أساليب استخدمها الأسرى لمواجهة السجان

أساليب استخدمها الأسرى لمواجهة السجان

أساليب استخدمها الأسرى لمواجهة السجان

طولكرم- سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية استأنفها الأسرى بعد أن تنصلت إدارة سجون الاحتلال من جملة "التفاهمات" التي تمت في شهر آذار/ مارس الماضي، وبعد أن أبلغت الأسرى في عدد من السجون أنها ستبدأ بفرض إجراءات التضييق على المؤبدات من خلال عمليات النقل المتكررة من الغرف، والأقسام، والسجون التي يقبعون فيها.

وتتمثل خطواتهم التي أقرتها لجنة الطوارئ العليا للحركة الوطنية الأسيرة التي شكلها الأسرى من كافة الفصائل منذ الهجمة المضاعفة التي حاولت إدارة سجون الاحتلال فرضها بعد انتزاعه ستة أسرى حريتهم في شهر أيلول الماضي، بالامتناع عن الخروج إلى "الفحص الأمني" وسيكون تنفيذ هذه الخطوة يومي الاثنين والأربعاء، وستنتهي خطواتهم الأولية هذه في حد أقصاه أسبوعين بإضراب عن الطعام.

ويلجأ الأسرى إلى تنفيذ خطوات احتجاجية، تأكيدا على جملة مطالب وحقوق تتعلق بتحسين حياتهم الاعتقالية، ورفضا لإجراءات الاحتلال التعسفية بحقهم وعلى رأسها سياسة الاعتقال الإداري.

وحسب إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني، فإن عدد الأسرى القابعين في سجون الاحتلال بلغ (4550) أسيرا، بينهم (31) أسيرة، و(175) قاصرا، وأكثر من (700) معتقل إداري.

ورغم تجنب الأسرى أي استخدام للقوة المباشرة لمواجهة السجان الإسرائيلي، إلا أن وقوع انتهاكات قاهرة وقاسية بحقهم يدفعهم للرد عليها بمواجهة خطيرة، باستخدام أي وسائل يبتدعونها داخل سجونهم، دفاعا عن كرامتهم، وصدموا المحتل بأدواتهم النضالية داخل الأسر للدفاع عن حقوقهم وذواتهم وأفكارهم وطموحهم.

الأسير المحرر مؤيد عبد الصمد البالغ من العمر (60 عاما)، من بلدة عنبتا شرق طولكرم، قضى (26 عاما) في سجون الاحتلال أفرج عنه عام 2011، خاض الكثير من الخطوات الاحتجاجية خلال سنوات سجنه، إلى جانب آلاف الأسرى، ويرى أن هناك الكثير من الوسائل الاحتجاجية ينفذها الأسرى للحصول على حقوقهم المشروعة، وكسر النظام اليومي للسجان الذي يفرضه عليهم.

واستعرض بعض الوسائل النضالية السلمية التكتيكية التي استخدمها الأسرى في مجابهة السياسات الإسرائيلية، بدءا من إرجاع وجبات الطعام التي يعتبرها السجان تمرد على نظام السجن، يتبعها منع الأسرى العمال داخل المرافق الحيوية من العمل بما فيها المطبخ، الأمر الذي يسبب إرهاقا للسجان ويسبب حالة من الإرباك لديهم.

ومن بين الخطوات المجدية والفعالة لاستفزاز السجان وإجباره على تلبية مطالب الأسرى كما يوضحها عبد الصمد، هي مقاطعة ضباط الإدارة، خاصة عند العد بحيث يتم مقاطعتهم وعدم الرد عليهم، والأكثر نجاعة هي مقاطعة الضباط من ذوي الرتب العالية، وفي نفس الوقت التحدث مع الجنود والضباط الأقل رتبة، ويعتبر ذلك قمة الاستفزاز، وينشر التوتر في صفوفهم.

