نيويورك تايمز: اسرائيل استخدمت الفلسطينيين في غزة دروعا بشرية
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ناتان أودين هيمر وبلال شبير وباتريك كينغزلي، قالوا فيه إن إسرائيل استخدمت الفلسطينيين في غزة كدروع بشرية.
وقال جنود إسرائيليون ومعتقلون فلسطينيون سابقون، إن القوات الإسرائيلية أجبرت سكان غزة الذين اعتقلتهم بشكل منتظم على القيام بمهام خطيرة وضعت حياتهم في مرمى النيران، بما في ذلك داخل الأنفاق.
وقابل الصحافيون 16 جنديا إسرائيليا ومسؤولا على معرفة بالممارسات، وثلاثة معتقلين فلسطينيين سابقين. وقالوا إن محمد شبير كان يختبئ في بيت عائلته بداية شهر آذار/ مارس، عندما اعتقله الجيش الإسرائيلي لمدة 10 أيام قبل الإفراج عنه بدون توجيه تهم. وخلال تلك الفترة قال إن الجنود الإسرائيليين استخدموه كدرع بشري. وأجبره الجنود على المشي مقيدا وسط أنقاض مدينة خان يونس بحثا عن المتفجرات التي زرعها مقاتلو حماس. ولتجنب انفجارها بهم، طلبوا منه المشي أمامهم. وتوقف في واحدة من البنايات المهدمة وهرب نحو الجدار حيث شاهد سلسلة من الأسلاك المربوطة بقنابل غير منفجرة. وقال شبير: “أرسلني الجنود مثل الكلب إلى شقة مفخخة… واعتقدت أن هذه هي اللحظات الأخيرة من حياتي”.
وقد توصل تحقيق لـ”نيويورك تايمز” إلى أن الجنود الإسرائيليين وعملاء الاستخبارات، أجبروا الأسرى الفلسطينيين طوال فترة الحرب على القيام بمهام استطلاعية لتجنيب تعريض الجنود للخطر في ساحة المعركة.
ولا يعرف حجم ومدى هذه الممارسة، إلا أنها محظورة بموجب القانون الدولي والإسرائيلي، ومع ذلك استخدمتها 11 فرقة على الأقل في خمس مدن بغزة بحضور دائم لضباط من وكالات الاستخبارات الإسرائيلية.
وأُجبر المعتقلون الفلسطينيون على الدخول في مناطق يعتقد الجيش أن حماس حضّرت فيها كمائن أو نصبت مفخخات. وقد تطورت الممارسة بشكل تدريجي وتوسعت منذ بداية الحرب. وأُجبر المعتقلون على القيام بمهام الاستكشاف والتصوير داخل شبكات الأنفاق التي اعتقد الجنود أن مقاتلي حماس لا يزالون فيها. ودخلوا مباني مزروعة بالألغام للبحث عن متفجرات مخبأة فيها. وطُلب منهم نقل أشياء مثل مولدات وحاويات مياه اعتقد الجنود أنها تخفي وراءها مداخل للأنفاق أو مفخخات.
وأجرت الصحيفة مقابلات مع سبعة جنود شاركوا في تلك العمليات أو راقبوها وقدموها على أنها روتينية وشائعة ومنظمة ونفذت بدعم لوجيستي كبير وبمعرفة من رؤسائهم في الميدان. وقال العديد منهم إن المعتقلين تم التعامل معهم ونقلهم في كثير من الأحيان بين الفرق من قبل ضباط من وكالات المخابرات الإسرائيلية، وهي عملية تطلبت تنسيقا بين الكتائب ومعرفة من القادة الميدانيين البارزين.
وعلى الرغم من أنهم خدموا في أجزاء مختلفة من غزة في مراحل عدة من الحرب، إلا أن الجنود استخدموا إلى حد كبير نفس المصطلحات للإشارة إلى الدروع البشرية. كما تحدثت الصحيفة مع ثمانية جنود ومسؤولين على معرفة بالممارسة.
