إسرائيل لنصر الله: ستدفع ثمن وقاحتك “مرتين”

إسرائيل لنصر الله: ستدفع ثمن وقاحتك “مرتين”

إسرائيل لنصر الله: ستدفع ثمن وقاحتك “مرتين”

بقلم: جاكي خوجي/ معاريف 

يجدر بكل إسرائيلي أن يشاهد الشريط الذي نشره الذراع العسكري لحزب الله يوم الجمعة. أعد الشريط في أستوديوهات حزب الله في بيروت، ويقوم على أساس تصويرات نفذتها طائرة للمنظمة في سماء الشمال قبل أسبوع من ذلك. نوصي بمشاهدتها لا لأنها مشوقة فحسب؛ فمن خلالها نتعرف على حزب الله، وعلى العلاقات بين “القدس” وبيروت، وإذا ما نشب تصعيد حاد في الأيام القادمة، فسندرك لماذا نشب. 

يتكون الشريط من مقاطع فيديو توثق من مسافة طيران عصفور لمناطق واسعة في حيفا ومحيطها. طول الشريط تسع دقائق، وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول مكرس لمنشأة “رفائيل”، سلطة تطوير الوسائل القتالية، في “كريات بيالك”. هذا مجال لمساحة 7 آلاف دونم، وطائرة حزب الله تطير فوقه دون إزعاج. تتجمد الصورة مرة كل بضع ثوان، ويجري تقريب لموقع معين. وهكذا يمكن رؤية بطاريات القبة الحديدية، وبطاريات مقلاع داود، ومنشآت رادار وأهداف أمنية أخرى. 

كل إسرائيلي معتاد على رؤية هكذا شوارع مدينته من مسافة طيران عصفور، لكن لا أحد يتوقع أن تكون مثل هذه الصور ثمرة إنتاج العدو. القسم الثاني من الشريط يركز إلى “الكريوت”، المجمع التجاري “بيغ” في مفترق ساحات الخليج، فرع “أوشر عاد” في “كريات بيالك” وجادة بن تسفي في “كريات يام”. كل هذه نقاط علامة في الشريط. التلميح واضح: إذا ما نشبت حرب، حتى المباني العامة ستكون هدفاً ممكناً لحزب الله. 

في القسم الثالث، الأكثر إثارة للاهتمام، تنتقل كاميرا حزب الله المتجولة إلى حيفا، وتتوقف عند مينائها البحري. وتصور قاعدة سلاح الجو ومرسى سفن “ساعر” المتطورين، بجودة عالية جداً وعن كثب. نقاط علامة معروفة مثل “متنزه غورئيل في حي بات غليم، والقطار الهوائي، وشاطئ البحر، تبدو كلها بوضوح مثل تصوير حوامة لتلاميذ دائرة التخطيط المديني. 

شرح الجيش الإسرائيلي بأن حزب الله حاول مؤخراً أن يدخل أربع طائرات إلى سماء إسرائيل. اثنتان منها أسقطتا. الثالثة اختفت عن الرادار، والرابعة نجحت في مهمتها. فُهم أنها غير مسلحة، وهكذا تقرر عدم اعتراضها كي لا يتم تفعيل الصافرات. “لنا ساعات من المادة المصورة”، تباهى نصر الله بخطابه أول أمس، “حيفا، محيطها، ما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا”. ووعد بفصول أخرى في المسلسل. 

تدوير السكين 

أشرطة من هذا النوع ليست إنتاجاً مصادفاً؛ فهذه عملية متداخلة القدرات العسكرية، وجمع للمعلومات الاستخبارية الدقيقة والقدرة العليا على التقديم والصياغة. كل هذا لخدمة الهدف الأعلى لحزب الله هذه الأيام: إقناع الجيش الإسرائيلي لتخفيض مستوى القتال إلى الحد الأدنى. 

إسرائيل ليست معتادة على ذلك، لكن الجيش الإسرائيلي سجل إنجازات معتبرة في القتال في لبنان. يومياً، ينجح ذراع الاستخبارات في كشف مزيد من شخصيات حزب الله، والمس بها عند السفر أو في مبنى عادي ثم قتلها. كلهم على بؤرة الاستهداف، ويشعرون وكأنهم هدف في ميدان التدريب على النار. بهذه الطريقة، فقد حزب الله قرابة 400 من رجاله في كل المستويات. بعضهم كبار جداً. الحرج في صفوفهم كبير، حتى وإن لم يعترفوا بذلك. 

إسرائيل لا تدخل فقط السكين إلى جسم حزب الله، بل وتدورها مرتين. بعد دقائق من ملاقاة الهدف حتفه، ينشر في قنوات سعودية هويته ووظيفته. لقناة “العربية” أو لشركتها الفرعية “الحدث” مراسلون في إسرائيل، يتلقون المعلومات مباشرة من محافل إسرائيلية فور الهجوم. إن اختيار وسيلة إعلام عربية ضمان فوري لوصول المعلومات إلى لبنان، دون الحاجة لترشيحات. ولماذا السعودية؟ هذه هي الدورة الثانية للسكين. فما أفضل من منح مجال النشر لمكروهي المعسكر المؤيد لإيران؟ 

إضافة إلى الاغتيالات، دمر الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان، بكل معنى الكلمة. في بعض من القرى، تبدو أحياء كاملة مثلما في قطاع غزة في هذه الأيام. هوجمت أيضاً منشآت لحزب الله ومقرات لهم. الضغط الأساس على نصر الله يمارسه النازحون. 100 ألف على الأقل، معظمهم شيعة من قرى الجنوب، فروا من بيوتهم. في لبنان لا توجد ضريبة أملاك ولا تعويض للمخلين. السكان يطالبون الأجوبة من نصر الله. ومع أن احتجاجهم لا يصل إلى قنوات الأخبار، لكنه على ضميره ويشغل باله. هذه ليست حربهم وليست مشكلتهم. خرج نصر الله، كما يذكر، إلى القتال من أجل الفلسطينيين. 

