هآرتس تتساءل بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحماس على إدارة قطاع غزة
آفاق الاتفاق بين إسرائيل وحماس على إدارة قطاع غزة
بقلم:تسفي برئيل/ هآرتس
نشر ديفيد إغناتيوس، أمس، في “واشنطن بوست” بأن إسرائيل وحماس أبدتا موافقة على إقامة “حكم مؤقت” في غزة، يبدأ العمل مع بداية المرحلة الثانية في صفقة المخطوفين، دون أن يحكم فيه الطرفان القطاع. وسيتولى مسؤولية الحفاظ على الأمن قوة تضم 2500 شخص من “مؤيدي السلطة الفلسطينية” صادقت إسرائيل على أسمائهم. هذه القوة، كما جاء في التقرير، سيدربها الأمريكيون وتحصل على دعم من الدول العربية.
يبدو أن الحديث يدور عن مسودة أولية لبنية نظام محتمل قد يدير غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، الانسحاب المطلوب حسب صفقة التبادل التي نشرها الرئيس الأمريكي وصادق عليها نتنياهو. ولكن في هذه الأثناء من الأفضل التعامل مع هذه البنية كسيناريو آخر لا يمكن اعتباره خطة عمل قابلة للتنفيذ.
من أين سيأتي هؤلاء “المؤيدون للسلطة الفلسطينية” الذين سيقومون بدور شرطة الحماية في القطاع؟ يوجد في قائمة القوة البشرية الأمنية في السلطة الفلسطينية 70 ألفاً مسجلون كمجندين، 30 – 35 من بينهم يخدمون في الضفة الغربية، منهم 8 آلاف شرطي، والباقون يعملون في أجهزة المخابرات على أنواعها، حرس الرئيس وإدارة الخدمة الأمنية وجهاز الدفاع المدني. النصف الآخر، 30 ألف مجند مسجلون في غزة، لكنهم “جنود أشباح” الذين يتلقون منذ 2007، وهي السنة التي سيطرت فيها حماس على القطاع، رواتبهم ولكنهم لم يعملوا في وظائف شرطية أو أمنية.
قبل نصف سنة، عندما عملت الولايات المتحدة على الدفع قدماً بإقامة سلطة “مجددة” تستطيع إدارة القطاع (المفهوم الذي انتقل الآن إلى أسفل الدرج)، تم فحص إمكانية إحياء قوات الشرطة الفلسطينية في غزة وتحويلها إلى قوة تتحمل المسؤولية عن الحماية المدنية ومرافقة قوافل المساعدات الإنسانية، وربما لاحقاً تشكيل القوة الأمنية المحلية التي تستطيع مواجهة حماس بدعم قوة عربية أو دولية أخرى.
في آذار، نشرت “واشنطن بوست” بأنه بناء على طلب من الأمريكيين، أعدت السلطة قائمة شملت 2000 – 3000 شخص يمكنهم نظرياً أن يكونوا مناسبين لهذه المهمة. نظرياً، لأنه لا أحد كان يمكنه في حينه أو حتى الآن معرفة كم هم الذين بقوا منهم على قيد الحياة بعد عمليات القصف الإسرائيلية. ربما هذه القائمة هي أساس القوة التي تحدث عنها ايغنيشيوس. ولكن حتى لو صادقت إسرائيل على تشغيلهم، فالحديث يدور عن أشخاص يحتاجون إلى تدريب وإعداد عسكري طويل، وإلى إذن إسرائيلي بتسليحهم، وسيارات مدرعة ودعم لوجستي.
للسلطة الفلسطينية 8 مراكز لتدريب رجال الشرطة والأمن. والمنشأة الرئيسية في أريحا قد تدرب 900 شخص في كل دورة. ولكن حتى هذه المنشأة تعاني نقصاً في المعدات والتمويل، وتخلو من حقول رماية حية منذ سنة ونصف لأن إسرائيل لا تسمح باستيراد الذخيرة الحية التي تنتظر في الأردن، وعدد معين من المجندين يذهبون بين حين وآخر إلى الأردن من أجل التدرب على النار الحية. ولكن حتى لو تم حل موضوع التمويل والتدريب والتسليح، وحتى لو افترضنا بأن حماس ستسمح لهذه القوة بالعمل، فإن 2500 شخص، الذين قد يعملون كرجال شرطة في كل القطاع وتأمين مؤسسات ومواجهة عصابات الجريمة المسلحة التي تعمل الآن بكل قوتها في القطاع، والدفاع عن قوافل المساعدات الإنسانية، فلا يشكلون إلا قطرة في بحر.
لكن هذه العملية قد تحطم الحاجز الأساسي الذي يقف أمام الانتقال إلى سيطرة مدنية فلسطينية في القطاع، الحاجز المتعلق برفض إسرائيل المطلق السماح للسلطة الفلسطينية بوضع موطئ قدم لها في غزة. هذه القوة قد تكون رأس الجسر لدخول القوة الدولية، بالأساس عربية، التي ستستخدم كحزام أمني للقوة الفلسطينية التي يمكن أن تهدئ إسرائيل من عودة حماس إلى السيطرة المدنية رغم أنه ما زال مطلوباً تعاونها.
سيناريو مشاركة قوة متعددة الجنسيات في غزة يتدحرج منذ بضعة أشهر بعد المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي الأمريكي والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط مع قادة في الشرق الأوسط ومع الرئيس محمود عباس. طرح في هذه المحادثات تعذر استعداد أي قوة فلسطينية أو أجنبية ما دامت إسرائيل في القطاع. حسب معرفتنا، فإن السعودية وقطر والإمارات وعدت بالمساعدة في تمويل إعمار القطاع، لكن عدم إرسال قوات. حتى مصر والأردن أوضحتا بأنهما لن تشاركا مباشرة في إدارة القطاع أو حمايته، حتى لو كانت السلطة الفلسطينية هي صاحبة البيت في القطاع.