وأكد الجنرال تامير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق الذي يطلعه المسؤولون العسكريون البارزون بشكل روتيني على سير العمليات، استخدامَ هذه الممارسة، قائلا إن بعض المعتقلين أُجبروا على دخول الأنفاق، بينما تطوع آخرون لمرافقة الجنود والعمل كمرشدين لها، على أمل كسب رضا الجيش.
ولم يعثر تحقيق “نيويورك تايمز” على أدلة عن تعرض المعتقلين للضرر أو القتل عندما تم استخدامهم كدروع بشرية. وفي مرة واحدة، قُتل ضابط إسرائيلي، إما لأن المعتقل لم يلاحظ وجود مسلح مختبئ في المكان، أو أنه لم يحذر الجنود.
وفي بيان للصحيفة، قال الجيش الإسرائيلي إن “التوجيهات والتعليمات تحظر استخدام المعتقلين المدنيين في غزة بعمليات عسكرية”. ووعد بفحص شهادات الجنود والمعتقلين الفلسطينيين.
ويحظر القانون الدولي استخدام المدنيين أو المقاتلين كدرع ضد الهجمات. ومن غير القانوني، أيضا إرسال المقاتلين الأسرى إلى أماكن قد يتعرضون فيها لإطلاق النار، وكذا إجبار المدنيين على القيام بأي شيء له علاقة بالعمليات العسكرية.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور بجامعة بريستول البريطانية، لورنس هيل- كوثورن قوله: “بغض النظر عما إن كان المعتقلون من المدنيين أو عناصر في الجناح العسكري لحماس”، فمن غير القانوني إجبار المعتقلين الفلسطينيين على الدخول في أماكن خطيرة واستكشافها.
واستخدم الجيش الإسرائيلي نفس الممارسة المعروفة باسم “إجراء الجار” في أثناء الانتفاضة الثانية، حيث أجبر الجنود المدنيين الفلسطينيين على الدخول في المنازل التي تحصن بها المسلحون لإقناعهم بالاستسلام. وفي عام 2005، منعت المحكمة العليا في إسرائيل هذه الممارسة في حكم موسع حظر أيضا استخدام الدروع البشرية في سياقات أخرى.
وقضى رئيس المحكمة في حينه، أهارون باراك، بأنه لا يجوز إدخال أي مواطن في الأراضي المحتلة، حتى بموافقته إلى منطقة تجري فيها عملية عسكرية. وقال إن عدم التوازن في السلطة بين الجندي والمدني، يعني أن أحدا لا يمكنه التطوع للقيام بهذه المهمة بمحض إرادته و”افتراض كهذا لا أساس له” حسب الحكم.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور مايكل شميدت، الباحث في أكاديمية ويست بوينت والذي درس استخدام الدروع البشرية، قوله إنه لم يعثر في العقود الماضية على أمثلة قام بها جيش باستخدام المدنيين وأسرى الحرب أو المعتقلين الإرهابيين في عمليات استطلاع تهدد الحياة. وعلى أية حال، فممارسة كهذه “تعتبر جريمة حرب” كما يقول شميدت. ويقول المؤرخون العسكريون إن الجيش الأمريكي استخدمها في فيتنام.
وقال الجنود الذين قابلتهم الصحيفة إنهم بدأوا باستخدام هذه الممارسة خلال الحرب الحالية للحد من المخاطر على الجنود المشاة. وقال بعض المشاة الذين شاهدوا أو شاركوا بالممارسة إنهم وجدوا فيها مثيرة للقلق، وهو ما دفعهم للمخاطرة والكشف عن سر عسكري لصحافيين. وتوصلت الصحيفة لاثنين منهما عبر منظمة “كسر الصمت”، وهي منظمة رقابية مستقلة تجمع شهادات من جنود إسرائيليين أرسلوا إلى المناطق الفلسطينية المحتلة.
وقال جنديان إن أعضاء في فرقتيهما التي ضمت كل واحدة 20 جنديا، اعترضوا على الممارسة للقادة. وقال الجنود إن بعض الضباط من ذوي الرتب المتدنية حاولوا تبرير هذه الممارسة من خلال الادعاء، دون دليل، بأن المعتقلين هم إرهابيون وليسوا مدنيين محتجزين دون توجيه تهم لهم. وقيل لهم إن حياة الإرهابيين أقل قيمة من حياة الإسرائيليين، حتى بعد توصل الضباط إلى أن المعتقلين الفلسطينيين لديهم لا علاقة لهم بأي فصيل مسلح، وأفرج عنهم لاحقا بدون توجيه تهم لهم.
