إسرائيل تخوض حربًا وجودية... الفلسطينيون إلى أين؟

إسرائيل تخوض حربًا وجودية... الفلسطينيون إلى أين؟

الفلسطينيون إلى أين؟ سؤال يتردد في أذهان الكثيرين في ظل الوضع المعقد والظروف الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل أو في الشتات/ يعكس هذا السؤال التحديات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية الكبيرة التي تواجه الفلسطينيين في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى التقلبات الإقليمية والدولية التي تؤثر على القضية الفلسطينية.

منذ عام 1948، حيث نكبة الشعب الفلسطيني وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، يعاني الفلسطينيون من تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية. وفي ظل احتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، وإقامة المستوطنات الإسرائيلية، تتعقد آمال الشعب الفلسطيني في الحصول على دولة مستقلة وذات سيادة. على الرغم من المحاولات المستمرة للتوصل إلى حل، مثل اتفاقيات أوسلو، إلا أن الصراع استمر بلا حل نهائي.

تحديات أمام الفلسطينين

في الوقت الحالي، يواجه الفلسطينيون تحديات متعددة تشمل:

الاحتلال الإسرائيلي المستمر: بما في ذلك التوسع في بناء المستوطنات، وممارسات التهجير القسري، وفرض الحصار على قطاع غزة.
الانقسام الفلسطيني الداخلي: حيث تواصل حركتا فتح وحماس خلافاتهما السياسية، مما يضعف الجبهة الداخلية ويؤثر على وحدة الموقف الفلسطيني.
التدهور الاقتصادي: لا سيما في قطاع غزة، الذي يعاني من حرب إسرائيلية منذ أكثر من 400 يوم، وحصار خانق وفقر شديد، بينما الضفة الغربية تواجه تحديات اقتصادية بسبب القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة.
الاعتراف الدولي: رغم اعتراف العديد من الدول بفلسطين كدولة، إلا أن إسرائيل تواصل فرض واقعها العسكري والسياسي على الأرض، مما يعقد أي حل سياسي مستقبلي.
مستقبل القضية الفلسطينية

علاوة على ذلك، يواجه الفلسطينيون العديد من الخيارات والأفق المجهول في ظل الصراع المستمر، هناك عدة مسارات يمكن أن تتجه إليها القضية الفلسطينية:

التمسك بالمقاومة الشعبية: الفلسطينيون قد يواصلون اعتماد استراتيجية المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال، وهو ما قد يعزز التضامن الدولي مع قضيتهم.

المفاوضات السياسية: رغم التشاؤم من عملية السلام بسبب الفشل المتكرر في التوصل إلى اتفاقات قابلة للتنفيذ، قد يستمر بعض القادة في السعي نحو العودة إلى طاولة المفاوضات.

الانتفاضة المسلحة: في حال استمرت الضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين، قد تزداد احتمالية العودة إلى الانتفاضات المسلحة، وهو ما من شأنه أن يزيد من تعقيد الوضع في المنطقة.

الضغط الدولي والتضامن العالمي: قد يعتمد الفلسطينيون على الدعم الدولي، خاصة من الدول العربية والغربية التي تؤيد الحقوق الفلسطينية، للتأثير على السياسات الإسرائيلية عبر العقوبات أو التوجهات الدولية في المنظمات مثل الأمم المتحدة.

حل الدولتين أو دولة واحدة: ما زال النقاش حول حل الدولتين (إسرائيل وفلسطين) قائمًا، رغم التحديات الكبيرة، أو قد يتجه البعض نحو مطالبة بحل دولة واحدة يتساوى فيها الجميع في الحقوق بغض النظر عن العرق أو الدين.
 

واقع إسرائيل بعد السابع من أكتوبر

بعد الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023، تعرضت إسرائيل لخسائر بشرية وعسكرية فادحة ورغم تلك الصدمة، حققت تل أبيب انتصارات استراتيجية على مختلف الجبهات، الآن، تغير مجرى الحرب في إسرائيل، حيث بدأت القيادة الإسرائيلية تعيد تقييم استراتيجياتها تجاه الصراعات مع حماس وحزب الله، ومع تعاملها مع إيران التي أصبحت تهديدًا رئيسيًا.حسب صحيفة أتلانتيك.