كل هذا لا يقلل من الخسائر بالأرواح ومن الضرر الماضي الجسيم الذي لحق بالجانب الإسرائيلي؛ فإشغال آلاف الجنود لساحة قتال ثانوية، مس بالمنشآت والعتاد العسكري في القواعد إلى جانب إخلاء عشرات آلاف السكان من بيتهم والضرر الذي لحق بالزراعة والسياحة. الطرفان دفعا ثمناً باهظاً، ولا يزال في لبنان الثمن مضاعفاً، عسكرياً مالياً ومدنياً. 

لو كان هذا متعلقاً به فقط، لتراجع نصر الله منذ زمن بعيد وأنهى المعركة. ولكن ثمة افتراض بأنه لم يفكر بإطالتها لهذا الزمن، وعول على انكسار إسرائيلي قبل ذلك بكثير، مثلما اعتاد. كما أنه لم يخمن بأن يصل الجيش الإسرائيلي إلى هذا المستوى الناجع من المس برجاله. ربما فوجئ بـ 7 أكتوبر، بل واحتقرهم على جرائم القتل والجنس التي ارتكبها رجالهم في بلدات الغلاف. هذا ليس أسلوبه أو أسلوب رجاله. 

لكنه قيد نفسه. من اللحظة الأولى وعد زعيم حزب الله جمهوره والفلسطينيين أيضاً بأنه يقاتل من أجل غزة؛ كي يستنزف الجيش الإسرائيلي ويخفف حجم قواته، ولكي يضرب الاقتصاد الإسرائيلي ويحرج حكومة إسرائيل. لقد نجح بالفعل في مهامه، لكن الثمن باهظ. حجم القتال والدمار أكثر مما قدر. 

اتخذ حزب الله قرارات بعدم رفع مستوى اللهيب. من اللحظة الأولى، فرض على نفسه القتال على مقربة من الحدود. واعتقد أنه سينجح في مساندة الفصائل في غزة، وألا يتورط في حرب واسعة. لكنه فوجئ: الجيش الإسرائيلي جاء جائعاً وشرع في حملة صيد. الحرج في بيروت عظيم. 

في الأسابيع الأخيرة، أطلق نصر الله ورجاله رسائل لإسرائيل بأنهم لم يعد بوسعهم لجم أنفسهم. ومستوى الفيض جاء عند مقتل سامي طالب عبد الله عشية عيد الأسابيع، هو الضابط الأعلى لحزب الله التي نالته يد إسرائيل. وعندها اتخذت المنظمة قراراً بتشمير الأكمام. دخل الأمريكيون على الفور إلى الأزمة، وبدأوا يمارسون الضغط الشديد، تخوفاً من تحقيق حزب الله تهديداته. ومنذئذ تجري اتصالات في عدة قنوات وفي عدة مستويات. إحدى قنوات الوساطة تتم من خلال مبعوث بايدن، عاموس هوكشتاين. الإسرائيلي السابق، مستشار الطاقة في مهنته، هبط هذا الأسبوع في القدس والتقى القيادة الإسرائيلية. ثم واصل طريقه إلى بيروت قبل أن يعود إلى القدس. 

يعرف نصر الله ورجاله وضع إسرائيل جيداً، ويعرف أنها في ضائقة. إسرائيل بالفعل في ضائقة. القوات المقاتلة مستنزفة، وجيش الاحتياط بدافعية جزئية. بايدن يهدد بتقليص توريد الذخيرة، ومؤشرات اكود تبدو في الاقتصاد الإسرائيلي. حزب الله أيضاً مستنزف ولا يريد خوض حرب في هذه اللحظة. نصر الله، بطريقته الهجومية والمفعمة بالغرور، يقترح على إسرائيل صفقة ضعفاء: تعالوا ننزل بشكل جميل. الشريط المصنوع جيداً يستهدف إطلاق رسالة ردع لحالة رفض إسرائيل تخفيض شدة القتال. نملك بنك أهداف في عمق إسرائيل، مدنية وعسكرية، كما يلمح حزب الله. وفي خطابه أول أمس، حذر نصر الله وفي واقع الأمر، قال صراحة ما عبر عنه الشريط ضمناً. قال: “الكيان لا يمكنه أن يدافع عن نفسه وحده. سننتظره في الجو والبحر والبر. القرار بيد حكومة إسرائيل الآن. فقد عولت على التفوق العملياتي على أعدائها، وهي مطالبة بتقليصه. حزب الله لا يقترح وقف نار، بل نزول سلس في شدة القتال. إسرائيل لا توافق؛ فهي ليست معتادة على مثل هذه العروض من هذا العدو، وتريد أن يدفع الثمن على وقاحته. الجواب الإسرائيلي لن يعطى علناً. وحسب مستوى اللهيب، سنعرف ما هو.