رؤية إسرائيل للدولة الفلسطينية الجديدة بالشرق الأوسط

رؤية إسرائيل للدولة الفلسطينية الجديدة بالشرق الأوسط

بقلم: الدكتور إسلام البياري

أستاذ القانون الدولي والقانون الدولي الجنائي بجامعة الاستقلال،

 ورئيس المركز الإفريقي للأبحاث والدراسات العلمية

 

من الصعب الوقوف على أهمية الزلازل التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، وهذه الزلازل متعددة الأوجه وسيكون لها انعكاسات على أصعدة متعددة على القضية الفلسطينية، منذ سبعينيات القرن الماضي وإسرائيل تعيش على تصدير الأزمات الداخلية إلى دول الجوار، وجعل الفلسطينيين يدورون حول أنفسهم دون الخروج من ذلك، لا أحد يستطيع منا أن ينكر أن مواقف إسرائيل تغيرت بالشرق الأوسط وتحديدا مع القضية الفلسطينية، فإسرائيل اليوم تتمرس في إدارة القضية الفلسطينية وليس وضع حد لاحتلالها!!! والاضطرابات التي شهدتها المنطقة جعلت فلسطين ليس بالزخم السياسي الذي كانت عليه قبل الزلازل السياسية التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط، فإسرائيل نجحت بإبعاد التعاطف الدولي والسياسي عن حقوق الشعب الفلسطيني وجعلت الفلسطينيين مشغولين في حل مشاكهم الداخلية على رأسها الانقسام الفلسطيني، ربما الآن بعض السياسيين يفكرون بصوت عال الآن هل إسرائيل ماضية بتقويض حلم الدولة الفلسطينية، وهل تخشى اندلاع أنتفاضة كالانتفاضة الشعبية الكبرى لعام 1987؟!

فإسرائيل لا يوجد في برامجها ما ينص على إقامة الدولة الفلسطينية حتى لو كان باتفاق، والضغوط الخارجية واتباع خطوات أحادية الجانب ربما هدفها قتل ولادة أي دولة ممكن أن يحلم بها الفلسطينيون، إدارة الصراع دون وجود رؤية يمكن أن تجد طريقا صحيحا لوضع النقاط على الحروف و إنهاء الاحتلال للشعب الفلسطيني.

من الواضح اليوم، أن عدم تبنى استراتيجية إقليمية على افتراض أن إقامة دولة فلسطينية يساهم في استقرار المنطقة بأكملها، ظاهرياً بدا الطرف الإسرائيلي ليس لديه أي قرار أو أفكار تتعلق بالفلسطينيين حتى نظرية الدولة القابلة للحياة والحكم الذاتي ألغيت من أجندتهم على أرض الواقع، القادة الإسرائيليون يعرفون جيدا حتى إن كان الشارع الإسرائيلي يريد الدولة الفلسطينية هم لا يريدون ولادتها على أرض الواقع، حتى دان شيفتان نائب رئيس مركز دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا في مقال له حول جدول الأعمال في اسرائيل (واقع منذ عقد تحت الاحتلال الفلسطيني) يقول عندما كانت اسرائيل تنتظر نتائج المسرحية الفلسطينية المضحكة للسلام من أجل تحديد حدودها وبلورة صورتها، كانت تضع جدول أعمالها طوعا تحت الاحتلال. وعندما قررت الأخذ بزمام الأمور وحسم كل هذه الامور بصورة أحادية، استطاعت استرجاع استقلالها. وعندما ادرك التيار الأساسي في اسرائيل ان الفلسطينيين لا يسعون نحو تسوية تاريخية وإنما نحو العدل التاريخي الذي ينقض شرعية دولة الشعب اليهودي، بات في الامكان اعادة تنظيم جدول الاعمال الوطني وتدمير مشروع الدولة الفلسطينية.