حرب غير تقليدية في ظل تصاعد التهديدات من جهات متعددة، أبرزها إيران و"أذرعها" في المنطقة مثل حماس وحزب الله، وقد شهدت إسرائيل في الأشهر الماضية تحولًا كبيرًا في استراتيجيتها العسكرية والاستخباراتية بعد الصدمة، وهو ما دفع القيادة الإسرائيلية إلى إعادة النظر في مواقفها وتوجهاتها على كافة الأصعدة.

 

التحولات الاستراتيجية على الجبهات المختلفة

 

1. حرب غزة وتدمير حماس: في السياق العسكري، شهدت إسرائيل بعض النجاحات الملحوظة في غزة، فقد تمكنت القوات الإسرائيلية من قتل قائد حماس يحيى السنوار وعدد كبير من كبار قادة الحركة، ورغم أن مقاتلي حماس يواصلون مهاجمة الجنود الإسرائيليين، إلا أن الجيش الإسرائيلي الذي كان يعتمد على تنظيم ضخم ومؤسسات قتالية متطورة، تكبد خسائر فادحة حيث تم تدمير نصف القوات.

 

2. نجاحات على الحدود الشمالية: في الشمال، كانت هناك تطورات دراماتيكية أخرى، حيث تم القضاء على معظم قادة حزب الله اللبناني، من بينهم حسن نصر الله وفؤاد شكر. كما تم تدمير جزء كبير من مخزونات حزب الله من الأسلحة والصواريخ، ورغم أن قوات حزب الله ما زالت تقوم بهجمات على القوات الإسرائيلية، إلا أنها لا تستطيع تجميع تشكيلات قتالية معقدة كما كان الحال في السابق.

 

إيران: عدو رئيسي في الحروب المستقبلية

1. الهجمات الإيرانية والمواجهة مع الدفاعات الجوية: تعتبر إيران من العوامل الرئيسية في هذه الحرب متعددة الجبهات، حيث حاولت شن ضربات ضد إسرائيل باستخدام صواريخ بعيدة المدى، ومع ذلك، تصدت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية لهذه الهجمات. وفي المقابل، نجحت إسرائيل في تدمير نظام الدفاع الجوي الإيراني "إس-300"، مما أفقد إيران أحد أبرز وسائل الدفاع.

 

2. إيران وحلفاؤها في حرب وجودية: تعتقد القيادة الإسرائيلية أن الهجوم الذي شنته حماس كان جزءًا من خطة أكبر تحت إشراف إيران وحزب الله، ويصف بعض الجنرالات الإسرائيليين هذا الهجوم بأنه كان بمثابة بداية لتهديد وجودي، حيث أن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران كانت تخطط لتدمير إسرائيل.

 

التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي

1. الضغط على جيش الاحتياط: يشهد الجيش الإسرائيلي ضغطًا غير مسبوق على وحدات الاحتياط التي تعاني من الإرهاق الشديد، حيث أمضى الجنود معظم العام الماضي في المعارك، مما أثر بشكل كبير على حياتهم وحياة أسرهم، وقد أثرت الحرب بشكل غير متناسب على الجنود من خلفيات قومية ودينية معينة، خصوصًا على القوميين الدينيين الذين تحملوا العبء الأكبر.

 

2. الانقسام الداخلي: لم تقتصر الضغوط على الجنود فحسب، بل امتدت إلى المجتمع الإسرائيلي بشكل عام، حيث بات هناك انقسام كبير داخل المجتمع حول كيفية التعامل مع الحرب، قد وصل الأمر إلى مستويات من التوتر بين مختلف الفئات، بما في ذلك بين العلمانيين والمتدينين، مما أضاف بعدًا اجتماعيًا آخر للحرب المستمرة.

 

ماذا قال قادة إسرائيل؟

تصريحات من القادة العسكريين: أحد الجنرالات الإسرائيليين أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي قد تغير بشكل جذري بعد الهجوم في أكتوبر 2023، وأضاف: "لقد بدأنا ندرك أن الخسائر البشرية لم تعد مرهونة برد فعل فوري، نحن مستعدون لحرب طويلة"، وذكر آخر أن "إسرائيل لم تعد تخشى الخسائر، بل تعتقد أنه لا خيار أمامها سوى الاستمرار في المعركة، بغض النظر عن الضغوط الداخلية والدولية".

