تراجع سكان باريس: ما السر وراء هجرة الأهالي؟

تراجع سكان باريس: ما السر وراء هجرة الأهالي؟

انخفاض عدد سكان باريس والتغيرات الديموغرافية

تشهد العاصمة الفرنسية باريس تراجعاً مستمراً في عدد سكانها منذ حوالي سبعة عقود، وسط شيخوخة عامة في التركيبة السكانية رغم تزايد عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً ممن يختارون الانتقال إليها. 

وفقاً لآخر إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE) الصادرة في أكتوبر 2024، بلغ عدد سكان باريس 2.1 مليون نسمة.

 

استمرار ظاهرة التراجع السكاني
تستمر هذه الظاهرة التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي، حيث سجلت باريس بين عامي 2015 و2021 انخفاضاً سنوياً بمتوسط 12200 نسمة، ما يعادل تراجعاً نسبته 0.6% سنوياً.

وعلى الرغم من زيادة عدد الولادات بنسبة 0.6% سنوياً، لم يكن ذلك كافياً لتعويض الخسائر الناتجة عن الهجرة، التي أسفرت عن تراجع سنوي بمعدل 1.2%.

 

تركيبة سكانية متقدمة في العمر
تتميز باريس بكثافة سكانية عالية، لكن سكانها يتقدمون في العمر، إذ يبلغ متوسط العمر 40.3 سنة، ويشكل من هم فوق 60 عاماً حوالي 23% من إجمالي السكان.

يتوقع المعهد الوطني للإحصاء استمرار هذه التوجهات الديموغرافية، ما قد يؤدي لانخفاض عدد سكان باريس بمقدار 82 ألف نسمة بحلول عام 2040 مقارنة بسنة 2020، بينما قد تشهد ضواحي باريس زيادة في عدد السكان.

 

التركيبة الأسرية وظروف السكن
تشمل الأسر الباريسية نسبة كبيرة من الأفراد غير المتزوجين، والذين يشكلون نصف مجموع الأسر، إضافة إلى الأزواج بدون أطفال.

حوالي 14% من المساكن في باريس تعاني من الاكتظاظ، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بباقي المدن الفرنسية الكبرى. كما تعتمد معظم الأسر على الإيجار، حيث يستأجر ثلثا الأسر وحداتهم السكنية، والتي غالباً ما تكون شقق صغيرة مكونة من غرفة أو غرفتين.

أسباب مغادرة الباريسيين للمدينة
    1.    تراجع المواليد: شهدت باريس انخفاضاً في عدد الولادات من 32 ألف طفل عام 2022 إلى 22 ألفاً في 2023، ما دفع الأزواج الشباب للبحث عن مناطق أكثر اتساعاً وأقل تكلفة، مما أثر بدوره على عدد الطلاب في المدارس.
    

2.    الشيخوخة السكانية: يشكل كبار السن 23% من سكان باريس مقابل 13% فقط لمن هم دون سن الخامسة عشرة، ما يعمق الفجوة العمرية ويزيد من الضغط على سوق العقارات.
  

 3.    نقص الشقق العائلية: قلة الشقق الكبيرة وبأسعار مناسبة تدفع العائلات لمغادرة باريس. مع زيادة أعداد الشقق الصغيرة مثل الاستوديوهات، اضطرت العديد من الأسر للانتقال إلى مناطق توفر بيئة ملائمة لحياتهم.
  

 4.    ارتفاع تكاليف المعيشة: الزيادة الملحوظة في التضخم أدت إلى ارتفاع أسعار الإيجارات والخدمات الأساسية كالنقل والطاقة، مما دفع بعض السكان للانتقال للضواحي أو إلى مدن أخرى في فرنسا بحثاً عن تكاليف حياة أقل.

وعلى الرغم من حيوية باريس وتعدد الثقافات فيها، تواجه المدينة تحديات ديموغرافية معقدة قد تؤثر على بنيتها الاجتماعية والاقتصادية.

يتطلب الأمر دراسة معمقة لهذه التحولات لتطوير حلول تضمن استدامة سكان المدينة وتلبية احتياجاتهم.