إضافة إلى ذلك فإن الأسير يلجأ إلى الإضراب عن النزهة اليومية أياما وأسابيع، حيث كانت أولى الإضرابات على هذه الطريقة فى العام 1968 بسجن بيت ليد "كفار يونا" عندها امتنع الأسرى عن الخروج إلى ساحة التجوال طوال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من ذلك العام، احتجاجا على ظروف الحياة المعيشية فى المعتقل.

ويقول عبد الصمد، استخدمنا أسلوب الإضراب عن الحلاقة، والاستحمام مدة طويلة، تحملنا على أنفسنا رغم صعوبة الموقف، نفذنا الدق على الأبواب والتكبير خاصة في حال إقدام إدارة السجن على اقتحام أقسام وغرف الأسرى، ويكون ذلك لدقائق، ويثير هذا الأسلوب المتكرر من قبل الأسرى، حالة من التوتر مع الإدارة وتنشر جنودها المدججين بالأسلحة وقنابل الغاز بين الغرف لقمع الأسرى.

كما يلجأ الأسرى إلى رفض الخروج للعد، والفحص الأمني، في أعقاب الكثير من حالات الاحتجاج على قضايا وممارسات من قبل إدارة مصلحة السجون التي تعتبر ذلك قمة في التمرد وتعلن حينها النفير وفي كثير من الأحيان  تستخدم الغاز المسيل للدموع وتخرج الأسرى بالقوة.

ويشير عبد الصمد أن من ضمن أحد أشكال التمرد التي ينفذها الأسرى، هو إزالة كافة مقتنايتهم من ملابس وغيرها من الخزانات والأسرة، ووضعها وسط الغرف وبالتالي إعاقة دخول السجانين إليه، والامتناع عن جمع النفايات من الغرف، إضافة إلى الإضراب عن الزيارات لإجبار إدارة السجون على توفير متطلباتهم الضرورية، أو لانتزاع حقوقهم الأساسية المسلوبة، علما أن الحركة الأسيرة استخدمت هذه الوسيلة النضالية لأول مرة فى معتقل نابلس فى العام 1968.

ويوضح أن خطوة الإضراب عن الطعام تأتي بعد استنفاد كافة الوسائل التكتيكية التي قد تستمر لأشهر طويلة، مشيرا إلى أن معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها وما زال يخوضها الأسرى منذ عام 1967 وحتى اليوم، حققت الكثير من الانجازات لهم رغم المماطلة والتخريب من قبل إدارة السجون، مشيرا إلى أنه خاض إضرابا عن الطعام في الأعوام (1992، 1995، 1998، 2000).

وتناول الكاتب رأفت خليل حمدونة في كتابه "الجوانب الإبداعية للأسرى الفلسطينيين في الفترة 1985-2015م"، الوسائل النضالية التي استخدمها الأسرى للنهوض بواقعهم، مستندا في دراسته على التجربة التي عاش معظمها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فكان شاهدا عليها لمدة (15 عاما)، واعتمد أسلوب الشهادات الحية للأسرى والأسيرات وهي شهادة موثقة لديه، فقدم رواياتهم الشفوية كمادة تاريخية وثائقية بين دفتي كتابه.

وجاء في كتابه أن الأسرى الفلسطينيين أبدعوا في استخدام احتجاجات سلمية وعنيفة متنوعة لتحصيل حقوقهم، ولعل أحد أهم المظاهر الإبداعية للأسرى، تسلحهم بعدالة قضيتهم، واحتكامهم للقانون الدولي والإنساني في عملية الرفض، والاحتراف في المواجهة، من خلال مناقشة جماعية مستفيضة، وقد وضع الاحتلال العديد من العوائق لطمس الجوانب الإبداعية للحركة الأسيرة، إذ تعاملت دول الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين كإرهابيين لا مناضلين طلاب حرية، وأسرى حرب أو معتقلين مدنيين محتجزين على أثر قضية سياسية.

