كيف ستنتصر اسرائيل على “حزب الله” وهي تذعن للسنوار؟ بقلم: جاكي خوجي /معاريف 

كيف ستنتصر اسرائيل على “حزب الله” وهي تذعن للسنوار؟ بقلم: جاكي خوجي /معاريف 

بعد 8 أشهر.. لإسرائيل: كيف ستنتصرين على “حزب الله” وأنت تذعنين لما يريده السنوار؟

بقلم: جاكي خوجي /معاريف 

شدد الذراع العسكري لحزب الله في الأسبوعين الأخيرين هجماته على طول حدودنا الشمالية. طائراتهم المهاجمة أكثر دقة، والنار أكثر كثافة، وكان لهم حظ أيضاً. الصواريخ التي أطلقوها أحرقت حقولاً على مقربة من الحدود. ثمة لهيب أكل بيوت البلدات في جبال نفتالي ويهدد بإفنائها.

إذا كان هذا يواسي أحداً ما، فإن الوضع في الجانب الآخر من الجدار أصعب بكثير. نحو 200 ألف من السكان اللبنانيين فروا من بيوتهم، وصوت احتجاجهم على حزب الله عال جداً، وإن لم يصل إلينا. حجم الدمار الذي ألحقه بهم الجيش الإسرائيلي أعظم بكثير. لا توجد في لبنان ضريبة أملاك، وليس ثمة من يدفع تعويضاً. ليس في هذا ما يحفز حسن نصر الله لإنهاء الحرب. فمنذ بدايتها وهو يعلن بأن حربه تستهدف مساعدة حماس، ولن يضع سلاحه إلا بعد انتهاء الحرب في غزة. لا يحتاج إلى حرب واسعة ولا يريدها. وعليه، يحرص رجاله على إبقاء القتال على مقربة من الحدود ولا يخرجون عن ذلك إلا في أحايين بعيدة، في الغالب رداً على هجوم إسرائيلي عميق أو هجوم جبى منهم ثمناً باهظاً. تصعيد الأسبوعين الأخيرين استثنائي. نصر الله يعرف بأنها أيام حرجة في المفاوضات في قطاع غزة، ويشدد الضغط على إسرائيل ليقنعها بالرغبة في الاتفاق. وأعلن بأن وقف القتال في غزة سيؤدي به أيضاً إلى وقف النار.

 

هذا الأسبوع تداخلت الأزمة في لبنان مع وفاة دافيد ليفي. في شباط 2000 حين كنا لا نزال غارقين هناك، فعل لنا حزب الله ما يفعله لنا الآن: سفك دمنا وأخرج جهاز الأمن عن صوابه. ليفي، الذي كان في حينه وزير الخارجية، وقف على منصة الكنيست وأطلق رسالة إلى بيروت. “إذا احترقت كريات شمونا، فستحترق أرض لبنان”، وأضاف الكلمات التي بسببها نتذكر الخطابية: “الدم مقابل الدم، والروح مقابل الروح، والطفل بالطفل”.

 

إذن، ها هو دافيد ليفي يتوفاه الموت، و”كريات شمونا” اشتعلت، وأرض لبنان لا تشتعل. حزب الله هو حزب الله ذاته، والتهديدات هي التهديدات ذاتها. أول أمس، زار رئيس الوزراء نتنياهو “كريات شمونا”، وفي ختام زيارته قال إن إسرائيل جاهزة لعملية قوية جداً في الشمال. قبل يوم من ذلك، في مقابلة مع “صوت الجيش”، قال الوزير بن غفير معرباً عن أمنية: “كنت جد جد أريد أن تحول كل معالجة للشمال إليّ. لو أعطوني المسؤولية عن الأسراب، والطائرات، والصواريخ، وعن كل ما يحصل في الشمال، صدقني – حزب الله كان سيتعلم كيف ترد دولة إسرائيل”. بعده بساعة، تحدث رئيس الموساد السابق يوسي كوهن في الإذاعة، وقال إن إسرائيل تعرف أين نصر الله، وإن شئنا أنزلناه، هكذا بكلماته. وزير الثقافة ميكي زوهر، دعا في جلسة الحكومة أول أمس للخروج إلى هجوم قوي مبادر إليه، يعطل قدرات حزب الله ويزيل تهديد النووي الإيراني أيضاً. بمعنى، إذا فهمت على نحو صائب، فزوهر دعا إسرائيل إلى مهاجمة إيران.

 

بالفعل كلمات قوية، لكن من الواجب الاعتراف بالحقيقة. لا يملك الجيش الإسرائيلي قدرة كافية للهجوم على إيران، خصوصاً بعد ثمانية أشهر حرب في القطاع. ومشكوك فيه أنه يملك قدرة لحرب في لبنان أيضاً. بمعنى أن فتح الحرب أمر ممكن بالتأكيد، لكن الانتصار فيها، ليس مؤكداً. أو لنقل هذا بالشكل التالي: من لم ينجح في هزيمة حماس على مدى ثمانية أشهر، كيف سينتصر على حزب الله، وكيف سيهاجم إيران، وكيف يمكن لإسرائيل في وضعها الحالي أن تخرج إلى حرب ضد عدو أمرّ من حماس، حتى قبل انتهائها من مهامها في غزة؟ مع جيش متآكل، وعدد محدود من الجنود، ودافعية متدنية للمجتمع الإسرائيلي، وركود محتدم. كل هذا ولم نتحدث بعد عن العلاقات الباردة بين “القدس” والبيت الأبيض، وعن بضعة دوافع أخرى الصمت فيها جميل.

