صوت الصورة.. كيف أعادت قناة الجزيرة تشكيل الواقع لدعم رواية حماس عقب "التهدئة"؟

صوت الصورة.. كيف أعادت قناة الجزيرة تشكيل الواقع لدعم رواية حماس عقب "التهدئة"؟

صوت الصورة.. كيف أعادت قناة الجزيرة تشكيل الواقع لدعم رواية حماس عقب "التهدئة"؟

صوت الصورة.. كيف أعادت قناة الجزيرة تشكيل الواقع لدعم رواية حماس عقب "التهدئة"؟
بقلم: الباحثة مريم شومان

في الصراعات السياسية والعسكرية، لا يقتصر الحسم على ساحة المعركة وحدها، بل تتصدر الصورة والإعلام مشهد المعركة الأهم:"معركة القلوب والعقول".

قناة الجزيرة أحد أبرز المنابر الإعلامية في العالم العربي نجحت في ترسيخ مكانتها كلاعب مؤثر في هذه المعركة، خاصة خلال تغطيتها للأحداث التي أعقبت "الهدنة" بين دولة الاحتلال وحركة حماس في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

أثبتت قناة الجزيرة مرارا قدرتها على توظيف الصورة لتشكيل سردية تعكس توجهات معينة، وقد ظهر ذلك بوضوح في تغطيتها للاستعراض العسكري الذي نظمته كتائب القسام التابعة لحماس بالتزامن مع إطلاق المجندات الإسرائيليات الأربعة.

ركزت تغطية الجزيرة على مشاهد مدروسة بدقة، تبدأ بعرض الاستعراض العسكري الذي جسد فيه عناصر حماس صورة التنظيم المنضبط، والقوي والمسيطر على الأرض، كما عُرضت لقطات توحي بالانتصار مثل مشهد عناصر حماس وهم يجوبون الشوارع بأسلحة حديثة وأعلام خضراء ترفرف فوق الدمار ترافقها الهتافات الجماهيرية، في المقابل بدت مشاهد الدمار الواسع والدموع محدودة أو مشروطة بتعليقات تربطها بـ" الصمود والمقاومة".

إن الصورة التي عرضتها الجزيرة لم تكن محايدة. كيف ذلك؟ من خلال التركيز البصري على الرموز العسكرية لحماس مقابل تغييب أو تقليل عرض مشاهد المعاناة الإنسانية التي سببها العدوان الإسرائيلي مما خلق سردا موجها يخدم أجندة المعركة.

من خلال الانتقاء المتعمد للصور؛ ساهمت الجزيرة في إعادة تشكيل الواقع بطريقة تعزز من شعور القوة والانتصار لدى حماس مستغلة بذلك القوة العاطفية والبصرية للصورة للتأثير على الوعي الفلسطيني والعربي، وتعزيز مكانة الحركة وتعزيز شعبيتها محليا وإقليميا.

إضافة إلى ذلك، وظفت الجزيرة تصريحات قيادات حماس بشكل بارز مع تعليقات مراسليها في غزة التي تعزز صورة الحركة كقوة فاعلة استطاعت فرض شروطها على الاحتلال الإسرائيلي. وبالتزامن، غابت التحليلات النقدية التي قد تثير تساؤلات حول كلفة الحرب أو أخطاء الحركة السياسية والعسكرية مما يعكس انحيازا ضمنيا لرواية معينة.

كما أبرزت الكاميرات مشاهد تسليم المجندات الأربع وهن محاطات بعناصر مسلحين وحاملات حقائب تحتوي على "هدايا" وموسومة بشعار حماس والتركيز على مشهد تلويحهن بأياديهن باسمات للمواطنين المحتشدين وسط ميدان فلسطين مما يعزز صورة حماس كقوة عسكرية ذات انضباط.

هذه الرمزية البصرية استُخدمت لإيصال رسائل عدة: أولها، أن الحركة قادرة على تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية عبر القوة والتفاوض، وثانيها، ترسيخ فكرة الانتصار الفلسطيني في وعي الجمهور المحلي والعربي.

في المقابل؛ تم تصوير الجنود الإسرائيليين الذي تسلموا الفتيات الأربع بصورة خافتة تفتقر إلى القوة وهو ما يعكس توازنا مرجحا لصالح حماس في السردية الإعلامية.

إن الاستخدام المكثف للصورة كوسيلة تأثير يُظهر أن الإعلام لم يعد مجرد وسيط لنقل الخبر، بل تحول إلى لاعب رئيسي في صياغة الأحداث نفسها، وبهذا الأسلوب، لم تكن تغطية الجزيرة مجرد نقل للأحداث، بل إعادة صياغة لها، حيث لعبت الصورة التي قدمتها الجزيرة وما زالت دورا حاسما في تشكيل وعي الجمهور وإعادة بناء الواقع بما يخدم أهداف الحركة.

هذا التوظيف المكثف للإعلام يطرح تساؤلات جوهرية حول حدود الدور الإعلامي وأخلاقياته ومدى تأثيره في دعم أجندات سياسية على حساب الحياد الصحفي.


Share:


آخر الأخبار