واعتبر الكاتب حمدونة أن الإضرابات المفتوحة عن الطعام من أفضل الأساليب التى يلجأ اليها المعتقلون داخل السجون وهو سلاح استراتيجي فتاك، اثبت فاعليته خلال المسيرة الاعتقالية، ويشكل الأداة الأقوى من بين الأدوات النضالية التى استعملها المعتقلون في المحطات المفصلية، وهنالك أهداف ومسميات للإضرابات المفتوحة عن الطعام منها: "الاضرابات الاحتجاجية، والتضامنية، والمطلبية، والسياسية، ومنها الجماعية والفردية، ومنها على الماء والملح فقط، وأخرى مع تناول المدعمات من المحاليل والفيتامينات".

وفي مقالة للكاتب الأسير المحرر المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فراونة بعنوان "أبرز الإضرابات الجماعية منذ العام1967"، جاء فيها أن أول إضراب جماعي ومنظم عن الطعام يخوضه الأسرى في سجون الاحتلال، حدث في سجن عسقلان، في الخامس من تموز/ يوليو عام 1970. واستشهد فيه الأسير عبد القادر أبو الفحم، شكل حافزا للانطلاقـة والنوعية، نحو المزيد من الإضرابات الجماعيـة المنظمة عن الطعام، فتوالت الإضرابات بعد ذلك، في السجون كافة، وسقط المزيد من الأسرى شهداء".

وأشار إلى أن الإضراب عن الطعام لم يكن يوما هو الخيار الأول أمام الأسرى، كما لم يكن الخيار المفضل لديهم، وهو الأشد إيلاما والأكثر وجعا، يلجأون إليه مضطرين ورغما عنهم، وذلك بعد استنفاد الخيارات الأخرى، ومع مرور الوقت أضحت رغم مرارتها وقسوتها، ثقافة متجذرة لدى الحركة الأسيرة، ومن خلالها استطاع الأسرى انتزاع العديد من حقوقهم المسلوبة وتغيير الشروط الحياتية وتحسين ظروف احتجازهم، ومنذ عام 2011 برزت ظاهرة الإضرابات الفردية الآخذة في الاتساع وغالبيتها كانت رفضا للاعتقال الإداري.

 ومن ضمن الأساليب الأخرى التي استخدمها الأسرى كما جاء في كتاب رأفت حمدونة، تجنيد الأسرى للسجانين بمهمات تخدمهم في مقابل محاولات إدارة سجون الاحتلال في تجنيد العملاء لصالحها، واستخدام الحرب النفسية من خلال التهديد بحل التنظيم يعني نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة، فحل التنظيم يعني التصعيد مع إدارة السجون، وبداية عصيان منظم، وتهديد رجال الإدارة، والقضاء على مظاهر الاستفزاز  التي تتبعها الإدارة في كثير من الأحيان من خلال بعض الرموز كوضع صور لقادة دولة الاحتلال، أو وضع العلم الإسرائيلي في الأقسام، ورفض العودة للغرف أثناء الخروج للفورات حيث استخدمها الأسرى كوسيلة نضال محدودة، ولفترة بسيطة، قد تكون لعشر دقائق أو ما يزيد قليلا، تجنبا للصدام والمواجهة مع إدارة مصلحة السجون.

كما استخدم الأسرى أسلوب رفض التفتيش العاري والتفتيشات والاقتحامات الليلية، والرد على كل الاحتكاكات والمشادات اللفظية، كما استخدموا الحرائق كحرق المنجرة في سجن بئر السبع عام 1970 وكانت حينها اكبر مرفق إنتاجي، وحرق الغرف، واللجوء إلى ضرب الأسير للسجان في حال التمادي في المعاملة من شتم وضرب أو معاملة سيئة لذويه أثناء الزيارة، دفع الأسرى ثمنها الدماء وسنوات من العزل الطويلة والغرامات والمنع من الزيارات والتضحيات الجسام.

عن (وفا)


Share: