حكاية الغجر في فلسطين
يُقال أن الغجر كانوا يمرون في أرض الجولان ومنها إلى فلسطين، وقد كانوا يجوبون المدن الفلسطينية حتى استقر عدد كبير منهم في نابلس، القدس وغزة. وبعد عام 1948 تهجر الغجر كباقي أبناء الشعب الفلسطيني، واستقر معظمهم في الأردن وتحديدًا في ضواحي عمان، والقسم الآخر اتجه نحو مخيم جباليا في غزة. ويمكن تمييزهم من خلال ملامحهم الخاصة التي لا تشبه العرب. تقول "أمون سليم" وهي ناشطة غجرية تعيش في القدس وقد أسست جمعية لرعاية شؤونهم، أن الغجر المتواجدين في القدس يصل عددهم إلى ألفين على الأكثر وهناك عدة مئات في غزة، لكن العدد الكبير من الغجر غادر إلى الأردن.
إلا أن الفلسطينيين والعرب عمومًا نظروا للغجر على أنهم جنس بشري منحط، ولاقى الغجر على الدوام معاملة سيئة من العرب يعود أحد أسبابها إلى أن الغجر مارسوا السرقة والشحاذة كجزء من عاداتهم القديمة، وعملوا كل ما باستطاعتهم لكسب المال، واعتبر العرب أنفسهم أعلى قيمة من الغجر، ولهذا لم يرغبوا بالاختلاط بهم أو الزواج منهم.
في واقع الأمر فإن الغجر فضلوا مغادرة فلسطين والاستيطان في الأردن، وقد اندمج الجيل الشاب من الغجر في الحياة العصرية، إلا أن الغجر لم يحسوا على طول تاريخهم بالانتماء إلى الشعب العربي نتيجة المعاملة السيئة، وعادة التنقل التي ميزت حياتهم، لكن، أهم ما في الأمر أن قصة الغجر وتاريخهم تبقى مثار بحث مستمر، فهم لم يدونوا تاريخهم ولغتهم، ولم يهتم المؤرخون العرب بذلك ومن ناحيتهم.
يتحدّث الغجر باللغة "النَّوريَّة" ، وتتضمّن هذه اللغة كلماتٍ عربيَّة دخلتها بتأثير مجاورتهم للعرب ، ولكنّ هذه الكلمات حُوِّرت على قواعد لغتهم لتُلائم حاجاتهم واستخداماتهم . والنَّوريَّة لغة شفاهيَّة ولا نجد شيئاً مكتوباً منها . يتحدَّثُ أبناءُ الغجر باللغة النَّوريَّة فقط ، وعندما يلتحقون بالمدرسة يُخالطون التَّلاميذ العرب فيتعلَّمون منهم العربيَّة . يحمل غجر فلسطين أسماء عربيّة ، ولكن لكُلّ واحدٍ منهم كُنية يُعرف بها في لغتهم .
يدينُ معظم غجر فلسطين بالإسلام وليس بينهم مسيحيون . كما إنَّه ليس للغجر أولياء من أنفسهم بل يتقاسمون قبور الأولياء مع جيرانهم العرب . وقد اعتاد الغجر في الماضي على المشاركة باحتفالات النَّبي موسى التي جرت في شهر نيسان من كلّ عام ( . ومنهم من يحجّ إلى مكَّة ويُردف اسمه بعد عودته بلقب "حاجّ" . أمّا طقوس الزّواج عندهم فهي هي عند المسلمين مع زيادة في الرَّقص والغناء .
انقسم غجرُ فلسطين إلى فئتين : اعتاشت الأولى من الحدادة وسُمِّيت لذلك بـ"الحدّادين" ، بينما اعتاشت الثّانية من العروض البهلوانيَّة وفنون الغناء والرَّقص والشَّعوذة فسُمِّيت لذلك بـ"الرقّاصين" . وكان أبناء هاتين الفرقتين يجوبون أرجاء فلسطين وكانوا يُشكلّون جُزءاً من المشهد الحضاري في البلاد حتّى عام 1948 . وهناك مرويّات شفاهيّة يتناقلها سكان فلسطين عن الغجر الرقّاصين الذين ظلّوا في البلاد حتّى عهد الإنتداب البريطاني ، أمّا من بقي منهم بعد ذلك فمنازلهم في القُدس وغزَّة ، ولا زال غجر غزَّة يُمارسون حرفة التَّرفيه التي تغيَّرت كثيراً وصارت تعتمد كُليَّةً على النِّساء الرَّاقصات اللائي يُرافقهنّ عازفٌ على إحدى الآلات الوتريَّة كالعود أو الكمان.