لكن في 11 حزيران، في الحدث السنوي للمنتدى العالمي للجنة اليهودية الأمريكية (أي.جي.سي)، عرض سوليفان سيناريو أثار موجة من التقديرات والتفسيرات. “إذا توصلنا إلى صفقة (بشأن المخطوفين) وعملنا حسب خطة المراحل، فربما نصل في النهاية إلى مبادرة أمنية وحكومية مؤقتة تؤدي إلى ألا تكون غزة منصة للإرهاب، ولا تنطلق منها بعد الآن أي هجمات ضد إسرائيل مثل النوع الذي شاهدناه في 7 أكتوبر”، قال. ولكنه لم يعط أي تفاصيل حول ماهية هذه “المبادرة الأمنية والحكومية” المؤقتة، ومن الذي سيترأسها ومن الذي سيشارك في المنظومة العسكرية في غزة، وهل توافق إسرائيل والسلطة أصلاً على تبني هذه الخطة.
الواضح أن حماس لن تكون جزءاً من هذا “الحكم المؤقت”. حسب تقرير “واشنطن بوست” الذي لم يؤكده أي مصدر رسمي في حماس، فقد أبلغت حماس دول الوساطة بأنها مستعدة للتنازل عن الحكم في غزة في إطار الاتفاق المؤقت. ولكن في شباط الماضي، أعلن موسى أبو مرزوق بأن “حماس لا تطمح لحكم غزة كهدف. منذ فترة ونحن نطلب من السلطة الفلسطينية بأن تقوم بدورها في القطاع. ليس لنا سوى طلب واحد، وهو عدم التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني”. وقال في حينه إن حماس وافقت في 2017 على تشكيل “حكومة وحدة” فلسطينية لا تكون حماس جزءاً منها. هذه الحكومة تشكلت في نفس السنة، ولكنها تفككت بعد سنتين تقريباً.
رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، عبر عن “تفاؤل حذر” فيما يتعلق باحتمالية التوصل إلى صفقة. إذا كان هناك أساس، حسب قوله، فإن قضية حكم غزة تصبح أكثر إلحاحاً؛ لأن المعنى العملي أنه في مرحلة النقاشات الأولى حول إطلاق سراح المخطوفين، ثمة ضرورة لصياغة خطة لمستقبل الحكم في غزة، لأن جزءاً لا يتجزأ من شروط الاتفاق لا يتضمن وقف إطلاق النار فحسب، بل أيضاً بداية انسحاب الجيش الإسرائيلي من التجمعات السكانية، ثم من كل القطاع، وفي المرحلة الثالثة ستبدأ الرحلة الطويلة وباهظة الثمن والمركبة لإعادة إعمار القطاع.
أي انسحاب للجيش الإسرائيلي، حتى لو كان جزئياً، سيقتضي وجوداً فورياً لقوة بديلة تدير الجهاز المدني في القطاع، وضمان توزيع المساعدات الإنسانية وإزالة مئات آلاف أطنان الأنقاض والقمامة، وربما سيتولى المسؤولية عن إدارة الجانب الغزي في معبر رفح، كما تطلب مصر كشرط لإعادة فتح المعبر من جانبها.
تصر إسرائيل على السيطرة على محور فيلادلفيا ومنطقة الممر الذي أوجدته بين شمال وجنوب القطاع لمنع انتقال أعضاء حماس، الذي سيمكن مئات آلاف المدنيين الغزيين من العودة إلى بيوتهم في شمال القطاع وترميم حياتهم. هذه العملية ستحتاج إلى إقامة أجهزة تنسيق وإدارة فلسطينية. تستطيع السلطة الفلسطينية أن توفر جزءاً منها بواسطة الموظفين المسجلين في قائمة القوة البشرية لها في القطاع، بالتعاون مع منظمات دولية وبتمويل الدول المانحة. ولكن من غير الممكن وصف كيف ستشكل مثل هذه الأجهزة بدون إشراك آلاف العاملين، مثل المعلمين ومربيات رياض الأطفال ومهندسين وأطباء ورجال الصيانة الذين سيحصلون على رواتبهم من حماس، وفي نظر إسرائيل يعتبرون أعضاء في هذه المنظمة حتى لو لم يحملوا السلاح في أي يوم. ربما ستضطر إسرائيل في حينه إلى اتخاذ قرار استراتيجي يسمح بتشغيل رجال هذه الأجهزة حتى لو تم شغلتهم حماس، شريطة ألا تكون أيديهم ملطخة بالدماء. كل ذلك في الوقت الذي ما زال فيه جزء من قيادة حماس العليا، على رأسها محمد ضيف ويحيى السنوار، موجودين في غزة، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق على إبعادهم.
إن تنازل حماس العلني عن سيطرتها على القطاع ونقل السيطرة إلى جسم فلسطيني، الذي مصدر صلاحياته هو السلطة الفلسطينية، أو إلى السلطة نفسها، قد يسحب من حماس الإنجاز السياسي الأهم في تاريخها، السيطرة على منطقة جغرافية فلسطينية مستقلة ذاتياً، التي نجحت بواسطتها في وضع الأجندة السياسية للشعب الفلسطيني. ولكن هذه الخسارة لا تقضي على حماس نفسها وقدرتها على الاندماج في المستقبل في م.ت.ف كجزء لا يتجزأ من القيادة الفلسطينية.