وقال جهاد صيام (31 عاما) ومصمم غرافيك، إن فرقة من الجنود الإسرائيليين أجبرته ومجموعة من النازحين الفلسطينيين على السير كغطاء، حيث كانت تتقدم نحو هدف في وسط مدينة غزة. وقال صيام: “طلب منا الجنود المشي أمامهم حتى لا يرد الجانب الآخر بإطلاق النار”. وأضاف أنه بمجرد وصول النازحين إلى المخبأ، خرج الجنود من خلف المدنيين واندفعوا داخل المبنى. وبعد قتل المسلحين على ما يبدو، ترك الجنود المدنيين لمواصلة سيرهم دون التعرض لهم بأي أذى، حسبما قال.
وقال الصيدلاني بشير الدلو من مدينة غزة، إنه أُجبر على التصرف كدرع بشري في صباح 13 تشرين الأول/ نوفمبر بعد اعتقاله من بيته. وكان الدلو قد هرب من بيته مع زوجته وأولاده الأربعة بداية الحرب، لكنه عاد إلى البيت بحثا عن بعض الأشياء الضرورية، رغم أن المنطقة كانت ساحة حرب.
وطُلب منه التجرد من ملابسه حتى السروال الداخلين وقُيد واعتُقل قبل أن يفرج عنه بدون توجيه تهم. وبعد التحقيق معه حول أنشطة حماس في المنطقة، قال إن الجنود أمروه بالدخول إلى الساحة الخلفية لبيت من خمس طوابق. وانتشرت في الساحة الكثير من الأشياء مثل أقفاص العصافير وخزانات المياه وأدوات الزراعة والكراسي المكسورة والزجاج المهشم ومولد كهربائي كبير.
ويتذكر الدلو قائلا: “دفعني ثلاثة جنود كانوا ورائي إلى الأمام بعنف” و”كانوا خائفين من احتمال وجود أنفاق تحت الأرض أو متفجرات مخبأة تحت أي شيء هناك”. وقال إنه كان يسير حافي القدمين حيث جُرح بشظايا الزجاج. وكان هناك سبعة أو ثمانية جنود اختبأوا خلف أنقاض الجدار المحطم خشية أن يتعثر الدلو بقنبلة، وقام أحدهم بتوجيهه عبر مكبر صوت. وقام وهو مقيد بركل الأشياء أمامه، ثم قيدوا يديه من الأمام حتى يستطيع رمي الأشياء بسهولة. إلا أن شيئا تحرك من خلف الأنقاض وبدأ الجنود بإطلاق النار لدرجة أنهم كادوا أن يخطئوا في رؤية الدلو، واتضح أنها قطة. ثم طلبوا منه تحريك المولد القديم، وعندما تردد خشية أن يخرج مقاتلو حماس من المكان، ضربه جندي بعقب بندقيته.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أمره الجنود بالسير أمام دبابة إسرائيلية أثناء تقدمها نحو مسجد شعر الجنود بالخوف من مواجهة مسلحين فيه. وأضاف أنه تم نقل بعض جيرانه للبحث عن مداخل نفق في مستشفى الرنتيسي القريب، ولم يرهم منذ ذلك الحين.
وفي ذلك المساء، نُقل إلى مركز احتجاز في إسرائيل. وبالنظر لما مر به في ذلك اليوم، اعتبر النقل وكأنه نعمة صغيرة، على الرغم من أنه كان يتوقع أن يواجه سوء المعاملة داخل السجون الإسرائيلية.
ويتذكر الدلو أنه كان يفكر: “لقد كنت في قمة السعادة في تلك اللحظة.. سأغادر منطقة الخطر هذه إلى مكان أكثر أمنا داخل السجون الإسرائيلية”. وأشارت الصحيفة إلى أن الجنود أدخلوا فلسطينيا بعدما ربطوا حول جسمه كاميرا إلى نفق لتصوير ما في داخله.