 

آراء المحللين العسكريين: من جهته، قال أحد المحللين العسكريين في تل أبيب : "إسرائيل تتعامل الآن مع حرب متعددة الجبهات، لم تعد غزة أو لبنان فقط هي ميدان المعركة، بل أصبحت إيران اللاعب الأبرز، والهدف هو الصمود في هذه الحرب الوجودية".

 

ماذا قال الفلسطينيون عن الحرب الوجودية؟

 

 

الفلسطينيون تحدثوا مرارًا عن الحرب الوجودية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مشيرين إلى أن الصراع ليس مجرد نزاع عسكري بل هو صراع مستمر على الوجود والحقوق، فيما يلي بعض التصريحات التي قدمها قادة فلسطينيون حول الحرب الوجودية:

1. الرئيس محمود عباس:  
   أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عدة مناسبات أن الصراع مع إسرائيل هو صراع وجودي من أجل الأرض والحقوق الوطنية الفلسطينية. وقال في إحدى خطاباته: "نحن لا نطلب سوى حقنا في العيش بسلام على أرضنا، وهذه الأرض هي جزء من هويتنا وثقافتنا".

2.ياسر عرفات (رحمه الله):  
   في خطاباته الشهيرة، كان عرفات دائمًا يصف الصراع مع إسرائيل كحرب من أجل الوجود الفلسطيني. وقال في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974: "جئتكم حاملاً غصن الزيتون بيد، والمسدس بيد أخرى، فلا تتركوا غصن الزيتون يسقط من يدي".

3. رئيس حركة حماس إسماعيل هنية:  
   هنية صرح مرارًا بأن الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي هي حرب من أجل البقاء، وأن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن حقوقه المشروعة مهما كانت التضحيات، وأضاف أن "هذه المعركة ليست فقط من أجل التحرير، بل من أجل أن يكون لنا وطن نعيش فيه بكرامة".

4. خالد مشعل:  
   رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، أكد أن فلسطين هي قضية وجودية للفلسطينيين، وأن النضال الفلسطيني ليس فقط ضد الاحتلال، بل ضد محاولات محو الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، وقال في تصريحات سابقة: "فلسطين لن تكون فقط حجرًا في طريق المشروع الإسرائيلي، بل ستكون رمزًا للمقاومة والصمود".

5. زياد النخالة (أمين عام حركة الجهاد الإسلامي):  
 النخالة تحدث عن أن الحرب الوجودية الفلسطينية هي حرب ضد "محو الذاكرة" والتهجير القسري للفلسطينيين من أرضهم. أضاف: "نحن لا نقاتل فقط من أجل الأرض، بل من أجل هويتنا وحقنا في العيش بحرية في وطننا".

يشار إلى أن هذه التصريحات تبرز فكرة أن الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي ليس مجرد نزاع مؤقت، بل هو صراع طويل الأمد من أجل حقوق الشعب الفلسطيني وأرضه وهويته.

التحديات أمام الاحتلال
إسرائيل الآن في مرحلة مفصلية، حيث يتعين عليها اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى لمواجهة الحرب متعددة الجبهات، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، فإن إسرائيل على ما يبدو عازمة على الاستمرار في هذه الحرب الوجودية، مستندة إلى قوة دفاعها العسكرية وعزيمة شعبها، لكن مع إدراك أن الحرب قد تطول وقد لا تكون النهاية قريبة.

بناءً على ما سبق، يبقى السؤال "إلى أين؟" بلا إجابة واضحة، إذ يتأثر بشكل رئيسي بالتطورات الإقليمية والدولية. لكن الأمل في مستقبل أفضل يبقى حيًا في قلوب العديد من الفلسطينيين، الذين يواصلون النضال من أجل حقوقهم الوطنية في الحرية والعدالة، وفي النهاية، المستقبل الفلسطيني مرهون بالتطورات السياسية، المقاومة الشعبية، وفاعلية الدعم الدولي، وصمود المواطن في أرضه وبيته.

 


Share: