هآرتس: الحكومة الإسرائيلية تحاول تأسيس دكتاتورية على مراحل، والتخلي مستقبلا عن الانتخابات الحرة

هآرتس: الحكومة الإسرائيلية تحاول تأسيس دكتاتورية على مراحل، والتخلي مستقبلا عن الانتخابات الحرة

 هارتس: الحكومة الإسرائيلية تحاول تأسيس دكتاتورية على مراحل، والتخلي مستقبلا عن الانتخابات الحرة 

بقلم:عاموس هرئيل

في صفقة التبادل الأولى التي انطلقت في بداية تشرين الثاني، أرادت حماس التخلص من “الذخر” الذي أصبح عبئاً عليها، 100 امرأة وفتى وطفل، الذين أثار اختطافهم انتقاداً دولياً كبيراً لها، إضافة إلى توثيق أعمال القتل في البلدات وحفلة “نوفا”. حماس وافقت على إطلاق سراحهم مقابل شيء لا قيمة له بالنسبة لها (300 من السجناء الفلسطينيين الذين يعتبرون سجناء عاديين)، لأنها كانت على قناعة بأنها نجحت في دفع إسرائيل إلى الفوضى: ستستمر المفاوضات وسيتم التوصل إلى صفقة أخرى حسب شروط أفضل، وفي هذه الأثناء، ستتوقف الحرب ولن يحتل الجيش جنوب القطاع (في نفس المرحلة، تم احتلال شمال القطاع فقط). عملياً، المفاوضات تفجرت عندما حاولت حماس الانحراف عن الشروط في اليوم الأخير للصفقة الأولى. استأنفت إسرائيل القتال في بداية كانون الأول، وهاجم الجيش الإسرائيلي خان يونس براً، وفي أيار دخل رفح براً.
عندما استؤنفت المفاوضات، عرضت حماس ثلاثة طلبات رئيسية بترتيب: إنهاء الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل، وتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين. أظهرت حماس بالتدريج هامش مرونة ما في صياغة الاتفاق وفي هامش المسائل الرئيسية. ووافقت على إجراء الصفقة على مراحل، وكذلك انسحاب الجيش الإسرائيلي. ولكن المفاوضات لم تستكمل خلال نصف سنة. بعد ذلك، بعد موافقة نتنياهو، كما يبدو لفترة قصيرة، على الاستجابة لاقتراح الوساطة الأمريكي (بعد ذلك تراجع) كانت حماس هي التي تشددت في مواقفها.
بتوصية من دول الوساطة، تناقش طواقم المفاوضات الآن أيضاً تفاصيل إطلاق سراح السجناء – نسبة عدد المطلق سراحهم (عدد السجناء مقابل كل مخطوف)، وهويتهم، وقدرة إسرائيل على فرض الفيتو على بعض الأسماء. عملياً، هذه خدعة تجري بناء على طلب من الأمريكيين المعنيين بالحفاظ على انطباع متفائل حول التقدم بدون أي صلة بما يحدث في الواقع. يبدو أن حماس لا تنوي إظهار مرونة أكبر لأنها تدير معركة بقاء، وترى أنه محظور عليها منح إسرائيل القدرة على فصلها عن جهاز الأوكسجين الخارجي. في حين أنه ليس لنتنياهو نية للتنازل كجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على بقاء حكمه.
لذلك، في كل مرة يبدو تنبئ عن تقدم ما، يسارع نتنياهو باتهام حماس ويبث بأنه لا يوجد وبحق ما يمكن الحديث عنه. ستستأنف إسرائيل القتال بعد استكمال الجزء الإنساني في الصفقة، الذي سيتم فيه إطلاق سراح النساء وكبار السن والمرضى، ولن ينسحب الجيش الإسرائيلي من “نتساريم” ولا من محور فيلادلفيا. يارون أبراهام، قال أول أمس في “أخبار 12” إن نتنياهو فحص عقد جلسة خاصة للحكومة في ناقلة جنود (!) في محور فيلادلفيا، وهو المكان الذي خصص له التفكير والعمل المحدود جداً في الـ 15 سنة الأخيرة. رئيس “الشاباك”، رونين بار، فرض الفيتو على هذه الفكرة لاعتبارات أمنية، وربما كان هذا هو الهدف مسبقاً.
شركاء اليمين في الائتلاف أكثر تصلباً من رئيس الحكومة. وزيرا “الصهيونية الدينية” و”قوة يهودية” يوضحان في كل مناسبة بأنهما سيعارضان إطلاق سراح سجناء فلسطينيين بشكل جماعي، بينهم الكثير من القتلة (حماس تطلب الآن إطلاق سراح حوالي 200 سجين مقابل كل مخطوف عمره أقل من 50 سنة). عندما تتحدث منتديات آباء المخطوفين ومنتديات الآباء الثكالى من اليمين مثل “البطولة والأمل”، عن تحرير “الجميع مقابل الجميع” في صفقة تنفذ لمرة واحدة، هم يعرفون أنه أمر لا فرصة له للتحقق؛ لأنه يعني إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين.
كل ذلك يحدث على خلفية تصعيد بارز في الضفة الغربية. فبعد محاولة تنفيذ العملية الانتحارية الفاشلة في تل أبيب في منتصف الشهر، دعا خالد مشعل، أحد قادة حماس الكبار، نشطاء المنظمة في الضفة إلى استئناف زخم العمليات الانتحارية، وهو النموذج الذي امتنعت حماس عنه تماماً خلال الـ 15 سنة الأخيرة. ومثلما في موضوع الحرم، فإنه لا يوجد هنا خضوع قسري من قبل رئيس الحكومة لحلفائه المتطرفين. نتنياهو يفشل أي محاولة للتقدم وبدقة كبيرة. وله في هذا شريك في الطرف الآخر، السنوار الذي يعمل لاعتباراته الخاصة. في هذه الأثناء، يبدو نتنياهو كمن يهتم بالحرب الأبدية، ويأمل فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني القادم، ويأمل وجود ذريعة تمكنه من تأجيل تقديم شهادته في المحكمة في كانون الثاني، وعيونه تشخص إلى انتخابات الكنيست التي يفضل إجراءها في موعدها الأصلي، أي تشرين الثاني 2026. حتى ذلك الحين، سيستخدم كل مناورة تأجيل تبقيه في الحكم، وسيفشل أي خطط للتحقيق في إخفاقات الحرب بواسطة لجنة تحقيق رسمية. وإن الصراع السياسي المتجدد على هوية رئيس المحكمة العليا، المخول بتحديد تشكيلة هذه اللجنة، يتعلق بهذا الأمر.
في الطريق إلى الانتخابات بعد سنتين تقريباً، نتنياهو معني بالإبقاء على نار الحرب مشتعلة في غزة. في الوقت الحالي، يبدو أنه يفضل الامتناع عن تصعيد كبير مع إيران وحزب الله في الشمال. أما ما يتعلق بالمخطوفين فإن ما حاول قوله في حينه حول التحقيقات الجنائية ضده ما زال ساري المفعول. إذا كانت هناك أداة ضغط على نتنياهو فهي لدى الإدارة الأمريكية التي تحذر حتى الآن في الاتصالات مع إسرائيل. الرئيس الأمريكي بايدن لا يريد إحباطاً لنائبته كامالا هاريس في السباق نحو الرئاسة، ويبدو أنه يخشى من تصادم مباشر بين واشنطن و”القدس”، قد يسرع الحرب الإقليمية بين إسرائيل والمحور الشيعي، التي ستؤثر بالسلب على أسعار النفط. ولكن في تشرين الثاني ستبدأ لعبة جديدة، سواء فازت هاريس أم ترامب، فسيبقى لبايدن شهران ونصف شهر ليفعل فيها ما يريده.
ستكون هذه هي الفترة التي يمكن فيها للإدارة الديمقراطية أن تقرر هل ستصعد خطواتها، من عقوبات ضد الوزيرين بن غفير وسموتريتش، وحتى التهديد بعدم فرض الفيتو على قرارات مناوئة لإسرائيل في مجلس الأمن. العقوبات التي تم التحدث عنها هذا الأسبوع ضد المستوطنين المتطرفين تلامس هامش الاحتمالية الحقيقية للإدارة الأمريكية.
مجموعة التمرد 2
حقيقة أن الحرب مستمرة والمفاوضات عالقة، لا تعني أن الوضع الإقليمي مستقر. فثمة مكان ننحدر إليه حتى الآن. من يحرص دائماً على إلقاء المزيد من القش في النار هو وزير الأمن الوطني. فالتحريض مهنته: يصعب التقرير أين يتسبب بن غفير بضرر أكبر؛ في سيطرته الوحشية على الشرطة التي استكملت بتعيين المفتش العام الجديد بالضبط بالحجم المناسب، أم بالجهد المستمر لإشعال الحرب، بصورة تؤثر على القدس والضفة الغربية وكل العالم الإسلامي.
ليس عبثاً أن أرسل رونين بار مؤخراً رسالة شديدة حذر فيها من خطوات الوزير. بن غفير يملي ما يحدث في الحرم بواسطة سيطرته على قيادة الشرطة في لواء القدس، التي تسعى لتلائم طموحاته. في كل اللقاءات الأخيرة بين بار وجهات أخرى في جهاز الأمن وبين رؤساء ورجال أمن في دول عربية صديقة، طلب الأخيرون من المستضيفين فتح نقاش للحصول على تفسيرات من إسرائيل حول خطوات بن غفير في الحرم.
