هل ينسحب بايدن من سوريـة كمــا انسحـب مـن أفـغـانسـتـان؟
هل ينسحب بايدن من سوريـة كمــا انسحـب مـن أفـغـانسـتـان؟
بقلم: كريستوفر فيليبس
أدى الانسحاب الأميركي من أفغانستان لتوتر حلفاء الولايات المتحدة الأكراد في شرق سورية، لكن البيت الأبيض سرعان ما طمأن "قوات سورية الديمقراطية" الكردية بأنه لن يبدأ عملية انسحاب مماثلة في سورية، لكن هل يمكن الوثوق بالرئيس الأميركي جو بايدن؟
فقد كانت هناك تأكيدات مماثلة من إدارة ترامب قبل أن تسحب فجأة أكثر من نصف قواتها في العام 2019 وتعطي الضوء الأخضر لغزو تركي. كما صمتت واشنطن في الآونة الأخيرة، عندما قتل العديد من مقاتلي "قوات سورية الديمقراطية" في هجمات تركية في آب الماضي.
وبالتالي، فإن انسحاب بايدن من كابل (والذي أعطى الأولوية لإنقاذ الأرواح الأميركية) سيؤدي إلى زيادة المخاوف لدى "قوات سورية الديمقراطية"، بأن الولايات المتحدة قد تتخلى عنهم قريباً.
ومع الانسحاب من أفغانستان وتشكيل تحالف "أوكوس" الأخير، أشار بايدن بوضوح إلى أن منافسة القوى العظمى، لا سيما احتواء الصين، هي مصدر القلق الرئيسي لبلاده، وهذا يعني إنهاء إرث "الحروب الأبدية" الأميركية ضد الإرهاب، بما يشمل أفغانستان وربما سورية.
ويبدو أن واشنطن باتت تفضل مواجهة "الجماعات الإرهابية" من خلال الضربات من عن بُعد، مثلما يحدث في اليمن وباكستان وأماكن أخرى. لذلك قد يرى بايدن أنه لا حاجة لاستخدام قوات على الأرض في سورية لمنع إعادة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية".
ضغوط الانسحاب أقل
لم يكن بايدن أبداً مهتماً كثيراً بسورية، وبينما وافق على الحملة المناهضة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فقد عارض التورط الأوسع في النزاع عندما كان نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، وهناك بالفعل تلميحات بأنه قد يتخذ خطاً أكثر ليونة مع بشار الأسد، حيث أعفى، مؤخراً، صفقة غاز مصرية إلى لبنان عبر الأردن وسورية من عقوبات قيصر الأميركية، وهكذا فإن القوات الأميركية التي ظلت في شرق سورية لحرمان الأسد من النفط قد لا يصبح لديها الدافع القوي الذي كان لديها من قبل.
ومع ذلك، فإن هناك أسباباً قد تدفع "قوات سورية الديمقراطية" للتفاؤل. فعلى الرغم أن بايدن كان جريئاً بشأن أفغانستان، فمن المرجح أن يكون حذراً من جذب المزيد من التغطية الإعلامية السلبية عبر التخلي عن حليف آخر قريباً. ويعني ذلك أنه حتى لو كان بايدن حريصاً على مغادرة سورية، فقد يؤجل ذلك حتى تتراجع الانتقادات التي أعقبت سيطرة "طالبان" على كابول.
كما أن العملية في سورية أقل تكلفة بكثير من تلك الموجودة في أفغانستان؛ ففي حين أن الولايات المتحدة كان لديها 15 ألف جندي في أفغانستان في العام 2018، وانخفض العدد إلى 4 آلاف قبل الانسحاب، إلا أن لديها 900 جندي فقط لدعم لـ"قوات سورية الديمقراطية".
كما أن سورية لم تعد ساحة ساخنة بالنسبة للأميركيين الآن بعد أن تم تدمير تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى حد كبير، وبالتالي تظل الخسائر الأميركية منخفضة، ما يعرض بايدن لضغوط أقل للانسحاب.
