العطاء الفلسطيني وسط الإبادة بقلم : فادي أبو بكر
العطاء الفلسطيني وسط الإبادة
بقلم : فادي أبو بكر
في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لجميع أبناء الشعب الفلسطيني من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، لا يسعنا إلا أن نتساءل: "إن لم تكن هذه الصرخة بحجم السماوات السبع، فماذا تكون؟". شعبٌ بأكمله يُستهدف للإبادة، وأرضٌ تُحرق وتُدمَّر فيها الحياة، إنه تطهير عرقي دموي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى بحق أهلنا وشعبنا في قطاع غزة وكل بقعة من أرض فلسطين المحتلة.
تواصل إسرائيل حربها المسعورة على قطاع غزة منذ عشرة أشهر، مُتسببةً في نزوح حوالي 85% من السكان، وفقاً لتقديرات وكالة الأونروا. كما أكّدت الوكالة أن المساعدات الإنسانية تغطي فقط 5% من احتياجات سكان القطاع، مما يضع ضغوطاً هائلة على الشعب الفلسطيني في مواجهة هذه الظروف القاسية.
في ظل حرب الإبادة المستمرة، ظهرت عشرات المبادرات التي تقوم بها مجموعات شبابية أو حتى أفراد، بهدف التخفيف من معاناة أخواتهم وأخوتهم النازحين الذين تركوا منازلهم وممتلكاتهم ويفتقرون لمقومات الحياة الأساسية في الخيام ومراكز الإيواء.
تَبرُز مبادرات الفلسطينيين رغم المعاناة التي يواجهونها في غزة، كنماذج ملهمة للعطاء، وتعكس تأثيرات إيجابية على النفوس والعقول، وتعزز حب العطاء وتعبر عن أصالة الانتماء، وتجمع بين قيم الحب، والإيثار، والتضحية، والوحدة.
يساهم العطاء في رفع الروح المعنوية للنازحين ويمنحهم الأمل في المستقبل، ويُعزّز من روابط الأخوة والتضامن بين أفراد المجتمع الفلسطيني، كما تساهم هذه النماذج المضيئة في تحفيز المزيد من الأشخاص والمجموعات للمشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية.
إن المبادرات الخيرية التي ينظمها الفلسطينيون لدعم بعضهم البعض في أصعب الظروف قد تكون قدوة لتحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية الحقيقية. فالعطاء والتضحية من أجل الآخرين لا يعترفان بالانقسامات السياسية أو الحزبية، بل يعكسان روح الوحدة والتضامن التي يحتاجها الشعب الفلسطيني للاستمرار في مسيرته من الصمود والنضال.
لتسخير هذه المبادرات كمدخل لتجاوز التراكمات المؤلمة بين الفصائل الفلسطينية، وكنموذج لبناء أسس المصالحة والوحدة الوطنية، يمكن اتباع خطوات متعددة، منها:
- إبراز قصص النجاح المشتركة عبر تنظيم فعاليات تعرض قصص نجاح المبادرات الخيرية المحلية، حيث يعمل أفراد من مختلف الفصائل معاً لتحقيق أهداف إنسانية نبيلة.
- تشجيع التعاون بين المؤسسات الخيرية بإنشاء منصات مشتركة تجمع المؤسسات الخيرية من مختلف الفصائل للعمل معاً على مشاريع تخدم المجتمع.
- إقامة حملات توعية مشتركة تركز على أهمية الوحدة الوطنية والتعاون بين الفصائل لتحقيق الأهداف الوطنية والإنسانية.
- إشراك الشباب من مختلف الفصائل على الانخراط في العمل الخيري المشترك، مما يساهم في بناء جسور التواصل والثقة بين الأجيال القادمة.
- يمكن إنشاء لجان فصائلية مشتركة لمتابعة وتنفيذ المشاريع الخيرية، مما يعزز التواصل المباشر بين الأطراف ويقلل من فرص النزاع والانقسام.
- استثمار روح العطاء والتضحية التي تظهر في هذه المبادرات لتعزيز الحوار بين قيادات الفصائل، والتأكيد على أن القيم الإنسانية المشتركة يمكن أن تكون أساساَ لتحقيق المصالحة والوحدة.
يبقى العطاء الفلسطيني نوراً يشعّ في الظلام، ليعبّر عن قوة وإصرار شعب يأبى الانكسار، ويواصل الكفاح من أجل حياة كريمة، وتشكّل نماذج العطاء الفلسطيني مصدر إلهام لتحقيق المصالحة الوطنية والوصول إلى وحدة وطنية حقيقية.
تعكس قيم العطاء والتضحية لأجل الآخرين القيم الأصيلة للشعب الفلسطيني، وتؤكد أن الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة، ومن خلال التعاون والعمل المشترك فقط، يمكن تحقيق مستقبل أفضل وأمل جديد للشعب الفلسطيني.