رسائل صينية إلى واشنطن: لماذا الآن؟
في إطار المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، تعكس التحركات الأخيرة للرئيس الصيني شي جينبينغ في أميركا اللاتينية مساعي بكين لتعزيز نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في منطقة تُعتبر تقليديًا "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، تأتي هذه التحركات في وقت حساس، مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الثانية في يناير المقبل، وسط توقعات بتصاعد التوترات بين القوتين العظميين.
الرسائل الصينية عبر طريق الحرير الجديد
ئتعاظم النفوذ الاقتصادي
خلال العقدين الماضيين، تضاعف حجم المبادلات التجارية بين الصين وأميركا اللاتينية بشكل كبير، حيث وصلت إلى 480 مليار دولار في 2023. وقدمت المؤسسات المالية الصينية قروضًا ضخمة للمنطقة، متفوقة على البنك الدولي. ومن بين أبرز المستفيدين الأرجنتين والبرازيل وبيرو.
التحدي الأميركي
تنظر الولايات المتحدة بعين القلق إلى هذا التغلغل الصيني، حيث ترى فيه تهديدًا مباشرًا لزعامتها الإقليمية. تتضمن العديد من الاتفاقيات الصينية بنودًا تمنح الشركات الصينية حقوقًا حصرية، ما يثير مخاوف واشنطن بشأن التجسس وتعزيز الهيمنة الصينية على البنية التحتية الحيوية.
التداعيات الجيوسياسية
لا يقتصر النفوذ الصيني في أميركا اللاتينية على الجوانب الاقتصادية فقط، بل يمتد إلى المجال الجيوسياسي. دعم بكين لمبدأ "تعددية الأقطاب" يتحدى هيمنة الولايات المتحدة العالمية.
في غضون ذلك، ووفقًا لدراسة أميركية، يمكن لبكين استخدام شبكة الموانئ التي تديرها في حال حدوث نزاعات كبرى، مثل أزمة في تايوان، مما يُشكل عقبة أمام التحركات اللوجستية للقوى الغربية.
التنافس الصيني-الأميركي في أميركا اللاتينية ليس وليد اللحظة، بل يعكس جذورًا تاريخية أعمق ومصالح متشابكة بين القوتين العظميين. الولايات المتحدة لطالما اعتبرت أميركا اللاتينية جزءًا من نفوذها المباشر، وذلك استنادًا إلى "مبدأ مونرو" (1823) الذي حذر القوى الخارجية من التدخل في شؤون نصف الكرة الغربي. لكن الصين، خلال العقود الأخيرة، تمكنت من التسلل إلى هذا المجال عبر القوة الناعمة والتوسع الاقتصادي.
العلاقة التاريخية بين الصين وأميركا اللاتينية
1. الحقبة الأولى: علاقات محدودة (1950-2000)
- خلال القرن العشرين، كانت العلاقات بين الصين ودول أميركا اللاتينية محدودة. إذ ركزت الصين على تعزيز موقعها الإقليمي في آسيا وبناء اقتصادها الداخلي.
- في المقابل، كانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة في أميركا اللاتينية، عبر سياسات اقتصادية وأحيانًا تدخلات عسكرية.
2. تحول استراتيجي (بعد عام 2000)
- مع نمو الاقتصاد الصيني وظهور بكين كقوة عالمية، بدأت الصين توجه أنظارها إلى أميركا اللاتينية كمصدر رئيسي للمواد الخام وسوق للمنتجات الصينية.
- نمت التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت من ملياري دولار فقط عام 2000 إلى نحو 480 مليار دولار في 2023.
أصل المشكلة: الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية
1. التوسع الاقتصادي الصيني
- بدأت الصين في استثمار مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية والطاقة والتعدين في أميركا اللاتينية، مستغلة حاجة العديد من دول المنطقة إلى التمويل.
- شملت هذه الاستثمارات بناء موانئ رئيسية، شراء شركات كبرى، وتقديم قروض طويلة الأجل بشروط مرنة.
2. رد الفعل الأميركي
- ترى الولايات المتحدة في التوسع الصيني تهديدًا لنفوذها التقليدي. فبالإضافة إلى المخاوف الاقتصادية، يقلق واشنطن احتمال استخدام الصين لهذه الاستثمارات لتعزيز أنشطتها الاستخباراتية وفرض أجندتها الجيوسياسية.
3. تصاعد التوترات الدولية
- النزاعات الجيوسياسية، مثل قضية تايوان والخلافات في بحر الصين الجنوبي، ألقت بظلالها على العلاقات بين واشنطن وبكين.
- من جهة أخرى، تستخدم الصين شراكاتها في أميركا اللاتينية لتعزيز موقفها في المؤسسات الدولية، مثل قمة العشرين ومنتدى آسيا والمحيط الهادئ.
التحركات الأخيرة: تطورات نوعية
- انضمام 22 دولة من أميركا اللاتينية إلى مبادرة "الحزام والطريق" يظهر مدى التغلغل الصيني في المنطقة.
- التركيز على تطوير البنية التحتية، مثل ميناء "تشانكاي"، يوضح استراتيجية الصين لاستخدام أميركا اللاتينية كقاعدة لتعزيز طرق التجارة العالمية.
- الاستثمارات الصينية في الصناعات التكنولوجية، مثل السيارات الكهربائية، تُبرز رغبتها في تحدي الهيمنة الأميركية على الصناعات المتقدمة.
الصراع بين الولايات المتحدة والصين في أميركا اللاتينية مرشح للتصعيد، خصوصًا مع عودة إدارة ترامب التي تتبنى مواقف صارمة تجاه الصين. يبقى السؤال الرئيسي: هل ستتمكن واشنطن من استعادة نفوذها في المنطقة، أم أن الصين ستواصل تعزيز وجودها؟