التدخلات الإقليمية في الشأن الفلسطيني: محاولات فاشلة لاستبدال القيادة الشرعية وتهديد وحدة الشعب الفلسطيني

التدخلات الإقليمية في الشأن الفلسطيني: محاولات فاشلة لاستبدال القيادة الشرعية وتهديد وحدة الشعب الفلسطيني

التدخلات الإقليمية في الشأن الفلسطيني: محاولات فاشلة لاستبدال القيادة الشرعية وتهديد وحدة الشعب الفلسطيني

بقلم: معروف الرفاعي

في العقود الأخيرة، شهدت القضية الفلسطينية تدخلات إقليمية متكررة تهدف إلى تغيير المشهد السياسي الفلسطيني من خلال إيجاد بدائل للقيادة الشرعية ومنظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، وتأتي هذه المحاولات من أطراف إقليمية لها أجندات خاصة ومصالح تسعى لتمرير مشاريع متوافقة مع رؤية الاحتلال الإسرائيلي، بما يتناقض مع تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، وهي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، ويعترف بها المجتمع الدولي، وعلى مر السنين، تعرضت المنظمة لمحاولات تفكيك واستبدال من قِبَل دول إقليمية، سعت لاستغلال القضية الفلسطينية لخدمة مصالحها.
من أبرز هذه المحاولات، تدخل النظام السوري في سبعينيات القرن الماضي في الشأن الفلسطيني، ففي عام 1976، دعمت سوريا فصائل فلسطينية مناوئة لقيادة منظمة التحرير، خاصة بعد الحرب الأهلية اللبنانية حيث سعت دمشق لتعزيز نفوذها في لبنان عبر توظيف القضية الفلسطينية، فدعمت سوريا جبهة الرفض التي كانت تسعى لمعارضة الخط السياسي لفتح والزعيم الراحل ياسر عرفات، لكنها فشلت في تقديم بديل حقيقي يحظى بقبول الشعب الفلسطيني، وحافظت منظمة التحرير على مكانتها رغم الضغوط العسكرية والسياسية التي مارستها دمشق آنذاك.
محاولة أخرى جاءت من العراق خلال الثمانينيات، حيث دعم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين فصائل فلسطينية منشقة مثل جبهة التحرير العربية، وكان هدف هذه التحركات تحقيق الهيمنة العراقية على القرار الفلسطيني، لكن مثل هذه التحركات اصطدمت بالتمسك الشعبي الفلسطيني بمنظمة التحرير ورفضهم لأي محاولات لإيجاد قيادة بديلة تخدم مصالح خارجية.
لم تكن محاولات التدخل والتفكيك حكرًا على الدول الإقليمية فقط، بل شهدت الساحة الفلسطينية محاولات انشقاق داخل حركة فتح نفسها، ففي عام 1983، وقعت محاولة تمرد مسلحة ضد القيادة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات في لبنان من قِبَل عناصر داخل فتح بدعم من سوريا وليبيا، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل أيضا، حيث استطاعت القيادة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات تعزيز وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة هذه المحاولات، واستمر عرفات في قيادة المنظمة كرمز للشرعية الوطنية حتى وفاته في عام 2004.
في الوقت الراهن، تواصل بعض الدول الإقليمية السعي لإيجاد بدائل عن القيادة الفلسطينية الحالية بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، حيث تستند هذه التدخلات إلى محاولات تمرير مشاريع رفضتها القيادة والشعب الفلسطيني، مثل صفقة القرن التي اقترحتها الإدارة الأمريكية السابقة، والتي هدفت إلى تقويض حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود عام 1967.
وتأتي هذه التدخلات في وقت نجحت فيه الدبلوماسية الفلسطينية في تحقيق إنجازات هامة على الساحة الدولية، ففي السنوات الأخيرة، تمكنت فلسطين من الحصول على اعترافات متزايدة بدولتها، وكان آخر هذه الإنجازات حصولها على مقعد دائم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا النجاح الدبلوماسي أزعج الاحتلال والمتعاونين معه وبعض الانظمة العربية التي تعبتر وكلاء للإحتلال في المنطقة، واعتبروا أن هذه النجاحات تعزز من شرعية القيادة الفلسطينية على المستوى الدولي، مما يجعل محاولات إيجاد بدائل عن القيادة أكثر صعوبة وتعقيدًا.
لكن هذه التدخلات الإقليمية تجد دعمًا من بعض الشخصيات الفلسطينية التي تسعى لتحقيق أجندات شخصية، حيث ان هذه الشخصيات قد تكون متورطة في ملفات فساد، أو مطرودة من أطر حركة فتح ومنظمة التحرير، وتسعى إلى الانتقام من القيادة الشرعية عبر التحالف مع أطراف إقليمية تعمل على إضعاف التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني.
رغم كل هذه المحاولات الإقليمية والفلسطينية لإيجاد بدائل عن القيادة الشرعية، أثبت الشعب الفلسطيني على مر السنين تمسكه بقيادته الوطنية وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد له، فالمحاولات السابقة التي دعمتها سوريا والعراق، وكذلك محاولات الانشقاق داخل حركة فتح، باءت جميعها بالفشل بفضل صمود القيادة ورفض الشعب لأي تدخلات خارجية تؤثر على تمثيله الشرعي.
اليوم، وفي ظل التدخلات الإقليمية المستمرة، يبقى التمسك بالقيادة الفلسطينية الشرعية هو الخيار الوحيد لمواجهة هذه المحاولات، ونجاحات الدبلوماسية الفلسطينية في انتزاع المزيد من الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية تعد انتصارًا للشعب الفلسطيني في مواجهة هذه المخططات، وإن استمرار الوحدة الوطنية والحفاظ على تمثيل منظمة التحرير كإطار جامع لكافة الفصائل والقوى الفلسطينية هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تهدد حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.
ويبقى المشهد الفلسطيني عرضة للتدخلات الإقليمية التي تحاول إعادة تشكيله بما يخدم مصالح الاحتلال وأجندات خارجية، ولكن كما فشلت المحاولات السابقة لاستبدال القيادة الشرعية، ستفشل المحاولات الحالية بفضل تمسك الشعب الفلسطيني بقيادته الوطنية ورفضه لأي محاولات لتمرير مشاريع تنتقص من حقوقه، ومنظمة التحرير ستبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والقيادة الشرعية ستظل في طليعة النضال حتى تحقيق الحرية والاستقلال.