التصعيد الإسرائيلي وتوظيف التهديد الإيراني: قراءة في الاستراتيجيات والتحولات الجيوسياسية

التصعيد الإسرائيلي وتوظيف التهديد الإيراني: قراءة في الاستراتيجيات والتحولات الجيوسياسية

التصعيد الإسرائيلي وتوظيف التهديد الإيراني: قراءة في الاستراتيجيات والتحولات الجيوسياسية

بقلم: الباحث فادي ابو بكر

منذ ما يزيد عن أحد عشر شهراً، يعيش قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المستهدفة الأخرى في حالة حرب إبادة شاملة يستهدف فيها الاحتلال الإسرائيلي الوجود الفلسطيني والكيانية الفلسطينية، وتظهر هذه الحرب المسعورة في سياق جيوسياسي يمتد من الشرق الأوسط إلى الساحة الدولية. حيث تعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل كبير على تصوير إيران كتهديد وجودي، مما يسهم في تعزيز دعم الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لمواقفها وسياساتها العسكرية.

تعتمد الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل كبير على تضخيم التهديد الإيراني أمام العالم الغربي، لتبرير حرب الإبادة المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، ومن خلال تصوير إيران كعدو مشترك، تسعى إسرائيل إلى تعزيز تحالفاتها مع الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، والتي تعتبر الداعم الأكبر لإسرائيل على كافة المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.

أشارت واشنطن في 22 آب/ أغسطس 2024 إلى استعدادات روسية لشن ضربات على منشآت حكومية أوكرانية. بعد ذلك بأيام قليلة، أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها تقديم مساعدات جديدة لأوكرانيا، في خطوة تعكس التوترات المستمرة بين الغرب وروسيا. في الوقت ذاته، صدر عن البيت الأبيض بيان يحذر من أن إيران تستعد لشن هجوم على إسرائيل، مما ينذر وجوباً بمساعدات عسكرية أمريكية جديدة  لإسرائيل.

استغلت إسرائيل التحذيرات الأمريكية بشأن إيران لتكثيف عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، التي بدأتها منذ 28 آب/أغسطس 2024، والتي تعتبر الأوسع منذ عقدين، متذرعةً باكتشاف مسار لتهريب الأسلحة من إيران. هذا التصعيد ليس سوى استكمال للسردية التي تروج لها إسرائيل بشكل مستمر، حيث يتم تصوير إيران كتهديد وجودي يجب مواجهته بأي ثمن. ومن خلال هذا التصوير، تقدم إسرائيل نفسها كحليف لا غنى عنه في مواجهة هذا الخطر، مما يساعدها في ضمان استمرار الدعم العسكري والمالي الأمريكي والغربي.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تزداد تعقيدات المشهد السياسي، حيث تواجه الولايات المتحدة ضغوطاً داخلية متزايدة، خصوصاً من الشارع الأمريكي الغاضب تجاه ما يحدث في غزة. وفي ظل هذه الضغوط، تجد الإدارة الأمريكية في التهديد الإيراني مبرراً لاستمرار دعمها لإسرائيل، مدعيةً ضرورة حماية الأخيرة من الخطر الإيراني المزعوم. هذا الدعم الأمريكي يتجاوز الجوانب العسكرية ليشمل الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية، مما يعزز من قدرة اسرائيل على التمادي أكثر في مجازرها وجرائمها وتعميق الاستيطان وعمليات التهجير والتطهير العرقي.

 

منذ تولي الرئيس دونالد ترامب للرئاسة في العام 2017، شهدت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تطوراً كبيراً تمثل في زيادة الدعم العسكري لإسرائيل وتعميق التعاون الأمني بين البلدين. وقد استفادت إسرائيل من هذا الدعم لتوسيع عملياتها العسكرية وتكريس وجودها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن خلال تضخيم التهديد الإيراني، تضمن إسرائيل استمرار هذا الدعم، متجاهلةً الانتقادات المتزايدة لسياستها تجاه الفلسطينيين.

في خضم هذه التحولات الجيوسياسية، يبقى الشعب الفلسطيني الضحية الأكبر، حيث يتعرض لمعاناة متزايدة وسط حرب مستمرة بلا نهاية واضحة. ويفاقم التصعيد العسكري الإسرائيلي، المدعوم بتوظيف التهديد الإيراني، من الأوضاع الإنسانية ويعمق من الأزمات السياسية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية.

تواجه القضية الفلسطينية اليوم منعطفاً تاريخياً خطيراً، يتعمد تجاوزه على القدرة على توحيد الجهود الفلسطينية وتنسيقها بشكل فعال لمواجهة الهجمة الشرسة، وذلك بالتوازي مع  الدعم الحقيقي والملموس من المجتمع الدولي، والضغط على الولايات المتحدة لإجبار الاحتلال الاسرائيلي على التراجع واحترام القوانين الدولية وتحقيق السلام العادل عبر منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس.

تحتاج القضية الفلسطينية اليوم إلى القيادة السياسية الواعية المخلصة التي تمتلك رؤية استراتيجية قادرة على توحيد الصفوف واتخاذ القرارات الصائبة والمستندة إلى فهم عميق لهذا الواقع وما يكتنفه من استراتيجيات وتحولات وتحديات. ولعلّ الأوامر والتحركات الرئاسية للرئيس محمود عباس قبيل توجهه لزيارة قطاع غزة والقدس الشريف من بعدها، تعكس تصميم القيادة الفلسطينية على حماية الكيانية الفلسطينية، وتحقيق استجابة دولية عاجلة تجاه حرب الإبادة المستمرة في القطاع وكافة الأراضي الفلسطينية، والتزامها الثابت تجاه شعبها وقناعتها بضرورة مواجهة التحديات الراهنة بشكل موحد ومتناسق.