صحيفة عبرية تحذر من استماتة بايدن بالحفاظ على الحكم بشكل لا يختلف عن نتنياهو

صحيفة عبرية تحذر من استماتة بايدن بالحفاظ على الحكم بشكل لا يختلف عن نتنياهو

صحيفة عبرية تحذر من استماتة بايدن بالحفاظ على الحكم بشكل لا يختلف عن نتنياهو

بقلم: ناحوم برنياع / يديعوت أحرونوت 

“لا أعرف ما يريده الشعب، ولكني أعرف ما يحتاجه الشعب”، قال بن غوريون. تقتبس هذه الجملة بين الحين والآخر كقدوة لزعيم يرفض الاستسلام للشعبوية، ومصلحة الشعب وحدها هي التي توجهه في أفعاله كلها. بالقدر ذاته يمكن تفسير الجملة بشكل معاكس، على حد أقوال متبجحة لدكتاتور سيطرت عليه القوة: أيها الناخبون، لا تهمون جدتي. سأفعل ما يروق لي، وستسيرون ورائي.

ما يجلبنا إلى الدراما الواقعة هذه الأيام حول جو بايدن هو إصراره على مواصلة السباق. كُتّاب رأي أمريكيون يشبهون رفض بايدن التصدي للواقع بموقف الملك لير، بطل شكسبير المأساوي الذي لم يعرف في شيخوخته كيف يميز بين الحبيب والعدو، بين من يقول الحقيقة والمتزلف، ما يهمه مملكته وفقد حياته. إذا لم يصحُ بايدن فستقع المرحلة المأساوية لهذه القصة في تشرين الثاني، حين يعود ترامب إلى البيت الأبيض، أو كبديل، حين ينتصر بايدن بمعجزة ويصبح رئيساً لا يؤدي مهامه. في هذه اللحظة، نحن في مرحلة ثقيلة على القلب: زعيم محبوب، غني بالحقوق، يعيش في النكران، وليس بين محبيه من يقول له كفى.

إحدى المزايا التي تباهى بها بايدن طوال حياته هي المناعة النفسية، وقدرته على التغلب على مآس شخصية وهزائم سياسية. مثل شمعون بيرس عندنا، لم يتنازل قط: عندما ألقوا به من الباب، تسلق عبر النافذة؛ وهي ميزة توجهه اليوم أيضاً، لكنها تفسر بشكل مختلف، ليس كمناعة نفسية بل كقطيعة عن الواقع، بغياب وعي ذاتي. إلى جانب فقدانه القوة المودعة بيديه في هذه اللحظة والقوة التي يطلبها لنفسه في السنوات القادمة، قد يفقد إنجازاته الماضية أيضاً. كلما تعاظمت المخاوف من عودة ترامب تعاظمت الضغينة تجاه بايدن: أنتَ وأناكَ، أنت مذنب. بايدن ليس الزعيم الوحيد الذي يعاني من انعدام الوعي الذاتي؛ فمن يسعى للوصول إلى مكان زعيم وطني سيكتشف آجلاً أم عاجلاً بأن الوعي الذاتي وزن زائد ومن الأفضل أن ينزله وهو في طريقه إلى الأعلى: التسلق أسهل حين تكون العيون مغمضة.

تبدأ الصعوبة بنا، نحن الناخبين. ونتوقع من زعيمنا أن يكون هذا وذاك: منصت للأصوات من حوله وساد أذنيه لها أيضاً. لاعب في فريق وواحد ووحيد أيضاً، لطيف المعشر لإسرائيل وملك متوحش أيضاً.

النموذج المطلوب هو غولدا مائير، التي بانغلاق حسها تتحمل مسؤولية لا بأس بها عن إخفاق يوم الغفران. غولدا إياها وانغلاق حسها إياه أعطيا للدولة زعامة مصممة، قوية، واعية في عهد الحرب، بينما جنرالات أبطال ودايان على رأسهم، انهاروا حولها.

ميراف ميخائيلي مثال من الحزب ذاته، لكن من فترة مختلفة وبحجم مختلف. عشية الانتخابات الأخيرة، حذر كل من له عينان في رأسه ميخائيلي من عودة نتنياهو إلى الحكم إذا لم توحد القوى مع “ميرتس”. وهي لا تغامر بنفسها بحزبها فحسب، بل بمصير الدولة. أما هي فقد عاندت، وكانت النتائج بما يتناسب مع ذلك: لو تنافس الحزبان معاً لحصل نتنياهو على 61 مقعداً وليس 64. معقول الافتراض بأن انقلاب روتمان ولفين كان سيبدو مختلفاً؛ فمن الصعب إحداث ثورات بفارق صوت واحد. لعل كل ما حصل هنا في العشرين شهراً الأخيرة كان سيبدو مختلفاً. بعد الانتخابات، لم تستقل من الحزب ولا من الكنيست، ولم تستقل أيضاً بعد أن اختار حزبها زعيماً جديداً.

نتنياهو هو النموذج الأكثر إثارة للاهتمام؛ فقدرته على التركيز على نفسه، وإنجازاته، وتفوقاته، والمظالم التي أحيقت به، كانت دوماً استثنائية، حتى مقارنة بسياسيين آخرين. لكن إن لم أكن مخطئاً، ففي السنوات الأخيرة شيء ما تغير فيه. النقد عليه بات أقل إقلاقاً له. كل نقد أصله في كراهية لاذعة له ولعائلته – وعليه فلا قيمة له. هو يسبح داخل مجمع مياه أقيم من أجله: أبناء عائلة متحمسون، ومساعدون هزيلو القدرات، وأناس إعلام يزلفهم إيمانهم، يسمحون له بأن يغمض عينيه تماماً.

بعد أسبوعين سيقلع إلى بايدن. المسافة بين الاثنين، في وضعهما الحالي، أصغر مما اعتقدنا. كلاهما يتمسكان بالحكم وكأن الحكم ليس ممكناً بدونهما؛ الدولة مهمة لكن “أناهما” أهم؛ كلاهما مدمنان الاستطلاعات، لكنهما لا يستوعبان إلا ما يريحهما. كلاهما لا يلبيان متطلبات المنصب – الأول لأنه لا يستطيع، والثاني لأنه لا يريد. إذا التقيا سيكون لهما ما يتحدثان فيه وكذا لزوجتيهما، وقد ينضم إليهما هنتر ويائير، الابنان الإشكاليان. تخيلوا صورة: الستة يخرجون، محوطين بحراسهم، إلى حديقة الورود في البيت الأبيض. “معاً سننتصر”، يعلن نتنياهو؛ “معاً سننتصر”، يكرر بايدن وراءه. وكلهم يدفنون رؤوسهم في الرمال، لمفخرة الدولتين.