المتعثرون بالوعي طوعاً...لماذا؟

المتعثرون بالوعي طوعاً...لماذا؟

محمد قاروط ابو رحمه

 المتعثرون بالوعي من الناس، يقدمون الموت على الحياة، يعبرون بكثافة مبهرة عن ذلك في كل لحظة.

 ويمكننا سماع ذلك بوضوح عندما يقال في الميت قصائد بهية، ويسردون عنه قصصا بهيجة، ونشاهد ذلك بوضوح مركز في أكاليل الورد التي تزين جنازته وقبره.

وكل ذلك لا ينفعه، ولكنه ينفع ثقافة الموت، والخوف من البوح والعمل في لحظة الحياة، ونحن أحوج إلى وردة ونحن أحياء، نتأملها... نزهوا بها.. نستنشق عبيرها.

احسب أن الإنسان الحي بحاجة لأن يسمع كلاما جميلا، وهو بحاجة لأن يسمع كلاما يصوب فيه حياته، فالكلام لتصويب مسار الحياة حياة.

كل كلام يحيي الروح ويعيننا على الاستمرار أحياء، لا يصدر إلا من حي، وقراءة ما يكتب عنا تسر وتبهج.

 إن قراءة نص كتب خصيصا لنا ونحن على قيد الحياة أمر بهي ومنعش، وهو بلا شك من ناحية القيمة أكبر من مجلدات يقرأها غيرنا عنا ونحن أموات.

المتعثرون بالوعي الجالسون يتفرجون عليه، الغارقون أحيانا في الجهل او أطرافه، يعتبرون الكتابة عن إنسان يقرأه عن نفسه من غيره... أمر جلل... فيه تسحيج ووجل.

العلاقات الإنسانية أكثر قيمة من التسحيج والوجل، ووجه العلاقات الإنسانية وعمودها الفقري مبنية على الاحترام والثقة.

قوة الفعالية عند الأحياء في فهم مقصد الخالق من تقديم الموت على الحياة في سورة تبارك الآية (2) (ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ)، تقديم الموت على الحياة في هذه الآية، من أجل عمل أحسن وليس من أجل موت أحسن. والعمل الأحسن من اجل الحياة بحاجة إلى أن يكون الإنسان دائم المراجعة لمعارفه، وضد التحجر الفكري، والتريث في إصدار الأحكام، والإقرار باللاعصمة، والسير منفردين إذا اقتضى العمل الأحسن ذلك.

والذين يعملون الأحسن في الحياة، هم الذين يعملون الأحسن في الحياة ليستمر حسن عملهم بعد موتهم.

إنهم من يتركون ذرية تدعوا لهم بالخير او علم ينتفع به، او صدقة جارية.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم.

إذا ربيت أبناءك على الأحسن عملاً فأنت قدمت للمجتمع أسرة منتجة وجيلا ينفع نفسه ومجتمعه، فيدعو المجتمع لمن رباهم. وان تركت علما ينتفع به فأنت خدمت المجتمع وأنت حي واستمر تأثير خدمتك بعد موتك، وان تصدقت بصدقة جارية مثل المساهمة في بناء مستشفى او مدرسة او وفرت أدوات عمل لعائلة فأنت خدمت مجتمعك بأحسن عمل في الدنيا واستمر حسنه بعد موتك.

ان ثقافة الحياة تحتاج إلى التفاعل مع الناس والبيئة، وثقافة الموت ابتعاد عن الناس والبيئة.

جزء من هذا النص كتب لـ "نادي الزهايمر"، ليكون البوح فيه بلا حدود، وبلا مسائلة موضوعية، وان المسائلة في هذا النادي هي مسائلة ذاتية. الذين يسألون أنفسهم ينطبق عليهم (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) حديث صحيح عند الألباني، أو هو أثر عن عمر رضي الله عنه.