في تقرير حديث للبنك الدولي: الاقتصاد الفلسطيني يسجل نموا لكن آفاق المستقبل لا تزال غير مؤكدة
القدس المحتلة– خبر24- قال البنك الدولي إن الاقتصاد الفلسطيني بدأ يظهر بعض علامات على التعافي وأرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى التحسن في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية. لكن قطاع غزة ما زال يعاني أوضاعا اقتصادية بالغة الشدة، مع الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية. وفي السياق الاقتصادي الراهن، تشوب حالة من عدم اليقين آفاق المستقبل في ضوء محدودية مصادر النمو المستدامة. جاء ذلك في "تقرير الرصد الاقتصادي الفلسطيني" المقدم إلى لجنة الارتباط الخاصة.
وأوضح البنك الدولي في بيان تلقت "خبر24" نسخة منه اليوم الإثنين، أن هذا التقرير سيعرض في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بمدينة أوسلو بالنرويج، في اجتماع على مستوى السياسات بشأن المساعدات الإنمائية المقدمة إلى الشعب الفلسطيني. ويسلط هذا التقرير الضوء على التحديات الجسيمة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني بوجه عام، وبدرجة أكثر تحديدا على الأداء الاقتصادي في قطاع غزة واحتياجاته الإنمائية.
وتعقيبا على التقرير، قال كانثان شانكار المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: "إن النمو الحالي الذي يقوده الاستهلاك في الضفة الغربية يعزى إلى انتعاش انطلق من سنة أساس منخفضة في عام 2020، وهو وضع تفاقم بسبب أزمة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19). ولا يزال الاقتصاد يعاني من قيود على الحركة والعبور والتجارة - وهي أكبر عائق للاستثمار والوصول إلى الأسواق. ويفتقر هذا الاقتصاد أيضا إلى محركات النمو التي تفرز آثارا إيجابية مستدامة على الاقتصاد وظروف المعيشة. كما أن المسار القادم أمامنا لا تزال تخيم عليه حالة من عدم اليقين، ويتوقف على اتخاذ كل الأطراف جهودا منسقة لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل للشباب".
ويشير القرير إلى أن أنشطة الأعمال بدأت في الانتعاش تدريجيا بفضل انحسار حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، واستمرار حملة التطعيم، وتخفيف تدابير الإغلاق. وكانت الضفة الغربية هي المحرك الوحيد لتحسن الأداء الاقتصادي، أما اقتصاد غزة فقد ظل في حالة شبه ركود بفعل جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوما في أيار/مايو. وبلغ معدل النمو 5.4% في النصف الأول من 2021، ويتوقع له أن يصل إلى 6% هذا العام. لكن من المتوقع أن يتراجع النمو في عام 2022 إلى نحو 3% بسبب تضاؤل سرعة الانتعاش ما بعد كوفيد-19 وبقاء مصادر النمو محدودة.
ويلفت التقرير إلى ان أوضاع المالية العامة للسلطة الفلسطينية ما زالت تواجه تحديات جسيمة. وعلى الرغم من زيادة عائدات المالية العامة، فإن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدن. وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تقوم بتحصيلها لحساب السلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة). وبعد حساب الدفعة المقدمة من إيرادات المقاصة التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، والتمويل المقدم من المانحين، من المتوقع أن يصل عجز موازنة السلطة الفلسطينية إلى 1.36 مليار دولار في 2021. وقد تواجه السلطة الفلسطينية صعوبات في الوفاء بالتزاماتها الجارية قرب نهاية العام. ولم تعد السلطة الفلسطينية قادرة على الاقتراض من البنوك المحلية، ولذلك قد تضطر إلى زيادة تراكم المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، الأمر الذي يؤدي إلى سحب مزيد من السيولة في السوق.
ولا تزال فجوة التمويل المتوقعة كبيرة جدا. وفي الوقت الراهن، يدعو التقرير المانحين إلى المساعدة في خفض عجز الموازنة، والحكومة الإسرائيلية إلى معالجة بعض تسربات الموارد من المالية العامة التي لا تزال قائمة. فعلى سبيل المثال، تقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية بتحصيل الإيرادات الضريبية من الشركات العاملة في المنطقة (ج)، وتحصل الحكومة الإسرائيلية رسوم المغادرة في معبر جسر اللنبي، ولكن لم يحدث تحويل منتظم لهذه الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية كما تقضي الاتفاقيات الموقعة. وإذا تم صرف بعض هذه الأموال، فسوف يتيح تمويلا سريعا تشتد الحاجة إليه في هذه الأوقات الصعبة. وفضلا عن الأولويات العاجلة، يجب أن تبذل السلطة الفلسطينية جهودا لوضع المالية العامة في مسار أكثر استدامة من خلال توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين إدارة نظام معاشات تقاعد القطاع العام السخي، والإحالات الطبية، وتحسين البيئة التنظيمية لتصبح أكثر ملاءمة للاستثمار ونمو القطاع الخاص.
ويتناول التقرير أيضا الآثار التراكمية لسنوات من الحصار على اقتصاد غزة الذي انكمش في الوقت الحالي إلى نسبة ضئيلة من إمكاناته التقديرية. وتقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18% فقط. وشهد قطاع غزة تراجع أنشطة التصنيع وأصبح اقتصاد القطاع يعتمد بنسبة كبيرة على التحويلات الخارجية. علاوة على ذلك، أثر التدهور الاقتصادي في قطاع غزة تأثيرا شديدا على مستويات المعيشة، إذ بلغ معدل البطالة 45%، ووصل معدل الفقر إلى 59% من جراء جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوما وتدهور الأوضاع من جراء تفشي جائحة كورونا. ويعاني المواطنون في غزة من نقص إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الصرف الصحي، والصدمات النفسية الناجمة عن الصراع، والقيود على الحركة والانتقال.
وأضاف شانكار بقوله: "تبعث الظروف المعيشية المروعة والاعتماد الشديد على المساعدات الاجتماعية لسكان غزة على القلق البالغ. ومن الضروري أن تبذل كل الأطراف جهودا منسقة لتلبية الاحتياجات التي تم تحديدها في التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في قطاع غزة (2021) الذي قاده البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمساندة جهود الإعمار وعكس مسار الانحدار في مؤشرات التنمية ومستويات المعيشة في القطاع".
وبالنسبة للإجراءات ذات الأولوية الواجب اتخاذها فتشمل زيادة إمدادات الكهرباء وتطوير البنية التحتية والشبكات لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة. ويتضمن هذا توصيل الغاز الطبيعي إلى قطاع غزة من أجل إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة. وتحصل نسبة لا تتجاوز 1% من السكان على إمدادات مياه الشرب المحسنة وعلى قدر محدود من خدمات معالجة مياه الصرف، ولذلك فثمة ضرورة ملحة لتعميم إمكانية الحصول على إمدادات مياه شرب محسنة، ومعالجة 95% من مياه الصرف التي تنتج في غزة. ومن الأمور بالغة الأهمية بذل جهود لإعادة ربط قطاع غزة باقتصاد الضفة الغربية والأسواق الخارجية، ومن ذلك إصدار تراخيص الأعمال لتجار غزة، وتخفيف القيود على مستلزمات الإنتاج ذات الاستخدام المزدوج. ومن الضروري أيضا العمل على تعميم إمكانية الوصول إلى الربط الرقمي الذي سيساعد على ربط الناس والاقتصاد بالأسواق الإقليمية والعالمية. ويجب بعد ذلك توفير خدمات النطاق العريض لاتصالات الهاتف المحمول من الجيل الثالث على الأقل في إطار زمني واضح، وتخفيف القيود على دخول معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.