هل تستطيع الدول صاحبة استخدام حق "الفيتو" بفصل أحد اعضائها الدائمين بمجلس الأمن؟

هل تستطيع الدول صاحبة استخدام حق "الفيتو" بفصل أحد اعضائها الدائمين بمجلس الأمن؟

بقلم: د. إسلام البياري

أستاذ ماجستير القانون الدولي الجنائي بجامعة الاستقلال

وأستاذ القانون الدولي الإنساني بجامعة فلسطين الأهلية

وضع الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة التركيبة القانونية للأعضاء الدائمين وغير الدائمين البالغ عددهم خمسة عشرة واستناد للمادة 23، فالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في العام 1945 كانت: الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفياتي والصين الوطنية، وفي العام 1971 حلّت الصين الشعبية مكان الصين الوطنية، وفي العام 1992 ورثت روسيا مقعد الاتحاد السوفياتي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.

تعود فلسفة وأصول منح حق النقض الفيتو، لانتصار دول الحلفاء في معركة "العلمين" بين بريطانيا ودول المحور التي قامت بإرسال قواتها إلى شمال أفريقيا. والتي توجت بهزيمة ساحقة لدول المحور واستسلام إيطاليا، وظهور قوتين عظميين جديدتين في العالم، هما: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي (روسيا حاليا).

وأدت هذه الحرب إلى إضعاف دول أوروبا، وفي مقدمتها دول الحلفاء، ومنها فرنسا وبريطانيا، اللتين لم تعودان تسيطران على العالم. والى انقسام العالم إلى كتلتين، وهما الكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي، وقد كان الهدف منهما نشر الحرية والتخلّص من الاستعمار.

استعادت كافّة الدول الأوروبية حدودها القديمة، ما عدا بولندا، وتم تقسيم ألمانيا إلى دولتين، وهما الشرقية وعاصمتها برلين، الغربية وعاصمتها بون، وتم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق تخضع لنفوذ أربع دول مختلفة، وهي فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا. وتمّ إنشاء الجمعية العامة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، ومنظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي. وتأسيس الأمم المتحدة بعد مؤتمر سان فرانسيسكو سنة 1945 كبديل عن عصبة الأمم التي لم تقدم الكثير من الحلول المنطقية للشعوب. وفي الأمم المتحدة تم ضم جميع الدول المستقلة في العالم، والتي تقتنص الفرص للتعاون مع الدول الأخرى لكي تعيش بسلام (1).

لذلك نجد أن فلسفة وضع "حق الفيتو" كانت قواعد مصادره ليس ميثاق الأمم المتحدة فقط، بل عامل ميزان القوة ومخرجات الحرب العالمية الثانية ايضاً، لذلك استيقظ العالم على اصطلاح حق النقض أو "الفيتو" بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945، وقد منح لخمس دول فقط من أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين بلغ عددهم خمسة عشر عضواً (كان عدد الدول الأعضاء في المجلس عند تأسيس هيئة الأمم المتحدة 11 دولة)، وتوسع  المجلس بِحلول عام 1936 ليضم أربعة أعضاء دائمين وأحد عشر عضواً غير دائم.

لذلك نجد أن من الصعوبة القانونية والسياسية ربما أن تنجح الدول صاحبة استخدام حق الفيتو بفصل عضو من أعضائها الدائمين بمجلس الأمن عند المواجهة فيما بينهم، لأنه لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة نصا صريحا حول فصل عضوية أحد أعضاء الدائمين، باعتبار ان الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية، وفرنسا والمملكة المتحدة وبريطانيا) تتمتع بحق النقض في المسائل الموضوعية، لذلك عندما يقرر الأعضاء الدائمون اتخاذ أي قرار أو عمل عسكري ضد أي دولة أو عضو بالأمم المتحدة ، يجب أن يحصلون على تفويض من قبل أعضاء مجلس الأمن الدائمين  سواء كان عمل عسكري أو فصل أحد أعضائه، مما من الاستحالة المنطقية أن يسمح من الناحية القانونية تمرير قرار ضده و بالتالي سيستخدم حقه القانوني هو ممارسة حق الفيتو والاعتراض، لذلك منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، بلغ عدد مرات استعمال حق النقض 293 مرة. استخدمه الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا 143 مرة، والولايات المتحدة 83 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة، بينما استخدمته الصين 16 مرة (03).

 ربما يكون الطريق الآخر عندما يقوم مجلس الامن بتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق"، ويمكن لقرارات مجلس الأمن أن تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة، حتى أولئك الأعضاء المعارضين لقرارات المجلس، وقد تم جعل هذه السلطة الملزمة واضحة بموجب المادة رقم 103 من الميثاق، التي تنص على: "إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق". ولهذا فإن لمجلس الأمن السلطة لإلزام الدول الأعضاء بالتزامات يكون لها الأسبقية فوق أية التزامات قانونية أخرى. (03)

ربما أيضا تختار الدول الأعضاء الالتجاء لمحكمة العدل الدولية لحل هذا الإشكالية القانونية القائمة، عند مطالبة محكمة العدل الدولية بتطبيق المادة 36 من الميثاق الأمم المتحدة بحيث يقدم توصياته وفقا لهذه المادة مع مراعاة المنازعات القانونية وعرضها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة، أو يقوم أعضاء الجمعية العامة أو مجلس الأمن بتقديم طلب للمحكمة العدل الدولية  حول إفتاءه في أية مسألة قانونية. مطالبتهم بتقديم آراء استشارية بشأن القضايا القانونية، كما يمنح الميثاق المجلس أيضًا مسؤولية معالجة حالات عدم امتثال الدول لأحكام المحكمة المعروضة على المجلس (المادة 94 (2)). بالإضافة إلى ذلك، ينتخب المجلس - بالاشتراك مع الجمعية العامة - قضاة محكمة العدل الدولية، ويقدم رئيس محكمة العدل الدولية إحاطة للمجلس في جلسة خاصة سنويًا. (04)

نجد مثال في قضية قناة كورفو- الإجراء الأول لمحكمة العدل الدولية - عندما أوصى في 9 أبريل 1947 في القرار رقم 22 بما يلي: أحالت ألبانيا والمملكة المتحدة نزاعهما على الفور إلى المحكمة. تم تبني القرار بأغلبية ثمانية أصوات لصالحه وامتنع عضوان عن التصويت، هما بولندا والاتحاد السوفيتي، بينما امتنعت المملكة المتحدة، بصفتها طرفاً في النزاع، عن التصويت وفقاً للمادة 27 (3) من الميثاق. وبالمثل، طلب المجلس فتوى واحدة فقط من المحكمة في 29 تموز / يوليو 1970 في القرار 284، عندما طلبت رأيا استشارياً بشأن العواقب القانونية المترتبة على استمرار وجود جنوب إفريقيا في ناميبيا على الدول. بالنسبة لعدم الامتثال، لم يستخدم المجلس صلاحياته بموجب المادة 94 (2) لإنفاذ الحكم. ومع ذلك، كانت إحدى المحاولات لجعل المجلس يمارس هذه السلطة عندما طلبت نيكاراغوا، في رسالة إلى رئيس المجلس في 17 أكتوبر 1986، عقد اجتماع طارئ للنظر في فشل الولايات المتحدة في تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية الصادر في 27 يونيو 1986 ضد في الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في وضد قضية نيكاراغوا. استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد مشروع قرار يدعو إلى الامتثال الكامل والفوري لحكم محكمة العدل الدولية الصادر في 28 أكتوبر / تشرين الأول 1986. (05)

 نجد هذا الفشل جزءاً من ديناميكية أكبر من فصل عضو دائم بمجلس الأمن الدولي، تاريخيا فقد كان المجلس يعمل ومازال يعمل وفق صراعات سياسية بعيدا كل البعد عن التوان الحقيقي والقانوني التي يتمتع بها كافة أعضاء الأمم المتحدة وفق قواعد القانون الدولي، لذلك أعتقد انه يمكن للمجلس أن يبذل جهوداً أكثر تضافراً لاستخدام جميع الأدوات المتاحة له لحل النزاعات وتجنبها ووضع قواعد قانونية أكثر انصافاً تواكب الحقائق الجديدة لكافة أعضاء الأمم المتحدة، ليس مقبولا أن أياً من الدول العربية لا تتمتع بصفة العضوية الدائمة بمجلس الأمن وهذا تعارض مع قواعد القانون الدولي، وأيضا ميثاق الأمم المتحدة عندما نص على أن العضوية بالأمم المتحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المُحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه، رغم أن هناك بعض الدول الأعضاء الدائمين اخترقت المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة، و للأسف الشديد وارتكبت انتهاكات واضحة سواء تتعلق بمبادئ الميثاق الأمم المتحدة وغيرها ولن تستطيع الجمعية العامة أن تفصلها من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن، لأنه سوف يستخدم حق الفيتو الاعتراض (06).

 بالنهاية أصبحنا اليوم بحاجة لمراجعة لكل آليات قواعد القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة في ظل وجود دول لا تضع له أي معايير لتطبيقه واحترامه، من المرجح أن يؤدي عدم الإصلاح بالنظام الدولي القائم، سواء بمبادرة من المجلس أو غير ذلك، إلى عدم تعزيز فعالية المجلس وشرعيته كمؤسسة دولية تعتبر أحد الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة.

 المراجع:

  1. راجع مقال راندا عبد الحميد، نتائج الحرب العالمية الثانية، ديسمبر 8, 2021، مقال.كوم: https://mqaall.com/results-of-world-war-ii/
  2. نزيه علي منصور، حق النقض (الفيتو) ودوره في تحقيق السلم والأمن الدوليين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى لعام 2009م، صفحة 103.
  3. عبد اللطيف دحية، د. محمد مقيرش، سلطة مجلس الأمن الدولي في حفظ السلم والأمن الدوليين في ظل المستجدات الدولية، دار الجنان للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى لعام 2020م، صفحة 21.
  4. غيل بولينغ، قرارات الأمم المتحدة: دور كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، https://www.badil.org/ar/publications/haq-al-awda/issues/items/2499.html
  5. عيسى عبيد، محكمة العدل الدولية ودورها في تطوير قواعد القانون الدولي الجنائي، لعام 2019م، صفحة 45. 
  6. ممدوح على محمد منيع، مشروعية قرارات مجلس الامن في ظل القانون الدولي المعاصر، الناشر جاروس برس، صفحة 210
  7. راجع المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة الذي وُقـِّع 26 حزيران/يونيو 1945 في سان فرانسيسكو.