مهجّرو الشيخ مونّس.. حنين وأحلام لا تنتهي

مهجّرو الشيخ مونّس.. حنين وأحلام لا تنتهي

سلفيت- على مدار 74 عاما، اعتبرت النكبة الركيزة الأساسية للذاكرة الجمعية الفلسطينية، نُسجت حيثياتها في قلوب وعقول أبناء الشعب الفلسطيني جيلا بعد جيل، ولا يخفى على أي فرد فلسطيني ما حدث في العام 1948 من عمليات قتل وترهيب أدت إلى تشريد الفلسطينيين من بيوتهم، ليهيموا في أصقاع الأرض بحثا عن مكان آمن يحميهم من الموت المحتم الذي كان يلاحقهم.

جيل كامل هُجر من منزله وهو صغير، يعيش ذكريات ومشاعر وعواطف مليئة بالمرار وعبء وألم اللجوء.. بعضهم انقضى به العمر وهو ينتظر على أمل العودة لمسقط رأسه.

الشقيقان جابر وجبر محبوبة يرويان لـ"وفا" قصة لجوئهما من قرية الشيخ مونّس قضاء يافا إلى مدينة سلفيت، حيث طغى الشوق على لغتهم وتعبيراتهم والحنين إلى أكثر الأماكن أمنا واستقرارا.

يقول جابر محبوبة (83 عاما)، في قرية الشيخ مونّس، كنا نعيش حياة رغيدة، نأكل ما لذ وطاب من الطعام، ولباسنا كان عبارة عن بدلات منسوجة من الصوف، واحذيتنا من أشهر الماركات ذات الجودة العالية.. نزرع الأرض بالقمح، والصبر، والسمسم وكل أنواع الخضراوات والفواكه والحبوب، ونأكل من خيراتها.

وأضاف: قريتنا كانت أشهر بلد في زراعة الحمضيات في فلسطين التاريخية، كنا نعمل في الزراعة ونجني الأموال ونبني البيوت، ونعمر قريتنا.

وربط محبوبة حالة اللجوء التي عاشوها فيما بعد بمفهوم العزة والكرامة التي سلبت منهم وافتقدوها فور فقدانهم للأرض والمكان الذي ولدوا فيه، وكيف تحولت حياتهم إلى تشتت وهجرة ومعاناة، وتحول لباسهم إلى ما تحيكه والدته من أكياس الطحين "الخيش"، وأحذيتهم من "الكوشك".

وبحسب الأخوين محبوبة فإن قرية الشيخ مونّس كانت من أولى القرى التي تعرضت للتهجير والاستهداف كونها تقع على الساحل الفلسطيني.

 ويقول جبر محبوبة (86 عاما)، خرجنا من منازلنا بعد أن شعرنا بالخطورة الشديدة على حياتنا، وعندما بدأ أهالي القرية بسماع إطلاق النار بالقرب من نهر العوجا وفي العباسية والقرى المجاورة، قررنا الخروج من المنزل لفترة قصيرة.

وذكر، كان في الشيخ مونّس شخص يُعرف بعبد القادر السلفيتي يأتي من سلفيت للعمل في قريتنا، وكانت تربطه بوالدي علاقة طيبة، وعندما بدأ أهالي القرية بالهجرة أشار السلفيتي على والدي أن نأتي إلى هنا حتى ينتهي الخطر ونعود إلى منازلنا.

"تركنا أبواب المنزل ونوافذه مفتوحة، وأذكر أن والدتي قامت بتعبئة جرة الفخار بالمياه ووضعتها على النافذة حتى تكون باردة عند عودتنا" أضاف جابر.

وعن التعليم في الشيخ مونّس ذكر جابر محبوبة لـ"وفا": ونحن في الصف الأول الابتدائي كان المعلم يجعلنا نقف على باب الصف وننظر إلى البحر ويقول لنا: بحر يافا أزرق، سماء يافا زرقاء. ونبقى نرددها بعده مبتهجين.

وتابع، أذكر أنه عندما أخبرنا مدير المدرسة أننا لن نعود إلى مقاعد الدراسة بعد ذلك اليوم شعرت بالحزن الشديد، وفي طريقي إلى المنزل وضعت يدي على جدار المدرسة وقلت "بخاطرك يا مدرستنا"، والدموع تنهمر على وجهي.

وأضاف: عندما جئت على سلفيت اخترت أن أكمل تعليمي، ورغم ضيق الحال كنت اقوم بنسخ الكتاب على دفتر صغير لأن تكلفته أقل، ومع ذلك كنت الأول في صفي، وكان حلمي أن أصبح معلما. وصرت.

وبيّن محبوبة، شاءت الأقدار أن التقي بمدير مدرستي بعد عدة سنوات في سلفيت عندما التحقت بسلك التعليم وكان هو مشرفا. وفي أحد الأيام جلست بجانبه وقلت له انا أحد طلابك من مدرسة الحج مونّس، وأصبحنا فيما بعد صديقين نروي لبعضنا ذكريات قريتنا، وتجمعنا مشاعر الحنين.

وبحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني فإن قضاء يافا كان يضم 23 قرية أنشئت في 16 منها مدارس رسمية منذ الاحتلال حتى العام الدراسي 1942-1943، من بينها خمس مدارس ابتدائية كاملة، وهي: بنين العباسية، وبنين الشيخ مونّس، وبنين بيت دجن، وبنين يازور، وبنين سلمة. وكان أعلى صف هو السادس الابتدائي في مدرسة كفر عانة، والرابع الابتدائي في مدارس قرى أبو كشك وبنات بيت دجن وفجة والحرم والخيرية والمسعودية والسافرية وبنات سلمة وساقية وبنات يازور. وفي السنين الأخيرة من الحكم البريطاني أصبحت مدارس كفر عانة والخيرية والسافرية مدارس ابتدائية كاملة.

ولمدرسة قرية الشيخ مونّس الكبيرة أرض تقترب مساحتها من 36 دونما، ولها غرفة يتمرن فيها الطلاب على التجارة والأعمال اليدوية، وفيها مكتبة ضمت 478 كتابا. وكانت القرية تدفع رواتب معلمين اثنين ومعلمة واحدة.

عن (وفا)


Share:


آخر الأخبار