حكومة التحريض تتباكى من التحريض اليهودي ضد نتنياهو

حكومة التحريض تتباكى من التحريض اليهودي ضد نتنياهو

بقلم: ناحوم برنياع

الثواني التي تلت محاولة اغتيال ترامب وهو محاط بالحراس، تكشف عن سياسي يتميز برباطة جأش وضبط للنفس. “دعوني آخذ حذائي”، يقول لهم، وقبل أن يبعدوه عن المنصة يتذكر بأن يرفع قبضته ويقول للجمهور “قاتلوا، قاتلوا”. قولوا ما تشاؤون عن ظاهرة ترامب – فهو يعرف كيف يلعب اللعبة حتى تحت النار.

في ساعة كتابة هذه السطور، ليس واضحاً بعد ما الذي أراده مطلق النار؛ هل أراد اغتيال ترامب السياسي أم ترامب الشهير؟ أكان دافعه سياسياً أم نفسياً؟ عرّفت الشرطة الحدث كعملية انتحارية، لكن في وعي الجمهور، استقبل كاغتيال للرئيس، وفصل آخر في التاريخ المضرج بالدماء لعنف سياسي في أمريكا. يدافع ترامب في خطابه بحماسة عن الخفة التي يمكن شراء حماس بها، بما في ذلك السلاح الأوتوماتيكي، وأذنه تعرف التداعيات الآن.

كما هو متوقع، كانت الصدمة والشجب هما رد الفعل على الحدث. في الدولة الديمقراطية يتم تغيير الواقع بقوة صندوق الاقتراع وليس بقوة السلاح، قال الجميع عن قصد واسع. لكن من توقع أن إطلاق النار سيغير القوانين أو الثقافة السياسية فهو يعاني من تفاؤل زائد. التحريض في الشبكة سيتواصل كالمعتاد؛ وكذا الاستقطاب؛ وكذا الخطابات الحماسية لترامب. لا خير سينشأ حالياً في السياسة الأمريكية.

انعقدت حكومة إسرائيل أمس في بحث عقب محاولة الاغتيال. السرعة مذهلة: فالدم لم يجف بعد عن أذن ترامب، وحكومة إسرائيل تستخلص الدروس. خسارة أنهم لا يبدون عجلة كهذه للتحقيق في قصور "7 أكتوبر". سكرتير الحكومة عرض على الوزراء فيلماً قصيراً أطلق تصريحات ضد نتنياهو برشقة واحدة – صيغة المكتب لفيلم الناطق العسكري، عن فظائع حماس – ودعي الوزراء للحديث. إجماع عام هذه المرة: كلنا ضحايا، ونتنياهو على الرأس. كما تحقق إجماع حول المذنبة: غالي يهرب ميارا. من الصعب أن نفهم العلاقة بين القاتل من بنسلفانيا والمستشارة القانونية للحكومة، لكن الوزراء يفهمون.

الحقيقة، هناك حق في أقوالهم. الاحتجاج ضد نتنياهو وحكومته ينزلق أحياناً إلى تعابير متطرفة وأحياناً حتى إلى دعوة للعنف. هكذا أيضاً الاحتجاج المضاد، من جانب البيبيين. النيابة العامة والمحاكم ترد بشكل عام بضبط للنفس. الأسباب معروفة: أولاً، تقديس حرية التعبير، بإلهام من أمريكا. ثانياً، غياب خلفية جنائية في ماضي الداعين إلى العنف؛ ثالثاً، الفرضية الخفية أن اليهودي لن يرفع يداً على يهودي، خصوصاً على رئيس وزراء يهودي، رابعاً، غياب القوانين المناسبة.

كل التعليلات الجميلة هذه تحتاج إلى مراجعة متجددة: أولاً، أصبحت حرية التعبير في عصر الشبكة الاجتماعية حرية شقاق. هذا وباء يهدد وجود الديمقراطيات، بما في ذلك ديمقراطيتنا؛ ثانياً، الأوسمة التي تلقاها المهدد الدوري في الجيش تجعله هو ومتابعيه بريئين؛ ثالثاً، الفرضية القائلة بأن اليهودي لن يرفع يداً على رئيس وزراء يهودي دحضها يغئال عمير مرة واحدة وإلى الأبد؛ فضلاً عن كل هذه، المساواة أمام القانون أمر مطلوب؛ فلا يمكن اعتقال عربية تعربد في الشبكة وتجاهل يهودية تقع في خطيئة تعبير مشابه؛ رابعاً، لا توجد قوانين مناسبة، لأن نتنياهو بحاجة لمواقع ودية لآلة السم لديه، فهو لن يسارع إلى التورط مع أصحاب الشبكة الاجتماعية.

لو لم يكن الضحك علينا، لكان هذا مضحكاً: جلسة عصبة محرضين محميين بحصانتهم وتصرخ صرخة السليب. يروي بعضهم لبعض تجارب صادمة قبل عشرين أو ثلاثين سنة. بن غفير مثلاً: المجرم المدان، يشكو من اعتقال زوجته ذات مرة حين تظاهرت ضد الحكومة. هو، المسكين، اضطر لزيارتها في المعتقل. أو سموتريتش، الذي تفادى، بمعجزة، الاعتقال على جريمة إرهاب خطيرة، واليوم يشكو من أنهم اعتقلوا امرأة هاجمت وزير العدل من عصر سابق؛ أما نتنياهو الذي يبدي تفهماً كبيراً لكتابات التحريض التي يطلقها ابنه من ميامي، فهو لا يحتمل الإهانات التي يتعرض لها في الشبكة؛ وهذا آفي ديختر الذي يفقده تطلعه لخلافة غالانت صوابه، أضاف في البداية كلمة “أمن” باسم وزارة الزراعة، على أن يفهم نتنياهو التلميح. “التحريض ضد نتنياهو يفوق ما تعرض له رابين 80 ضعفاً”، قال، ونسي من حرض في حينه وكيف انتهى هذا. وميري ريغف، بالطبع، في حالتها ما يغني عن التفصيل.

لقد بقوا لأكثر من ساعة. بعد ذلك أقروا، في غضون دقائق، تمديد الخدمة لجنود الجيش النظامي. لا حاجة للتحريض ضد الحكومة الفريدة هذه. الحقائق كافية.