نجوم" وغيرها عند الحديث أو الكتابة عن الأكثريّة اليهوديّة عامة والفئة متزمّتة التديّن (الحريديين) خاصة والتي يفوق معدلُ إنجاب الأم الواحدة فيها معدلَ الإنجاب لدى المرأة الفلسطينيّة في أراضي 48.[8] وينسحب الأمر على "تهويد" المنطقة المراد هندستها ديموغرافيا، بما فيها المثلث الشماليّ واستحداث بلدة "حريش"، بما لهذه الهندسة من أبعاد على الجغرافيا والديموغرافيا والثقافة والاقتصاد والتاريخ وغيرها. ليس المستوى اللغويّ بريئًا وساذجًا إطلاقًا. إنه مشبع بالأيديولوجيا والسياسة ومتخم بالعنصرية والفاشية في هذه الحالة. ولهذا التوجه العنصريّ الفاشيّ معانٍ وأبعاد على المواطنة كما يخبرها هؤلاء في مجالات الحياة كافة، بما فيها خدمات الطبّ والصّحة، وعلى مكانتهم الهشّة في الدولة إجمالًا.

الاحتفاء بتعادل معدل الإنجاب

مؤشرٌ وتجلٍّ آخران على القلق والخوف والهوس الديموغرافي المذكور نجده أيضًا في الاحتفاء بتعادل معدل الإنجاب بين المرأة العربية والمرأة اليهودية في العام 2017. كان المعدل يومها 3.17 مولودا/ة لكل منهما.[9] ورغم إشارة الإحصائيات منذ الستينيّات إلى انخفاض متعاقب في معدل إنجاب النساء العربيات، إلّا أن هذه الإحصائية تحديدًا حظيت باحتفاء خاص، بما في ذلك في الإعلام العبريّ. كنت وافقت على إجراء مقابلة معي لبرنامج تلفزيوني أعدته إحدى القنوات بصفتي العلميّة (سوسيولوجست)، بعد تردد شديد ووسط تحذير المعد والصحافيّ والمخرج من احتمال اجتزاء أقوالي. جاءت موافقتي على المقابلة تمامًا لأُسمِع الصوت العلميّ المغيّب والتحليل المتكامل لانخفاض معدل إنجاب النساء العربيات، بما في ذلك عبر إبراز التحولات الثقافيّة الداخليّة للمجتمع الفلسطينيّ، ولفهم احتفاء الإعلام والمؤسسة الإسرائيلية بالتعادل المذكور في سياقهما. وحصل ما خشيتُه، إذ اختزل الإعدادُ مشاركتي وحذف تشديدي على وضع الظاهرة والمعطى الإحصائيّ واحتفاء المحتفين به، وتحليلي السوسيولوجي للسيرورات والعوامل الخارجية والداخلية في السياق العام.

إزهاق أرواح الفلسطينيين

لا يمكن فهم تعامل الشرطة وأجهزة الأمن مع الفلسطينيين والعنف المجتمعيّ والجريمة المنظمة في العقدين ونيف الأخيرين بمعزل عن الشأن الديموغرافي. منذ أن قتلت شرطة إسرائيل 13 شابًا فلسطينيًا من مواطنيها في هبة أكتوبر 2000 خلال تظاهرات انتفاضة الأقصى شكّل التاريخ منذ حينها فارقا في علاقة الدولة وسياساتها تجاههم، إذ تصاعد وتسارع نهج اليد الخفيفة لقوات الأمن على الزناد عند الحديث عن الفلسطينيين. في المقابل، تفاقم العنف المجتمعيّ والجريمة المنظمة في المجتمع الفلسطينيّ في الداخل إزاء إهمال الشرطة ومؤسسات الدولة له وعدم أخذها مسؤوليتها في تأمين الأمن الشخصيّ والمجتمعيّ، بل وكشفها علانية عن عدم قدرتها على معاقبة المتورطين نظرًا للخدمات التي يقدمونها لأجهزة الأمن.

تزامنت السيرورات والتغيرات القطرية في العقد الثاني للألفية الثالثة مع تحولات إقليمية على مستوى المنطقة. الثورات العربيّة وما صاحبها من عنف وقتل ممنهجين في أطوارها المختلفة، ومن ثم ما آل إليه بعضها من حروب أهلية كشفت هشاشة الأنظمة العربية وضعفها، وشهدت حالات تنكيل وقتل تقشعر لها الأبدان، أضافت بالتالي عوامل محفزة ومساعدة للتعامل مع المواطنين العرب بهذا النهج. فدم العربيّ رخيص! يحضر البُعد الديموغرافيّ هنا بكامل عنصريته وبشاعته.

