إسرائيل وإيران: مناوشات متصاعدة ومفتوحة على التصعيد
إسرائيل وإيران: مناوشات متصاعدة ومفتوحة على التصعيد
تل ليف رام
في الفترة الأخيرة، واضح على نحو ظاهر أن المعركة الجارية بسريّة في السنوات الأخيرة بين إسرائيل وإيران ترتفع درجة. هذا ليس بعد بالمستوى العالي للحرب، لكن وتيرة الأحداث آخذة في التصاعد، ويخيل أنه في كل أسبوع يتحقق ارتفاع درجة بطيء ومعتدل.
إلى جانب التوتر بعد تصفية نشيطي قوة القدس في الأسبوع الماضي، تؤكد المصادر أن هجمة الصواريخ الإيرانية هذا الأسبوع نحو مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان في العراق، لم توجه نحو أهداف أميركية. تأتي التقارير عن هدف الهجوم والضرر الذي ألحقه أساساً من وسائل الإعلام في إيران وفي لبنان، والتي إن كان ينبغي أخذها ضمانة محدودة، لكن ينبغي أن نتذكر أن صورة الحدث، من الجانب الإسرائيلي أيضاً، بقيت في غموض عال.
الكثير من التفاصيل غير معروفة وليس كل شيء يمكن قوله، ولكن يمكن القول: إنه في الجانب العملياتي والاستخباري، في جهاز الأمن بعيدون عن الاستخفاف بالقدرات التي أبداها الإيرانيون. واضح أنه مقابل إخفاقاتهم في ضرب أهداف في إسرائيل بالصواريخ وبالمسيّرات، حين يدور الحديث عن عملية تنفذ من إيران وهدف الهجوم هو في أراضينا، مريح أكثر للإيرانيين التعبير عن قدراتهم العسكرية.
التحليلات التي تقول: إن هجمة الصواريخ في العراق انتقام إيراني على تصفية نشيطي قوة القدس في ضواحي دمشق الأسبوع الماضي.. بعيدة عن أن تروي القصة الكاملة. فالحساب الإيراني المفتوح تجاه إسرائيل أوسع بكثير، والأحداث هذا الأسبوع تشكل استمراراً لمعركة تجري في السنوات الأخيرة بين إسرائيل وإيران على أراضي العراق أيضاً، وليس فقط سورية كما درجنا على الاعتقاد.
هذا بالتوازي مع الجهود الهائلة التي تبذلها إيران في مجال المُسيّرات الهجومية والاستخبارية، إلى جانب الصواريخ الدقيقة التي تطورها انطلاقاً من الاعتراف بدونية سلاح جوها مقابل سلاح الجو الإسرائيلي، وكذا انطلاقاً من رغبتها في تزويد شركائها الإستراتيجيين في الشرق الأوسط بهذه الوسائل القتالية.
القدرة الإيرانية المتطورة تعيشها دولة إسرائيل على جلدتها بشكل أليم. ولكن في إسرائيل أيضاً يشخصون ما تحاول إيران عمله، بما في ذلك تصدير الوسائل القتالية إلى الطوق الأقرب لإسرائيل: للحوثيين في اليمن، للميليشيات الشيعية في العراق وسورية، وبالطبع لـ"حزب الله" في لبنان، ومساعدة "حماس" في غزة.
تدير إسرائيل من خلف الكواليس معركة حقيقية في مواجهة مشروع المُسيّرات الإيراني. بعضها يتركز على إحباط محاولات المسّ بإسرائيل وبعضها خفي، ولكن يبدو أكثر جهد كبير للمسّ بقدرات إيران في هذا المجال. تتركز معظم الجهود في سورية والعراق، ولكن بعضها حسب تقارير أجنبية ينفذ على أراضي إيران تماماً.
أفادت قناة "الميادين" اللبنانية بأن القاعدة التي تعرضت للهجوم في أربيل هي قاعدة إسرائيلية استخدمت لإطلاق ست مُسيّرات إلى مجال عسكري أمني في منطقة كرمنشاه، في 14 شباط.
وأضاف زميلي عاموس هرئيل من "هآرتس" هذا الأسبوع: إنه في الهجوم المنسوب لإسرائيل في إيران، دمرت مئات المُسيّرات الإيرانية من أنواع وحجوم مختلفة. وترسم لوحة التفاصيل من أحداث مختلفة وقعت في الشهر الماضي صورة مواجهة مباشرة آخذة في التعاظم بين إسرائيل وإيران، وأطراف مختلفة في القصة الإطار آخذة في الاتضاح.
هجوم مهم في إيران نفذ في منتصف شباط، ولاحقاً جاءت محاولات إيرانية للرد، حين أفاد الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي فقط بإسقاط مُسيّرتين إيرانيتين في الطريق إلى إسرائيل، تقرير مأخوذ من السنة الماضية. ولاحقاً ضرب في سورية هدف إستراتيجي مهم للإيرانيين مع تصفية مهندسين من قوة القدس الإيرانية، وبعد ذلك هاجمت إيران بالصواريخ هدفاً ليس أميركياً في عملية ليست رمزية بل ذات معنى عملياتي.
التقدير في إسرائيل، كما أسلفنا، هو أن الرد الإيراني في أربيل ليس عملية ثأر على العملية المنسوبة لسلاح الجو في سورية وتصفية مهندس قوة القدس في الهجوم. هذا بات حساباً آخر، وعليه فإن التأهب العالي في الشمال سيبقى أيضاً في الفترة القريبة القادمة حين تكون الفرضية الأساس لجهاز الأمن هي أن الإيرانيين سيسعون إلى الانتقام على هذا الحدث أيضاً.
كما أن الهجوم المنسوب لإسرائيل في منطقة دمشق قبل نحو أسبوعين كان شاذاً ومهماً، والآن يمكن الكشف عن بعض التفاصيل الجديدة. بالنسبة لهوية القتلى، في إيران جرى الحديث عن ضابطين كبيرين في الحرس الثوري، لكن في إسرائيل، كما أسلفنا يعتقدون أنهما ينتميان إلى قوة القدس. وفضلاً عن كونهما ضابطين، فإنهما قبل كل شيء مهندسان، والهدف نفسه الذي هوجم يعرف كإستراتيجي وأغلب الظن يرتبط بمشروع دقة الصواريخ.
استخدم الإيرانيون الموقع والساحة السورية لعملية منظومات متطورة، ومن هنا الطريق قصير لنشرها إلى الميليشيات الشيعية في العراق وبالطبع إلى "حزب الله" أيضاً. في إسرائيل يرون هذه الوسائل القتالية كخط أحمر محظور اجتيازه. صُفي الضابطان المهندسان من قوة القدس اللذان لم يكونا هدف الهجوم. كان الهدف البنية التحتية نفسها، ولكن يمكن الافتراض بأن جهاز الأمن لم يأسف جداً على موتهما.
المناوشات بين إيران وإسرائيل لا تنقطع عن السياق العالمي. غير مرة، عندما تتناوش القوى العظمى فيما بينها، يكون من شأن أثر انعدام الاستقرار العالمي أن سيصل إلى مواجهات تجري بين قوى أصغر مثل إسرائيل وإيران. ومن هنا فإن التوتر في الساحة الشمالية سيرافقنا لزمن طويل، واحتمالات التصعيد تزداد كلما يمر الوقت ويتواصل الصدام العسكري، حيث يكون معظمه من خلف الكواليس وفي ظل غموض شديد.
عن "معاريف"