فالإسرائيليون يعرفون أن الحل والسلام يعني إرجاع اللاجئين لعام 1948م، وإزالة كل المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، التنازل عن الأغوار و مدينة القدس، حتى لفرضية المطالب الأمنية الإسرائيلية الإستراتيجية من أجل الموافقة على قيام الدولة الفلسطينية هي بالواقع تريد قتلها قبل ولادتها فالسيطرة التي تطرحها إسرائيل على الأجواء الفلسطينية و الرقابة الفعالة على بقاء الدولة الفلسطينية خالية من السلاح، هي أيضا لا تريد هذه الدولة ولا أساساً سياسياً راسخاً لها، حتى لو توفرت أجواء إيجابية في المفاوضات التمهيدية وإمكانية التوصل لحل حول هذه المواضيع، حتى لو تبلورت اتفاقيات مركزية في المطالب الأمنية الإسرائيلية أشك أنها ستنجح في الامتحان الدائم، عندما يتضح ثمنها العام، بمصطلحات قيود شديدة على سيادة الدولة الفلسطينية، في أفضل الأحوال ستؤسس اتفاقيات ليس لها علاقة بقيام دولة إنما كيف يمكن للفلسطينيين إدارة أنفسهم بنفسهم!!

إسرائيل تريد القضاء أيضا على الحركات الوطنية الفلسطينية التي لها تاريخ لدى الشعب الفلسطيني، بنظر الإسرائيليين أن تقويض هذه الحركات التحررية هو جزء أصيل من تقويض قيام الدولة الفلسطينية.

القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني نجحت بإسقاط صفقة القرن من أجندات الرئيس الأمريكي السابق ترامب ولكن على أرض الواقع نفذ الاحتلال جزءاً كبيراً منها، ربما القيادة الفلسطينية اتعبت سياسة حشر الشيطان في محله بالذهاب للوحدة الوطنية الفلسطينية وجعل المسار السياسي الذي بدا كأنه ملتهب جدا، ومواجه نزوات الإدارة الامريكية السابقة ونتنياهو.

ربما السكون الحالي للإدارة الامريكية الحالية والتزام إدارة الصراع عن بعد، هو إعطاء الضوء الخضر لإسرائيل للمضي قدما بتقويض الدولة الفلسطينية، ولو ان الإدارة الحالية جادة في تمرير عملية سلمية، كان بإمكان بايدن تقديم اقتراح مسارين للمفاوضات على الطرفين، الأول أجراء مفاوضات بنية حسنه تكون مستندة على قرارات الشرعية الدولية رغم القناعة بعدم التزام إسرائيل بها، والثاني إلى جانب المفاوضات السير بمسار تدريجي وأحادي الجانب يكون أساسه نقل أراضي الدولة الفلسطينية ( يستطيع الامريكان تفكيك الاحتلال) في إطار السياق الثاني تنقل إسرائيل أراضي من منطقة (c) الخاضعة لسلطتها الكاملة لمناطق (B) وتخضعها بشكل كامل للسلطة الفلسطينية من أجل تقوية الدولة الفلسطينية و قيامها على أرض الواقع.

ولكن الواقع الحقيقي لو كان هناك رؤية لولادة الدولة الفلسطينية وموافقة إسرائيل على قيامها بجانب إسرائيل، لكنا شاهدنا الخطوات الأحادية الجانب من قبل إسرائيل توقفت وعادت إلى ادراجها ولكن سياسية إسرائيل مستمرة دون رقيب ولا حسيب، كل التوقعات بالسلام والاتفاق ليست موجودة في المرحلة الحالية على الأقل، بل هي تمنيات فقط، والمسالة المطروحة الآن كيف سيتم تقسيم الضفة الغربية في المرحلة القادمة وتقويض الحركات الوطنية الفلسطينية، تعزيز الانقسام الفلسطيني وخلق الأزمات الداخلية للشعب الفلسطيني على الشق الاقتصادي والسياسي.

قائمة المراجع :

  1. د. صائب عريقات، دبلوماسية الحصار، مركز الاستقلال، الطبعة الأولى  لعام 2018م.
  2. دان شيفتان، مقال حول الأعمال في اسرائيل (واقع منذ عقد تحت الاحتلال الفلسطيني)، لعام 2006م، https://www.voltairenet.org/article138597.html
  3.  عليان الهندي، يوسف غنيم، الثورات العربية  والقضية الفلسطينية، مركز الأبحاث الإسرائيلية، الطبعة الأولى لعام 2011م.
  4.  المؤتمر السنوي الثالث حول بناء الدولة، فلسطين، جامعة الاستقلال 2011م.