ينظر جهاز الأمن بعين القلق إلى ألاعيب الوزير الأخيرة، الذي يعتبر نفسه عضواً سابقاً في “كاخ”، ويركزون على الشبه بينها وبين بيان “زمرة التمرد”، مجموعة اليمين المتطرف برئاسة مئير اتنغر، حفيد مئير كهانا، التي تم إرسال أعضاء فيها إلى الاعتقال الإداري في 2015. كشف عن نشاطات أعضاء المجموعة على خلفية التحقيق في قتل أبناء عائلة دوابشة في قرية دوما. في هذا الأسبوع، كتب يهوشع براينر في “هآرتس” بأن أتباع بن غفير في قيادة وزارته وفي قيادة مصلحة السجون، زاروا قاتل دوابشة “عميرام بن أولئيل” في السجن (أمس تمت معرفة أن “الشاباك” وافق على تخفيف ظروف حبسه: سيتم نقله من القسم المحمي إلى القسم العادي.
قبل عقد، ناقش أعضاء التمرد خطة لإسقاط النظام في إسرائيل. في الوثيقة التي صاغوها كتب: “في دولة إسرائيل نقاط ضعف كثيرة، مواضيع نسير فيها على طرف الأصابع كي لا نثير الفوضى. ما نقوم بفعله هو ببساطة إشعال هذه البراميل المتفجرة دون الخوف من النتائج”. أحد توجهات العمل الرئيسية يتناول الحرم – الاحتكاك المتعمد مع المصلين المسلمين، وتشويش الصلاة في الحرم، واقتحام وتحصن اليهود قرب المساجد، ومواجهات مع الشرطة. على الأقل أصبح لا حاجة إلى النقطة الأخيرة. فالشرطة الآن تحت سيطرة أحد أتباع كهانا بشكل كامل (سابقاً).
في زياراته المستمرة للحرم، وفي تصريحاته الاستفزازية، يصعد بن غفير التوتر هناك. يجدر التذكر بأن إطلاق الصواريخ نحو القدس في عملية “حارس الأسوار” في 2021 وفي الهجوم الإرهابي في تشرين الأول الماضي، عملت حماس أيضاً على خلفية خوف الفلسطينيين من خطوات لا يمكن التراجع عنها، التي ستسمح بها حكومات نتنياهو في الحرم بضغط من اليمين المتطرف. نتنياهو يتساذج عندما يقوم بتوبيخ وزير الأمن الوطني ويطلب منه ضبط النفس. عملياً، يبدو أن الخطوات منسقة تماماً. وكما الحال أمام وزير العدل ياريف لفين في مسألة الانقلاب النظامي، يسمح نتنياهو لبن غفير بالسير إلى الأمام في الوقت الذي يحافظ فيه على مسافة آمنة منه لإبقاء هامش إنكار لنفسه. وزراء اليمين المتطرف يعملون ظاهراً بشكل مستقل كي لا يورطوا رئيس الحكومة نفسه. هكذا كان الأمر أيضاً عندما اقتحم بن غفير الحرم في 9 آب (العبري) وبعد ذلك تبين أن العملية منسقة مسبقاً مع سكرتير الحكومة يوسي فوكس.
ليس وحده بن غفير من يتصرف وكأن 7 أكتوبر لم يحدث، ها هو لفين يعود هو أيضاً بكامل قوته للمضي بقوانين الانقلاب. الأحزاب الحريدية تفعل كل ما في استطاعتها للتشويش حتى على تجنيد قليل للشباب في أوساط ناخبيها في الوقت الذي لا تحاول فيه الحكومة تقديم أي حل، رغم قرارات حكم المحكمة العليا. في حين أن الوزيرة ميري ريغف، تستمر في تنظيم احتفال الذكرى السنوية الأولى لكارثة 7 أكتوبر، الذي له هدفان واضحان: السماح لنتنياهو بالسيطرة على الرواية الوطنية حول المذبحة (هكذا إلقاء مسؤولية الإخفاقات على الجميع باستثناء نفسه)، والتشديد على الشرخ القديم بين المعسكرات في إسرائيل – أوفكيم ضد نير عوز.
في بعض الحالات، لم يصدر مكتب نتنياهو أي بيان مشاركة في الحزن. وتوقعاتنا كمواطنين متدنية أصلاً، لكن تولد الانطباع بالتدريج أن الحكومة تحاول تأسيس دكتاتورية على مراحل، يمكنه أن يفعل نظام الحكم فيها كل ما يخطر بباله (سيتغلبون لاحقاً على عائق الانتخابات الحرة والمتساوية).