ويتغلغل هذا الفكر بالتلميح والتصريح المؤسساتيّ، سواء في المناهج التعليمية التي لا تقيم شأنًا للعربيّ/ة، وفي الإعلام الذي لا يتعامل معه/ا إلا من منظور التهديد الديموغرافيّ والأمنيّ المتخيّل أو الكامن الذي يشكله على الدولة والأكثرية العبرية، وفي القرارات، والسياسات، وبواسطة تصريحات المسؤولين والقيادات المختلفة، سواء بـ"زلات لسان" تكشف عمق وتجذر هذا التوجه العنصريّ أو بنهج رتيب يميّز بعضهم ويشكّل "علامتهم التجاريّة". هؤلاء أيضا في تزايد مطرد يواكب التحولات الحاصلة في الأوساط اليهودية، والتي في خضمّها مسائل ديموغرافية أيضًا داخل فئاتهم المختلفة وبصعود اليمين وتسيّده، صعود يتغذى في ما يتغذى من تفاقم قوى اليمين عالميا، ومن علاقات التحالف بل التبني التي تحظى بها إسرائيل من الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا.

ومن مظاهر تغلغل الفكر العنصريّ شعبيا نداءات قطاعات من الجماهير اليهوديّة "الموت للعرب" في ملاعب الرياضة وفي المظاهرات والأحداث المختلفة وفي الحيّز العام عامة، من دون سائل ومُسائلة ودون حساب وعقاب رادع. وهو الأمر ذاته الذي شهدناه في هبّة الكرامة، في أيّار/مايو 2021، وما جرى في اللد وغيرها من اعتداء جماعيّ على السكان العرب، واستشهاد الشاب موسى حسونة، وفي أم الفحم استشهاد الشاب محمد كيوان. في كلّ الحالات المذكورة سُرّح المتهمون ممن اعتقلوا، وأغلقت الملفات لعدم توفّر أدلة!

المبدأ، التفاقم، والتصاعد

إن التصريح العنصريّ المذكور لبروفيسور يرأس قسمَ جراحة القلب في مستشفى "سوروكا"[10]، ويداوم في صندوق مرضى عام، أفضل ما يكون فهمه في سياقه الأوسع، سياق النظام الاستعماريّ الاستيطانيّ ومبادئه وآلياته، والصهيونية وموقع الشأن الديموغرافيّ فيهما، وما يأتي عنهما من رهاب تركيبة السكان (ديموغرافوبيا)، وللدقة رهاب أهل البلاد، وما يُشتق منهما وينجم عنهما من عنصريّة وفاشيّة، بعضها مقنّع مضمر وبعضها سافر معلن. إن السيرورات والتحوّلات القطريّة والإقليميّة والعالميّة تُفاقم وتُصاعد وتُسارع هذا التوجه. أمام هذه السيرورات والتحوّلات ومستوياتها المتضافرة دخلنا في مرحلة ما أسميتُه تعرّي الدولة، ومعها تعرّي أربابها، ورُبّانيها، وزبانيها، وهو دخول في مرحلة خطرة من المجاهرة بالعنصريّة والفاشيّة.

الهوامش:

[1] مدير قسم جراحة القلب في مستشفى "سوروكا".

[2] ترجمتي لاقتباس من رسالة للطبيب نعيم أبو فريحة، رئيس جمعيّة الأطباء العرب في النقب، بعثها إلى مدير مستشفى "سوروكا".

[3] للتوسّع يمكن قراءة كتاب إيلان بابه، التطهير العرقيّ، وكتب أخرى "لمؤرخين جدد".

[4] لم أقرأ حول الموضوع شيئًا بصيغة المعلوم إطلاقًا، وإنمّا بصيغة الممبني للمجهول دائمًا وفي اللغات الثلاث التي قرأت فيها عن الموضوع. وإذ أكتب بصيغة المعلوم فالاعتبارات هي ببساطة أن الفاعل معلوم، وأنه لا يمكن إنكار المسؤوليّة إلى ما لا نهاية.

[5] عن النكبة بوصفها بِنْيَة وليست حدثًا يمكن التوسّع عند باتريك وولف.

[6] لقراءة مستفيضة حول الموضوع يمكن قراءة كتاب الباحثة روضة كناعنة: Birthing the Nation

[7] عن سمات المواطنة الخاوية يمكن قراءة كتاب أمل جمّال.

[8] هذا مع مراعاة الفروقات في كلتا فئتيْ القوميّة تبعا لللإثنيّة والديانة وغيرهما.

[9] كما اسمه، هذا هو المعدل الإجماليّ، وثمّة تفاوت واختلافات بين الفئات الداخليّة في كل من الفئتين القوميّتين على أساس الديانة والعرق.

[10] كنت قد اقترحت هذه المفهمة في ورقة-محاضرة في مؤتمر عقد في جامعة تل أبيب في أعقاب "قانون القوميّة" 2018.

عن "عرب48"