ثم هناك أيضاً البعد الدولي؛ حيث يريد الحلفاء الإقليميون الرئيسيون، خاصة إسرائيل والسعودية، أن تظل الولايات المتحدة في شرق سورية لكي تكون درعاً ضد توغل إيران. وفي المقابل، ترغب تركيا - وهي حليف آخر - في مغادرة الولايات المتحدة، لكي تتمكن من سحق "قوات سورية الديمقراطية" دون عوائق، وهكذا لا يستطيع بايدن إرضاء جميع حلفائه، ولا يوجد إجماع إقليمي يضغط عليه للمغادرة
لذلك، ففي الوقت الحالي حتى لو كان بايدن يفضل الخروج، فهناك القليل من الزخم الداخلي أو الخارجي الذي يدفعه للانسحاب المفاجئ. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع.
وتعد الديناميات بين تركيا وروسيا في سورية مهمة على وجه الخصوص، وما حدث في أفغانستان قد يكون له صدى هناك.
الإستراتيجية الروسية
يعد أحد أهداف روسيا طويلة الأجل استعادة الأسد للسيطرة على شرق سورية، والذي من شأنه أن يعطي اقتصاد النظام المُحاصر قدرة الوصول إلى حقول النفط التي تشتد الحاجة إليها.
لكن على عكس إدلب، التي يبدو أن موسكو والأسد ينويان استردادها عسكرياً، يبدو أن إستراتيجية روسيا في الشرق ستعتمد على الإقناع، بحيث تقبل "قوات سورية الديمقراطية" التسوية مع الأسد وتطلب من الأميركيين المغادرة.
والواقع أن هذا لا يعد مستحيلاً، فقد كان لدى "حزب الاتحاد الديمقراطي" علاقة جيدة مع كل من الأسد وروسيا قبل الحرب الأهلية السورية، وهناك فصيل يفضل مستقبل "قوات سورية الديمقراطية" تحت حماية دمشق وموسكو بدلاً من واشنطن.
وفي السابق، عندما سمح ترامب لتركيا بالغزو في العام 2019، تطلعت "قوات سورية الديمقراطية" على الفور إلى موسكو، التي توسطت بوقف إطلاق النار مقابل أن تحصل القوات الروسية والأسد على مواقع في الأراضي التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية".
أولويات تركيا
تساعد أنشطة تركيا أيضاً روسيا في دفع "قوات سورية الديمقراطية" لتغيير انحيازاتها، وذلك في ظل اعتبار أنقرة أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" هو مصدر قلقها الأول في سورية، فيما تتراجع أهمية هزيمة الأسد والدفاع عن المعارضة على قائمة الأولويات.
وفيما تكافح تركيا للسيطرة على مقاتلي إدلب وتتعرض للإحباط بفعل الغارات الجوية الروسية هناك، فإن جبهة القتال مع "قوات سورية الديمقراطية" في الشرق تعد واحدة من المجالات القليلة التي شهدت نجاحاً تركياً.
ونتيجة لذلك، صعدت تركيا هجماتها على مواقع "قوات سورية الديمقراطية"، إما بالطائرات المسيّرة أو باستخدام وكلائها من المتمردين السوريين. وفي كل مرة تفعل ذلك وتفشل واشنطن في الرد، فإنها تعزز الأدلة التي تدعم ادعاء موسكو بأن روسيا وحدها هي التي يمكنها حماية "قوات سورية الديمقراطية" من تركيا.
وقد تكون أنقرة في الواقع منفتحة على نوع من الاتفاق النهائي بين الأسد و"قوات سورية الديمقراطية" وروسيا، طالما أن ذلك يعني في نهاية المطاف نزع سلاح "حزب الاتحاد الديمقراطي" أو تحييده.
فرصة روسيا وتركيا
وهكذا، تشعر كل من موسكو وأنقرة بأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان زاد من فرصهما في الحصول على ما يريدانه.
فبالنسبة لتركيا، يشير ذلك إلى تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة، ما قد يجعل واشنطن تغض الطرف عن غارات أنقرة على مواقع "قوات سورية الديمقراطية"، بل قد تتطور الأمور إلى انسحاب أميركي سريع ومفاجئ.
أما بالنسبة لفلاديمير بوتين، فقد منحه بايدن قدرة زرع شكوك في أذهان قادة "قوات سورية الديمقراطية". وحتى لو لم يكن لدى البيت الأبيض خطط لمغادرة شرق سورية على الفور، فستحاول كل من روسيا وتركيا استغلال تداعيات ما حدث في أفغانستان لتعزيز أهدافهما والتي قد تسرع في نهاية المطاف بالانسحاب الأميركي على أي حال.
عن "ميدل إيست آي"