 

هذه التهديدات التي تتكرر منذ 25 سنة فأكثر، هي كلمات فارغة. نحن نتكلم كثيراً ونفعل أقل. وعندما نتكلم فقط، فالصورة الناشئة لدى الطرف الآخر هي شعوره بضعفنا. نصر الله يعرف أننا لسنا في ذروتنا. “كما أن علي خامنئي يعرف، ويحيى السنوار قرأ مظاهر الضعف هذه جيداً. ولهذا فقد استغلنا لأغراضه في ذاك السبت.

 

الدرس لم يستوعب

 

لو كان بوسع الجيش الإسرائيلي حرق لبنان كله أو أن يحتل بيروت أو يدمرها لفعل هذا منذ بداية الحرب. وإذا كان لم يفعل، فربما لا يستطيع أو أنه لا مبرر لذلك. وإذا لم يستطع، أو لا يريد، فالأفضل أن يسكت. فكم يمكن الصراخ “ذئب ذئب”، لكن العدو يشخص الترددات والخلافات، ويفهم بعد كل هذه السنين، أننا لو استطعنا لنفذنا التهديدات. ولأننا لم ننفذها، فيبدو أننا لا نستطيع.

 

هذه التصريحات مقلقة، وتبين بأن زعماءنا لم يتعلموا دروس 7 أكتوبر. في ذاك السبت، انكشف أن إسرائيل ليست قوية بالقدر الذي روى لنا عنه قادتها. فقد انهارت في غضون ساعات أمام فرقة مقاتلين غير مدربين في الجنوب، وأمسك بها غير جاهزة في الشمال أيضاً. حظ عظيم كان لنا أن حزب الله لم يبعث برجاله إلى أراضي إسرائيل؛ فلو فعل لاحتل الجليل. نسينا أنه دون الدعم الأمريكي، وبخاصة القطار الجوي للسلاح والذخيرة، لكنا اليوم في خطر وجودي.

 

إن وعد الجمهور بأنه يمكن تدمير لبنان والخروج من هذا بسلام ليس وهماً وحيداً يخرج على لسان زعمائنا هذه الأيام. ثمة تصريحات أكثر بؤساً منه. مثلاً، الوعد بتحرير المخطوفين من خلال الضغط العسكري؛ ها هي ثمانية أشهر منذ نشوب الحرب. والجيش الإسرائيلي رغم الجهد العظيم، قتل مخطوفين بالخطأ أكثر مما حرر. وبشائر قاسية أخرى أمامنا في هذا الموضوع، وكذا أسى وكرب.

 

منذ نهاية تشرين الثاني 2023 والضغط العسكري لم ينجح في إجبار السنوار على الانثناء أو التنازل. قبل ذلك أيضاً، تحرير المخطوفين بصفقة لم يأت بسبب الضغط العسكري، بل لأن هذا ما أراده السنوار. احتجاز أطفال ونساء ورضع لم يجده نفعاً، وفي المقابل تحريرهم المغطى إعلامياً يوماً بعد يوم، ساعده على مستوى الساحة الدولية في بناء الصورة الأفضل، وأتاح له التفرغ للمرحلة التالية، التي سيجعل فيها قطاع غزة الضحية وإسرائيل المعتدي.

 

وثمة وهم آخر تنشره القيادة، وهو احتمال لـ “النصر المطلق”. نصر مشكوك أن نحظى برؤيته، إذ إننا هزمنا منذ ذاك السبت. أما “النصر المطلق” فأمر مشكوك فيه أكثر بأضعاف. كل ما نفعله الآن هو تقليل شدة الهزيمة. مقاصة أضرار. لم نهزم في القتلى فحسب، بل في عمق الإهانة والعار. السنوار، بالمقابل، سجل سلسلة إنجازات. حتى لو مات قريباً فإنه يخرج مع حفنة انتصارات. من أعد لنا هزيمة عسكرية كهذه؟ من ورطنا في توتر مع أمريكا وشق المجتمع الإسرائيلي على هذا النحو؟ من أخلى سكاناً في قاطعي حدود معاً؟ أي زعيم عربي قبله خرب مسيرة سلام كانت تنسج مع دولة عربية؟ من رفع المسألة الفلسطينية إلى مركز الطاولة بين ليلة وضحاها؟ ومن كشف أن قدراتنا العسكرية محدودة وأننا غير مبنيين لحرب بهذا الطول دون تعلق بالأمريكيين؟ وهذا دون أن نتحدث عن الضحايا والمخطوفين الذين باتت يدنا قصيرة عن إعادتهم. هذا لا يعني أن ليس بوسعنا ترميم وضعنا وكسب تفوق على حماس، لكن هذا ليس نصراً مطلقاً.